الجوع أخطر من المرض.. المفقرون والمهمشون بلا مظلة حماية..

الجوع أخطر من المرض.. المفقرون والمهمشون بلا مظلة حماية..

توقفت الكثير من الأعمال، وأُغلقت الكثير من المنشآت، مطاعم وكافتيريات ومقاهٍ و..، بالإضافة للمشاغل والورش الصغيرة، وتوقف الكثير من الحرفيين والمهنيين عن أعمالهم أيضاً، تقيّداً بالتعليمات الرسمية الصادرة كإجراءات احترازية ووقائية، وتقيّداً بتعليمات السلامة الصحية والالتزام بالبيوت طوعاً للحد من خطر جائحة «الكورونا». وكل ذلك لا شك هام وضروري، بل ولا غنى عنه وقايةً واحترازاً.

لكن ماذا عن العاملين بهذه القطاعات والمنشآت والورش والحرف، الذين فقدوا مصدر دخلهم بالنتيجة، ومن أين لهؤلاء أن يؤمنوا احتياجاتهم وضروراتهم، الغذائية والصحية بالحد الأدنى، بعد أن خسروا فرص عملهم وفقدوا معها مصدر دخلهم الوحيد؟.

شريحة كبيرة بلا حماية

العاملون في هذه القطاعات والمنشآت والورش والحرف والمهن، وعلى الرغم من كونهم الأكثر عدداً بالمقارنة مع العاملين في الدولة والقطاع الخاص المنظم، إلا أنهم الأكثر ضعفاً والأكثر هشاشة وتهميشاً، فهؤلاء بغالبيتهم مياومون، يتقاضون أجورهم الهزيلة نهاية كل أسبوع، وهي بالكاد خلال السنين الماضية كانت تغطي الحد الأدنى من كفاف الضرورات الغذائية لأفراد أسرهم فقط، فكيف الآن وقد أصبحوا بلا دخل، وأضيفت المنظفات والمعقمات والاحتياطات الصحية على الضرورات الحياتية؟! وكيف لهم أن يستمروا بالحياة في ظل التخلي عنهم، وخاصة مع تزايد أوجه الاستغلال في الأسواق على السلع الأساسية، التي ارتفعت أسعارها تحكماً وجشعاً؟.
هذه الشريحة الكبيرة عدداً مع أفراد أسرها، وفي ظل عدم وجود أية مظلة حماية لهم، رسمية أو غير رسمية، أصبحوا معرضين للمزيد من الفقر والعوز والجوع والمرض، بل أصبحت حياتهم مهددة جوعاً أكثر من كونها مهددة مرضاً بأضعاف!.

ارتفاع معدلات الجوع والفقر والمرض

واقع الحال يقول إن معدلات الفقر والجوع كانت مرتفعة سلفاً، كما أنها تشمل غالبية السوريين من الشرائح الهشة والمهمشة، ذوي الدخل المحدود وجميع العاملين بأجر والمياومين والعاطلين عن العمل، مع أفراد أسرهم، وهؤلاء كانوا ضحايا وقرابين السياسات الليبرالية المطبقة منذ عقود، والتي تزايدت مفاعيلها السلبية خلال سني الحرب والأزمة، على أيدي شريحة المستفيدين من هذه السياسات، كبار الفاسدين والناهبين وتجار الحرب والأزمة والمستغلين.
ومع فقدان جزء هام من هذه الشريحة لفرص عملها، وخسارتهم لمصدر دخلهم الهزيل أصلاً، بسبب الوباء الجائحة، وتقيّداً بتعليمات الوقاية، فإن النتيجة الحتمية من ذلك هي ارتفاع جديد لمعدلات الفقر والجوع، وبنسب مرتفعة أضعافاً عمّا سبق، وبالتالي زيادة تعرض هذه الشريحة للأمراض، وتوسع انتشارها بينها، ليس بسبب عدم تمكنها من تلقي العلاج وصولاً للشفاء لارتفاع تكاليفه عليها فقط، بل بسبب زيادة ضعف مناعتها الذاتية المرتبطة بسوء تغذيتها المزمنة سلفاً، والتي ستتراجع من كل بد مع تخفيض سلة استهلاكها الغذائي أكثر مما سبق بسبب فقدانها لمصدر دخلها.

