الرقم الضريبي لكل مواطن.. زوبعة جديدة بفنجان المالية
«السياسة الضريبية- الإصلاح الضريبي- مكافحة التهرب الضريبي- معالجة التراكم الضريبي- العدالة الضريبية- الاستعلام الضريبي- الجباية الضريبية..» جميعها عناوين قديمة سبق وأن تم بحثها ونقاشها، رسمياً وغير رسميِّ، خلال السنين القريبة الماضية، بل العقود الماضية، وما زالت تتكرر حتى الآن.
الجديد المضاف إلى العناوين أعلاه مؤخراً هو «الرقم الضريبي لكل مواطن»، حيث قررت لجنة السياسات والبرامج الاقتصادية باجتماعها المؤرخ في 31/1/2020، بحسب ما ورد على الموقع الحكومي، «الطلب من وزارة الداخلية تحقيق الربط الإلكتروني بين الشؤون المدنية والهيئة العامة للضرائب والرسوم بهدف إنجاز «الرقم الضريبي لكل مواطن» باعتباره خطوة هامة للتعامل الضريبي والدفع الإلكتروني دون مراجعة الهيئة».
ما هو الرقم الضريبي للأفراد؟
الرقم الضريبي للأفراد ربما يكون جديداً بالنسبة إلينا، إلّا أنه مطبق ومعمول به في الكثير من الدول الأخرى، وهو عبارة عن رقم يمنح من قبل «مصلحة الضرائب» من أجل تتبع الدفعات الضريبية المُستحقة عليهم بشكل فردي، حيث يكون هذا الرقم بمثابة البطاقة التعريفية لكل فرد، وأول ما يرتبط بهذا الرقم هي «الإقرارات الضريبية» المقدمة من المكلَّفين بالضرائب إلى مصلحة الضرائب، وهناك أيضاً أرقام ضريبية اعتبارية خاصة بالشركات والمنظمات بمختلف أنواعها، كونها جهات اعتبارية مستقلة ولها معاملتها الضريبية الخاصة بحسب القوانين والتعليمات النافذة بكل بلد.
وبالمجمل، إن الرقم الضريبي للأفراد يساعد على تتبع ضريبة الدخل الفردية، والتي من الممكن أن تتغير بتغيُّر ظروف الأفراد الشخصية ناحية تغيُّر دخلهم من الأعمال والأنشطة الممارسة من قبلهم، وهذا التتبع عبارة عن آلية مؤتمتة ومتشابكة عبر قاعدة بيانات معقدة، وبحاجة إلى بنية تحتية خاصة تحقق تأمين التشبيك المطلوب الذي يحقق الغاية المطلوبة، مع الحفاظ على أمان قاعدة البيانات الواسعة بنفس الوقت.
تصريحات ونتائج سابقة
الحديث الرسمي عن توحيد التشريعات الضريبية، ومكافحة التهرب الضريبي، والسياسات الضريبية عموماً، ليس جديداً، بل قديماً ومعاداً ومكرراً، وواقع الحال كما نراه على حاله، وخاصة ناحية العدالة الضريبية، واستمرار التهرب الضريبي، والأهم، استمرار الإعفاءات على الكثير من المطارح الضريبية وغيرها من الامتيازات، كاستثناءات مقوننة وممنوحة لكبار المستثمرين وحيتانهم، والتي تعتبر أحد أهم بوابات التهرب الضريبي، بالإضافة إلى دورها على مستوى تجاوز مفهوم العدالة الضريبية.
وربما بهذا الصدد تجدر الإشارة إلى الاجتماع الذي عقد بتاريخ 7/1/2020، لمعالجة ملف التراكم الضريبي، وما رشح عنه من تصريحات، حيث قال رئيس الحكومة خلاله، بحسب صحيفة الوطن: «هناك ملفات متراكمة وأسماء لأصحاب شركات ورجال أعمال، ما يؤكد أن هناك خللاً معيناً، وهناك من يحميهم، وهذا أمر مرفوض قطعاً، ولا نقبل النقاش فيه، فمرجعية الضرائب يجب أن تكون حقيقية ونزيهة، وبعيدة عن المحسوبيات». مضيفاً «إننا بحاجة أيضاً إلى تعديل القوانين الخاصة بالضرائب، واستخدام الأنظمة الإلكترونية التي تحدّ من الفساد، كما نحتاج إلى نظام للإصلاح الضريبي يتوافق مع الاحتياجات الاقتصادية والظروف الاستثنائية، والأهم، أن تكون آلية عمل الهيئة للمرحلة المقبلة ضمن إطار تصويب نظام الضرائب بما يحقق العدالة الضريبية».
