الأزمات تُعالج بالمزيد منها
تتكاثر عوامل الضغط على المواطنين من كل حدب وصوب، كما يتزايد واقع الاحتقان لدى الغالبية المفقرة والمهمشة جراء هذه الضغوط والمشاكل والأزمات الكثيرة اليومية غير المحلولة، معيشياً وخدمياً و...
بالمقابل، فإن العقلية القائمة على إدارة أمور البلاد والعباد، تظهر وكأنها تعالج هذه المشاكل والضغوط على مبدأ «وداوها بالتي كانت هي الداء»، مع جرعات من الإلهاء العبثي بين الحين والآخر بغاية بعثرة الجهود وتبديدها، وحرف الأنظار وتجيير الأزمات على حساب الغالبية المُفقرة، وطبعاً بما يحقق مصالح الشرائح المستفيدة من هذه العقلية، والمُسيرة لها، أولاً وآخراً، والمتمثلة بكبار أصحاب الثروة والناهبين والفاسدين وتجار الأزمة وأمراء الحرب.
أزمات مزمنة ومستفيدون
الأزمات والمشاكل التي يعيشها ويعاني منها المواطنون كثيرة وكبيرة ومتفاقمة، قديمة ومستجدة، وهي مرتبطة بعناوين عديدة ومتشابكة (الكهرباء والطاقة - الغاز- المازوت- البنزين- المياه- الخبز- الصرف الصحي- السكن- البطالة- الإنتاج الزراعي- الصناعة- التعليم- الصحة- الأسعار- الأجور- المواصلات...) يضاف إليها جميع المشاكل والأزمات المرتبطة بعنوان «الحرب والأزمة» وبسببها خلال السنوات العشر الأخيرة (العقوبات والحصار- مدن وبيوت مدمرة- ممتلكات منهوبة ومعفشة- نزوح- تشرد- لجوء- مساعدات- تعويضات..)، مع عدم تغييب المشاكل المرتبطة بعوامل الأمن والأمان (القتل- الخطف من أجل الفدية- تصفية الحسابات- التقارير الكيدية- التوقيف والاعتقال- الحواجز..)، ويضاف إلى كل ذلك الظواهر السلبية التي تفاقمت بشكل كبير خلال السنين القريبة الماضية (التهميش- المخدرات- الدعارة- التهريب- التسول..).
ربما من الصعوبة تعداد وذكر جميع الأزمات وأوجه المعاناة التي يعيشها السوريون، والمفروضة عليهم، وكيف يتم تجييرها واستغلالها والاستفادة منها، بما في ذلك ما يرتبط بالشق الديموقراطي والسياسي، والهوامش الضيقة المتاحة أمام القوى الشعبية والوطنية الجدية للقيام بدورها ومهامها، في ظل واقع الأزمة الوطنية العامة ومفرزاتها على مستوى تعزيز الانقسامات والاصطفافات تأثراً بالتداخلات الإقليمية والدولية وأدواتها، المباشرة وغير المباشر، والتي أفرزت بدورها قوى استغلالية مستفيدة ومرتبطة أيضاً.
فالأزمات والمشاكل الكثيرة المزمنة وغير المحلولة أعلاه، تعالج عبر العقلية السائدة بالمزيد من المشاكل الإضافية، والضغوط الممارسة على المواطنين بسببها تعالج بالمزيد من الضغوط عليهم، والاحتقان يعالج بالمزيد منه، وهكذا.. مع المزيد من عوامل الإلهاء وتفويت الفرص أمام أي حل حقيقي يخرج البلاد والعباد من المشاكل والأزمات وحال الاستعصاء، بل على العكس مع المزيد من التراجع والترهل على كافة المستويات، والمستفيد طبعاً من خلف كل ذلك شريحة ضيقة من كبار الأثرياء والناهبين، تستنزف جيوب العباد كما تستنزف إمكانات البلد وتُجيرها لمصلحتها بالتعاون والارتباط مع حفنة من كبار الفاسدين في مواقع السلطة والقرار.
تأجيل المحتوم
لا جديد بالقول إن الحلول الترقيعية الممجوجة للأزمات والمشاكل ليست إلا تأجيلاً مصطنعاً ومؤقتاً لمواجهة المحتوم، والمتمثل بضرورة التغيير الوطني الجذري والعميق والشامل عبر الحل السياسي من خلال بوابة القرار 2254، وكل ما عدا ذلك تضليل ووهم ومستفيدون على حساب المصلحة الوطنية.
