محض قصة من الخيال؟

محض قصة من الخيال؟

إن الشعب السوري هو أكثر شعب «منهمك» في الزمن المعاصر، وقته ممتلئ خلال ال24 ساعة في اليوم، ولـ30 يوم في الشهر، ولكل السنة، أتعلمون لماذا؟ إنها «نعمة» الطوابير والانقطاعات بفضل حكومة هذي البلاد.

عائلة سورية من 4 أفراد، لا فرق في أية مدينة تقطن، فكل المناطق سواء...
يستيقظ أبو خالد ذي العقد الخامس من عمره في الصباح «منهمكاً» على الفور، بعد أن وصلته رسالة نصيّة تفيد بأن حصته من الغاز قد «أينعت» بعد طول انتظار و«حان وقت القطاف» خلال 24 ساعة فقط لا غير! لينتصب من فراشه مسرعاً و«يغرّد» مع عصافير الصباح: «بكير يا.. استنولكن شهر تاني». على إثر هذا الغناء تستيقظ زوجته التي لم تنم خلال الليل سوى ساعتين «متقطعتين» وهي ترعى عملية الغسيل بعد كل انقطاع ووصلٍ للكهرباء، فالليلة الماضية على وجه التحديد، ورغم قلة النوم، إنما كانت ليلة عيد بالنسبة لها، حيث المياه الرئيسة تتدفق إلى المنزل لتلك الدرجة التي ظلت فيها «منهمكة» حول بقاء أية زجاجة أو علبة أو حتى كأسٌ أم ملعقة لم تملأها بالمياه، ونامت والشكّ يراودها!
تسأل زوجها لم العجلة؟ لكن أبو خالد لم ينتبه لصوتها، فجلّ ما كان يفعله هو أن يرتدي ثيابه ويفكّر أثناء ذلك بوجبة الطعام التي ستتمكن أم خالد من طبخها اليوم بعد أن يُحضر الغاز، يقول لها «شو رأيك تعمليلنا طبخة مرتبة اليوم» ويبتسم، فتدرك زوجته على الفور بأنه ذاهب لإحضار «العروس»، لتقوم بدورها على عجلٍ أيضاً كي تحضر نفسها إلى رحلة السوق.
في أثناء رحلة الوالدين كلٌ إلى وجهته، كان خالد، طفلهم الصغير، «منهمكاً» في صفّ مدرسته في العبث مع أصدقائه بالمدفأة في أثناء غياب المدرّس عنهم بسبب «انهماكه» بإتمام أوراق تعيينه الرسمية في أحد «طوابير» دوائر الدولة. يضع خالد والأصدقاء مجموعة أوراقٍ من كتبٍ مدرسية مهترئة داخل المدفأة التي لا «طاسة مازوت» لها، ويخرجون ولاعة ليشعلوها، ثم يتظاهرون بالدفء ليثبتوا أنفسهم منتصرين أمام مجموعة تلاميذ آخرين يسخرون منهم.
أما فرح، ابنتهم الكبيرة، تخرج من عملها للتوّ «منهمكة» في الإسراع إلى المنزل قبل أن يحين موعد التقنين الكهربائي، لعلها تستطيع شحن هاتفها قليلاً، فاليوم هو يوم عيد الحب، ولا بدَّ من أنه سيتصل ويفاجؤها بخبر جميل بهذه المناسبة، من يدري، قد تكون صدرت «الفيزا» وتهاجر إليه!
تجتمع العائلة مساءً في المنزل منتصرة كلٌ بما حقق، على مأدبة الطعام يغرّد أبو خالد «ولا، ما طلعوا نتائج مذاكراتك لسا؟»، ويجيبه ابنه «لأ واقفين على دور السكّر»، تضحك فرح التي لا زالت تنتظر رنة هاتفها. بعد ذلك تبدأ أم خالد برواية مغامرات السوق.
في آخر الليل، تنهمك العائلة كلها بتدفئة نفسها كلّ في فراشه قبل النوم، و«ينقطع» الكابوس مؤقتاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
954