فيما قال وزير المالية: «السياسة الضريبة الحالية قديمة وبحاجة إلى تحديث، مؤكداً أننا بحاجة إلى تعديل القوانين والتي يتم العمل عليها حالياً».
وبيّن رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي أنه: «يجب ألّا تكون هناك ضرائب على أصحاب الدخل المحدود، خاصة وأن نسبة الضرائب فيها تصل إلى 25% للقطاعيين العام والخاص، مشيراً إلى أنَّ الضرائب يجب أن تتركز في رؤوس الأموال وأصحاب الشركات ورجال الأعمال، وألّا يكون الاعتماد في جباية الضرائب على الإنفاق الاستهلاكي وتوحيد الضريبة على الشركات».
ومن المقررات التي تم الاتفاق عليها بهذا الاجتماع:
تشكيل لجنة من وزارات الاقتصاد والتجارة الداخلية وحماية المستهلك والإدارة المحلية إضافة إلى مصرف سورية المركزي والتأمينات الاجتماعية، مهمتها ربط عمل هيئة الضرائب بالوزارات المعنية.
الطلب من وزارة الإدارة المحلية تكليف الوحدات الإدارية بإجراء مسح شامل للمنشآت الإنتاجية الموجودة في المحافظات، وتحديد المرخص منها وغير المرخص، وتحديد مدى وفائهم بالالتزامات الضريبية.
تكليف الهيئة بإعداد مشروع للأتمتة الشاملة للإدارة الضريبية، يؤسس لإدارة ضريبية ذات كفاءة عالية ويكفل فعالية الانتقال إلى نظام مؤتمت يلبي الاحتياجات الفنية للنظام الضريبي، وتوحيد برمجيات العمل المؤتمتة، وبناء قاعدة بيانات مركزية بالتعاون مع كل الجهات.
الطلب من الهيئة تقديم رؤية لتطوير وتوحيد التشريعات الضريبية بما يتوافق والاحتياجات الاقتصادية لمرحلة إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، ويحقق المرونة والوضوح والشفافية في العمل الضريبي.
الإصلاح الضريبي والتغيير المطلوب
بعد الاستعراض أعلاه، ربما يكون إقرار «الرقم الضريبي لكلِّ مواطن» إحدى الخطوات بما يخص موضوع الضريبة والتكليف الضريبي في حال استكملت قاعدة البيانات المطلوبة مع تشبيكها المعقد، وخاصة بما يتعلق بالإقرارات الضريبية المسبقة ومتابعتها، بحيث يتم تحقيق الغاية منها، لكنها خطوة غير كافية بلا أدنى شك، وبحاجة للكثير من الخطوات الموازية الأخرى، والأكثر عمقاً، فالضريبة والتكليف الضريبي، والسياسات الضريبية عموماً، مرتبطة بالواقع الاقتصادي الاجتماعي، ووظيفتها العميقة مرتبطة بهذا الواقع وتؤثر فيه، وخاصة بما يتعلق بمفهوم إعادة توزيع الثروة، من خلال الإنفاق على الخدمات العامة، والدعم، وبمفهوم النمو والتنمية والإنفاق العام، وكذلك بالكثير من العناوين الأخرى (مستويات الدخل- الفقر- البطالة...).
وربما تبقى بعض الأسئلة التي تفرض نفسها بعد كل ذلك:
هل سيتم توحيد التشريعات الضريبية بحيث يتم الانتهاء من الاستثناءات الواسعة الممنوحة بموجب بعضها؟.
هل سيتم تعديل السياسات الضريبية المعمول بها بحيث تحقق العدالة الضريبية المنشودة بالحد الأدنى؟.
بمطلق الأحول، إن عنوان «الإصلاح الضريبي» مطاط جداً، ومن الطبيعي أن تكون كلّ العناوين الفرعية المرتبطة به مطاطة كذلك الأمر، ولعل ما طرح خلال السنين والعقود الماضية، وما صدر من تشريعات تحت هذا العنوان، وما يتم تنفيذه على أرض الواقع منها، دليل واضح على ذلك، بما في ذلك من قرارات وتوجيهات جديدة كما سلف أعلاه.
وقد يبدو من الطبيعي والمفروغ منه أن يتم ربط هذا العنوان «المطاط» بمجمل السياسات الاقتصادية المعمول بها ولمصلحة من تعمل، فمربط الفرس هناك، فالنخبة الثرية والفاسدة هي المستفيد الوحيد من جملة السياسات المتبعة، وإن لم يتم تعديل وتغيير جوهر هذه السياسات، بحيث تكون لمصلحة الغالبية المسحوقة من المواطنين، فإن كلَّ الحديث عن «الإصلاح الضريبي» بعناوينه الفرعية الكثيرة لن يكون إلّا زوبعة في فنجان.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 951