فكم من الحلول الترقيعية والتخديرية جرى ترويجها واستخدامها طيلة السنوات الماضية لجملة المشاكل والأزمات أعلاه دون تقديم أي حل نهائي لأي منها حتى الآن؟!..
إن استمرار الوضع على ما هو عليه لا يعني إلّا مزيداً من الأزمات والمشاكل وتوسيعها وتعميقها، مع المزيد من الاحتقان لدى الشرائح المتضررة منها، والتي تزايدت بفعل الاتساع والعمق، حيث لم تعد تقتصر على الشرائح المفقرة والمهمشة فقط، بل شملت شرائح إضافية أيضاً، وكل ما سبق يبدو مقدمات موضوعية ليس لإعادة إنتاج الأزمة مجدداً بشكل أوسع وأعمق فقط، بل لإمكانية إعادة تفجرها بأشكال وأدوات جديدة، ربما لا أحد يمتلك إمكانية تصورها مع نتائجها وتداعياتها والتداخلات عليها أيضاً.
حلول ترقيعية واستغلال
أزمة المحروقات (بنزين- غاز- مازوت) جرى تجيير حلها عبر «البطاقة الذكية» بالتوازي مع تقنينها ورفع أسعارها تحت عنوان «إيصال الدعم لمستحقيه» الذي ترافق مع فرض شرائح كميات ومواعيد وأسعار لكل منها، وقد يبدو أن مشكلة الطوابير من أجل الحصول على هذه المواد انتهت، أو انخفضت معدلات الازدحام فيها، لكن المشكلة لم تحل عملياً، والنتيجة كما نراها انتعاش للسوق السوداء والمستفيدين منها على حساب أصحاب الحاجة، بدلاً من الحد منها والمحاسبة الجدية عليها، ناهيك عن المستفيدين الكبار من فاتورة المحروقات الكبيرة والممسكين بمفاتيحها مع هوامش الربح المضافة استغلالاً بذريعة الحصار والعقوبات..
وكذلك أزمة الكهرباء وساعات التقنين والترددي بالتوازي مع الأعطال للأجهزة الكهربائية المنزلية، ووقف حال الكثير من الأنشطة التجارية والصناعية والحرفية، بالترافق مع انتعاش الأمبيرات وأسواق البدائل الكهربائية والمستفيدين منها طبعاً، مع عدم تغييب فاتورة الإنفاق الكبيرة على صيانة المحطات ومراكز التحويل وقطع غيارها و...
مشكلة رغيف الخبز لم تكن بعيدة عن أشكال الحلول الترقيعية أعلاه، بمقابل استمرار شرائح المستفيدين من فاتورة «الدعم» السنوي لهذا الرغيف، اعتباراً من تجار القمح والطحين وليس انتهاء ببائعي الخبز الصغار..
أزمة المياه لا تختلف من حيث الجوهر، فنقص وشح المياه في الكثير من البلدات والمناطق لم يكن إلا فرصة أمام بعض المستثمرين لها، صهاريج وتجار مياه الشرب وغيرهم..
أما الأزمات الكبرى مثل (الطاقة- السكن- الأجور- الإنتاج- البطالة..) وغيرها فحدث بلا حرج بشأن غياب الإستراتيجيات بشأنها، برغم أشكال الترقيع المعمول بها بين الحين والآخر حيالها (زيادات أجور غير كافية ومتآكلة سلفاً- مشاريع سكن بعناوين مختلفة محدودة وقاصرة مع بطء بالتنفيذ- مخططات تنظيمية مغيبة ومجيرة- مناطق مخالفات وعشوائيات متكاثرة- تآكل دعم الإنتاج ومستلزماته- تراجع الزراعة والصناعة...).
ولا ننسى التفريط بالكثير من القطاعات، بما في ذلك السيادية ذات الريعية المضمونة منها، لمصلحة أصحاب الأرباح، تحت مسميات التشاركية وتشجيع الاستثمار، وغيرها من الإجراءات الترقيعية الشبيهة من حيث المضمون المُجير والاستغلالي بالنتيجة بما يخص بعض العناوين (الدولار- الضرائب والرسوم- الاستيراد والتصدير..)..
فكل أزمة ومشكلة تعتبر فرصة في جيوب الناهبين، لكنها غصة حُنق كبيرة مكبوتة في حلق المفقرين والمهمشين، لكنها لن تبقى كذلك!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 955