استفاقة حكومية متأخرة
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

استفاقة حكومية متأخرة

استفاق أفراد الحكومة أخيراً على أن بين أيديهم قوانين تمنع التلاعب بالعملة الوطنية، حيث أتت هذه الاستفاقة بعد صدور المرسومين التشريعيين 3-4 لعام 2020، القاضيين بتشديد العقوبات المنصوص عليها في بعض القوانين بما يخص موضوع التلاعب بالعملة الوطنية.

بحسب سانا، فإن المرسومين أعلاه أحدهما يقضي «بتشديد عقوبة إذاعة أو نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية لإحداث تدنٍ أو عدم استقرار في أوراق النقد الوطنية»، والآخر يقضي «بتشديد عقوبة المتعاملين بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، أو أي نوع من أنواع التداول التجاري».

يد الحكومة القوية موجودة!

لقد تم عقد اجتماع حكومي خاص بتاريخ 18/1/2020، بعد صدور المرسومين، ضم كلاً من وزارات العدل والداخلية والاقتصاد والتجارة الخارجية والإعلام ومصرف سورية المركزي، وذلك من أجل التطبيق المباشر للمرسومين التشريعيين أعلاه.
وقد ورد عبر صفحة الحكومة، وضع الاجتماع «الآلية التنفيذية للتطبيق المباشر للمرسومين التشريعيين، بخصوص التشدد بالعقوبات لكل من يثبت تعامله بغير الليرة السورية».
ومما رشح عن الجلسة بحسب صحيفة الوطن بتاريخ 19/1/2020، تأكيد رئيس الحكومة «أن الحكومة جادة بكل ما تعني الكلمة للضرب بيد قوية لكل من تسوّل له نفسه التلاعب بالليرة»، مضيفاً: «ممنوع لأي إنسان ولأية وزارة التدخل عند تطبيقه يعني لا محسوبيات ولا وسطات وأن الموضوع سوف يتابع على أعلى المستويات».

توضيحات

ربما تنبغي الإشارة إلى أن قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته، نصت المادة 309 منه على ما يلي:
«من أذاع بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 208 وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنية أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مئتين وخمسين ليرة إلى ألف ليرة».
وقد ورد التعديل على هذه المادة بموجب المرسوم 4 لعام 2020 بحيث أصبحت المادة على الشكل التالي:
«يعاقب بالاعتقال المؤقت وبغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة سورية كل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 208، أو عن طريق الشبكة المعرفة بقانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012 أو بأية وسيلة أخرى لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية، أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة».
والمرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2013 حول منع التعامل بغير الليرة السورية، فقد نصت المادة الثانية منه على ما يلي:
«مع مراعاة العقوبات الأشد المنصوص عليها في القوانين النافذة..
أ- كل من يخالف أحكام المادة السابقة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة، على ألا تقل عن مئة ألف ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ب- تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث إلى عشر سنوات والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد، على ألا تقل عن مليون ليرة سورية إذا كان المبلغ المتعامل به أو المسدد خمسة آلاف دولار فأكثر، أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى أو المعادن الثمينة.
ج- في جميع الأحوال يُقضى بمصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لصالح مصرف سورية المركزي».
وقد تم تعديل مضمون هذه المادة بموجب المرسوم التشريعي 3 لعام 2020 بحيث أصبحت على الشكل التالي:
«أ- كل من يخالف أحكام المادة الأولى يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة.
ب- تحكم المحكمة بمصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لصالح مصرف سورية المركزي».

أسئلة لا بد منها

أسئلة كثيرة تتبادر إلى الأذهان حيال الدور الحكومي المفترض بما يخص ما آل إليه حال العملة الوطنية، والاقتصاد الوطني عموماً.
ولعل بعض الأسئلة التي تفرض نفسها بعد الاطلاع على أصل المواد أعلاه بالمقارنة مع تعديلاتها الأخيرة هي:
هل تقتضي المراسيم الجديدة وضع آلية تنفيذية لتطبيقها كما ورد في الاجتماع الحكومي أعلاه؟ خاصة وأنها لم ترد فيها مواد تفرض وضع مثل هذه الآلية؟.
أين كانت يد الحكومة القوية من تنفيذ مضمون العقوبات السابقة بحق المخالفين والمتلاعبين طيلة الفترة الماضية وما وصلت إليه الأمور بما يخص العملة الوطنية؟.
هل نتوقع من التعديلات أعلاه نتائج أفضل وفقاً لما رشح من خلال الاستفاقة المتأخرة أعلاه، طالما أن الأدوات التنفيذية ما زالت على حالها، برغم التأكيد «ألا وساطة ولا محسوبيات»، أي إنها كانت موجودة؟.

بانتظار النتائج

لن نخوض بالحيثيات والتفاصيل أكثر، وذلك لا ينفي انتظارنا لما ستتمخض عنه الآليات التنفيذية الحكومية للمراسيم أعلاه على أرض الواقع، عسى تطال «يد الحكومة القوية» بعض كبار المضاربين والناهبين فعلاً، وليس «أكباش الفدا» من الصغار كما جرت عليه العادة في ظل المحسوبية والوساطة المعترف بها رسمياً.
مع التأكيد، وبكل اختصار، على أن الحلول الاقتصادية الشافية، وعلى كافة المستويات، يمر طريقها عبر الحل السياسي الناجز، وكنتيجة له وليس العكس، وليس بدونه بلا أدنى شك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
949
آخر تعديل على الإثنين, 20 كانون2/يناير 2020 12:33