على خطوط المواجهة بلا أسلحة

هذه الشريحة الواسعة، المغيبة والمنسية أصلاً من حيز الاهتمام الحكومي طيلة عقود، أغفلتها التعليمات الأخيرة الصادرة رسمياً، على أهميتها وضرورتها، بخصوص الحجر والوقاية، على مستوى تأمين متطلبات معيشتها ومتطلبات مواجهة الجائحة، غذائياً وصحياً، رغم المعرفة المسبقة بأن هذه الشريحة الكبيرة لا تظلّها أية مظلة حماية لا صحية ولا اجتماعية، وبأنها ستكون كما كل مرة في خطوط الدفاع والهجوم الأولى، وستكون هي من تدفع ضريبة المواجهة على جبهة «الكورونا» الحالية، كما كل ما سبقها من جبهات، لتخوض المعركة دون أسلحة وبلا خطوط إمداد.
طبعاً هذا لا ينفي أن أصحاب الأعمال والحرف والورش الصغيرة التي توقفت لن يتأثروا سلباً على المستوى المعيشي والصحي أيضاً، فهؤلاء الصغار سيتم ابتلاعهم عملياً، وربما سينضمون لهذه الشريحة الكبيرة، لتصبح الكارثة أكبر وأوسع وأعمق.
فالحكومة أصدرت توجيهاتها وتعليماتها، التي ربما تصل لحدود الإغلاق التام مع حظر التجوال لاحقاً، تاركة المفقرين والمهمشين لمصيرهم، ليس على مستوى مواجهة الجائحة فقط، بل والأهم على مستوى مواجهة الجوع المتزايد!.
وأي مصير سيئ يمكن توقعه لهذه الشريحة أمام هاتين الجبهتين المعززتين بكل تاريخ التخلي والنهب والفساد والاستغلال؟!

التداعيات هي الأخطر

السياسات الليبرالية المتبعة منذ عقود أفرزت الكثير من السلبيات «فقر- بطالة- جوع..»، كما كرست الكثير من الظواهر السلبية في المجتمع «تهريب- مخدرات- دعارة- سلب- تسول..»، وقد عززت سنوات الحرب والأزمة هذه السلبيات وساهمت بتوسيع انتشار المظاهر السلبية، كما أفرزت المزيد منها «التعفيش- الخطف من أجل الفدية- تجارة الأعضاء...»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل هذه السلبيات والظواهر تديرها شبكات مستفيدة ومرتبطة بشبكة النهب والفساد الكبير في البلد، المرتبطة بمثيلاتها على المستوى الإقليمي والدولي أيضاً.
وربما لا أحد يتصور ما الذي ستفرزه نتائج وتداعيات جائحة الكورونا الحالية من أخطار، ليس على مستوى الصحة والسلامة الصحية، بل على مستوى ما ستفرزه من سلبيات وما تعززه من ظواهر سلبية، خاصة مع تزايد معدلات الفقر والجوع والمرض، في ظل استمرار نمط التخلي الرسمي المعزز بالسياسات المعتمدة، وفي ظل ارتفاع معدلات الاستغلال والفساد التي أصبحت لها ذريعة جديدة الآن تضاف لذريعة الحرب والحصار والعقوبات، والتي لا تصب إلاّ في مصلحة شريحة كبار الأثرياء والفاسدين، وفي جيوبهم، لكن هذه المرة ستكون ليست من جيوب وعلى حساب المفقرين والمهمشين، بل وعلى حساب بقائهم على قيد الحياة.

ذروة جديدة من الاحتقان

الجائحة الحالية، مع تداعياتها ونتائجها السلبية المتوقعة، ربما تشكل ذروة جديدة من ذرى الاحتقان المجتمعي، الذي تزايد وتعمق بسبب سد أفق الحلول سلفاً، قصداً وعمداً، فكيف مع إضافة تداعيات ونتائج سلبية جديدة؟!.
وبهذا الصدد لن نطيل الحديث عن التعليمات والإجراءات المتخذة حكومياً، بل سنعيد التأكيد على أنه في ظل استمرار السياسات الليبرالية المعمول بها والمتّبعة لا رجاء من أي إجراء رسمي، صغير أو كبير، ما لم يتم القطع مع هذه السياسات جملة وتفصيلاً، ولعل الجائحة تعتبر فرصة للبدء في التغييرات المطلوبة والضرورية على هذا المستوى مبدئياً، وصولاً لاستكمال التغيير الجذري والعميق والشامل على المستوى الوطني كاستحقاق مصيري لمصلحة البلاد والعباد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
958
آخر تعديل على الإثنين, 23 آذار/مارس 2020 13:28