في الدرباسية.. تلاعبٌ بقوت الشعب وصحته

في الدرباسية.. تلاعبٌ بقوت الشعب وصحته

التزم أهالي مدينة الدرباسية إلى حد بعيد بقرار حظر التجوال المعلن من قبل «الإدارة الذاتية» كإجراء احترازي لتفادي ظهور وانتشار فيروس كورونا المستجد في المنطقة، وفي هذا السياق، تم إغلاق جميع المحال التجارية والعيادات الخاصة، لتُستثنى من هذا القرار فقط الصيدليات ومحلات بيع المواد الغذائية والأفران، ولكن ضمن فترة زمنية محددة للعمل، وذلك من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة الواحدة ظهراً.

لكن يبدو أن تلك الساعات الخمس كافية للتلاعب بقوت الشعب ومصيره من قبل أصحاب النفوس الضعيفة وتجار الأزمات، حيث أن منشار التجار قد بدأ بقص رقاب الشعب حتى قبل دخول قرار الحظر حيّز التنفيذ، حيث أنهم ما إن سمعوا بقرار إلزام السكان منازلهم حتى أخذوا يضاعفون الأسعار، ضعفاً وضعفين وحتى ثلاثة أضعاف، ليسمع الناس في اليوم التالي أسعاراً خيالية لم يسمعوها حتى في أشد أيام الأزمة السورية، حيث الحصار وقطع الطرقات.

الدولار للتسعير والاستغلال

على سبيل المثال: سعر السكر كان قبل إعلان القرار 600 ل.س للكيلو غرام الواحد، ليصبح في اليوم الأول للحظر ما بين 750- 800 ل.س للكيلو غرام الواحد، كما أن سعر طبق البيض قد قفز من 1650- 1700 ل.س، عشية تطبيق القرار، إلى 1950- 2000 ل.س، كما أن علبة الزيت النباتي ذات الأربعة ليرات كان سعرها ما بين 4300- 4500 ل.س، لتصبح بين 4800- 5000 ل.س والقائمة تطول.
مع العلم أن الطرقات أمام سيارات نقل تلك المواد لم تُغلق أبداً، أي أنه لم يطرأ أي تغيير على كيفية تأمين وشحن تلك المواد بين المدن، ولكن وكما كل المرات يتحجج هؤلاء التجار بسعر ذلك الأخضر اللعين ليغطوا به جشعهم واستغلالهم لقوت الشعب، مع العلم أن مكاتب الصرافة تخضع لقرار الحظر كما باقي المحلات الأخرى.
من جهة أخرى يقوم هؤلاء التجار بتكديس البضائع، ويمتنعون عن بيعها في كثير من الأحيان، ليستفيدوا من هوامش الربح الإضافية وفوارقها اللحظية، حيث أنهم يقومون ببيع بضاعتهم وفق سعر الدولار في ساعة بيع تلك البضائع، أي أن سعر السلعة ذاتها قد يتغير من ساعة إلى أخرى.

الصيدليات ليست بأحسن حال

يبدو للعيان في الدرباسية أن مهنة العمل الصيدلاني قد تحولت من شهادة علمية ذات بعد انساني، إلى مهنة تكسّب وتربّح كما بقية المهن، بعيداً عن جوهرها الإنساني.
فحتى المواد الأولية للوقاية من وباء كورونا المستجد، من كمامات وقفازات ومعقمات...إلخ، لم تسلم من ارتفاع الأسعار، حيث أصبح سعر الكمامة الواحدة على سبيل المثال 500 ل.س (لأسوأ أنواع الكمامات) في أخر مرة ظهرت في الصيدليات، بعد أن كانت حوالي 200- 250 ل.س في بادئ الأمر، أضف إلى ذلك الاستراتيجية الجديدة التي يتبعها المتحكمون بهذه المواد، حيث تنفذ من الأسواق فترة معينة لتعود وتظهر مرة أخرى بسعر مضاعف، وقس على هذا المنوال باقي المواد الطبية الأولية الأخرى، وكذاك بقية الأدوية.
وعند الحديث عن هذه الفروقات الخيالية في الأسعار، يُردد البعض على مسامعنا مقولة: «بالمال ولا بالعيال»، بما معناه: سنتحمل هذه الأسعار ريثما تفرج، أفضل من أن يُصاب أحد منا بهذا الفيروس اللعين، ولكن واقع الحال يُفند حتى تلك المقولة، حيث إن الغالبية العظمى من أبناء الدرباسية هم عمال بأجر، أي أن هذا الحجر يتسبب بخسارتهم لقوتهم اليومي، ليتعرضوا أيضاً إلى جشع هؤلاء التجار أو المرض، فيكون (فوق الموتة عصة قبر).

إجراءات غير رادعة

دعت شعبة التموين التابعة «للإدارة الذاتية» في مدينة الدرباسية، عبر مكبرات الصوت، أهالي المدينة إلى الإبلاغ عن كل من يتلاعب بالأسعار المعتمدة من قبل الشعبة، كي تقوم الشعبة بدورها بتنظيم المخالفات بحق هؤلاء، كما أن دوريات الشعبة جالت في محلات المدينة، وبحسب مصدر من الشعبة أكد لقاسيون بأن بعض الضبوط نُظمت بحق بعض المخالفين، وتم تغريمهم بمبالغ مالية.
ولكن هذه الإجراءات، وبالرغم من أهميتها، لم تفلح في كبح جماح هؤلاء المستغلين، وفي بعض الأحيان تزيد من أطماعهم، حيث إن من يتم مخالفتهم وتغريمهم بمالغ مالية، يقومون بإضافة مبلغ المخالفة إلى أسعار السلع، لتزداد أضعافاً أخرى، فضلاً عن أنه حتى الآن لم يتم تشميع أي محل بالشمع الأحمر، كما أنه لم يتعرض أي تاجر كبير إلى أية مخالفة تنفيذية، لتقتصر الإجراءات المتخذة فقط على المبالغ المالية، والتي كما أسلفنا يتم إضافتها إلى سعر البضاعة، أي حتى المخالفات والغرامات يتم دفعها من جيب المواطن الفقير.
والنتيجة أن الاستغلال الجائر الجاري بحق أهالي مدينة الدرباسية لم يعد يقتصر على قوتهم اليومي فقط، بل وعلى حساب صحتهم أيضاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
960
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 13:55