الخضار والفواكه.. وفرة بالإنتاج دون فائدة للفلاح والمستهلك
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

الخضار والفواكه.. وفرة بالإنتاج دون فائدة للفلاح والمستهلك

لم تنعكس وفرة الإنتاج الزراعي بالنسبة لموسم الخضار والفواكه الصيفية هذا العام على الفلاحين بشكل إيجابي كما كان متوقعاً منها، بالمقابل فقد لمس المواطنون انخفاضاً بأسعار بعض هذه الأصناف، فيما ارتفعت أخرى على غير العادة، ولعل السبب الرئيس خلف ذلك هو تحكم التجار والسماسرة بعمليات العرض والطلب والسعر في السوق، بالإضافة طبعاً إلى الاحتكار، ولبعض العوامل الأخرى.

موسم الخضار والفواكه المنتجة محلياً كان جيداً على مستوى كم الانتاج هذا العام، وذلك بسبب معدلات الأمطار الجيدة، بالإضافة إلى انعكاس حال الاستقرار النسبي الذي عمّ الكثير من المناطق- وخاصة الزراعية منها- على الفلاحين الذين استعادوا نشاطهم على مستوى الإنتاج الزراعي والحيواني، والذي أدى بالمحصلة إلى زيادة معدلات الإنتاج بالمقارنة مع السنين القريبة الماضية.

البيضة والتقشيرة للتجار والسماسرة

زيادة معدلات الأمطار واستعادة النشاط على مستوى الإنتاج الزراعي وصولاً لزيادة الإنتاج كانت سبباً رئيساً بتخفيض جزء من التكلفة على الفلاحين، من خلال كم الإنتاج المرتبط بوحدة المساحة، وبالتالي، كان سبباً في تخفيض أسعار بعض هذه المنتجات بالنسبة للمواطنين، علماً أن أسعار تكاليف الإنتاج ومستلزماته لم تنخفض، بل ما زالت مستمرة بالارتفاع، بالإضافة طبعاً إلى غياب الدعم الحكومي على هذا المستوى.
في المقابل، كان الفلاحين يتوقعون أن تجري بعض عمليات التسويق لمنتجاتهم تصديراً، عسى أن يحصدوا بعض الفائدة من كم الإنتاج الفائض لهذا الموسم الخَيّر، لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر بالنسبة لهؤلاء، حيث استمرت عمليات التسويق الداخلي تحت رحمة التجار والسماسرة، وما لبث خط التصدير الذي تفاءلوا به خيراً عبر الأردن أن توقف، ما أدى إلى كساد في بعض الأصناف، استفاد منه التجار والسماسرة وشقيعة أسواق الهال استغلالاً، في ظل غياب الدور الحكومي على مستوى التسويق الداخلي والخارجي، أو على مستوى التخزين للطرح في الأسواق لاحقاً، من أجل الحفاظ على أسعار مقبولة بالنسبة للفلاح والمستهلك على السواء، بعد كسر دور الحلقة الوسيطة التي تبلع البيضة والتقشيرة على حساب هؤلاء.

المستهلك خسر مؤنته

استفاد المستهلكون من انخفاض أسعار بعض أصناف الخضار والفواكه الصيفية لهذا العام، فقد بدأت أصناف الفواكه تستعيد وجودها على مستوى حيز الاستهلاك لدى الكثير من المواطنين بعد طول غياب، وذلك بسبب تدني أسعارها بالمقارنة مع السنين الماضية، وخاصة الكرز والمشمش والدراق، حيث كان وسطي أسعار هذه الأصناف بحدود 500 ليرة، وكذلك هي الحال مع غالبية الخضار وبقية أنواع الفواكه لهذا الموسم، طبعاً من الصنف الثاني والثالث، حيث بقيت أسعار الصنف الأول من هذه الأنواع مرتفعة بالنسبة لعموم المواطنين بالمقارنة مع إمكاناتهم المحدودة.
أما الملفت بموضوع زيادة الإنتاج والوفرة بالمقارنة مع الأسعار والمتوفر بالنسبة لبعض المواد، فقد كان على مستوى المواد سهلة التخزين، كمادة الثوم مثلاً، حيث تم طرح هذه المادة في بداية موسمها بسعر مقبول بين 300- 400 ليرة، ثم ما لبث هذا السعر أن ارتفع مع موعد بدء التموين من هذه المادة، وصولاً إلى فقدانها بشكل شبه كلي، فقد كان من المتوقع أن يصل السعر في هذه الفترة إلى 150- 200 ليرة، لكن الذي جرى أن سعرها ارتفع بشكل فاقع وصولاً لأكثر من 1000 ليرة دون مبرر، حيث يبدو أن التجار قاموا بسحب كميات كبيرة من هذا الإنتاج للتخزين، كون عمليات تخزين هذه المادة سهلة وغير مكلفة، مع تحكمهم بكمية المطروح منها في الأسواق مع التحكم بسعرها طبعاً، وكذلك هي الحال مع أصناف (البامية- ورق العنب- الملوخية) حيث لم تنخفض أسعارها أيضاً، علماً أنها أصناف يقوم بتموينها المواطنين بكل موسم عادة، لكن مع أسعارها المرتفعة فقد استنكف الكثير من المواطنين عن التمون بها.
فإذا كان المستهلك قد استفاد نوعاً ما بأن استعاد استهلاك بعض الأصناف الصيفية من الخضار والفواكه، إلّا أنه خسر التموين ببعضها الآخر ذات الأهمية الأكبر على مستوى الاستهلاك.

شبكة متحكمة

النتيجة، أن موسم الوفرة لهذا العام لم ينعكس بشكل إيجابي على الفلاحين، وكذلك لم يحصد المواطنون إيجابياته على مستوى أصناف التّموّن، والمستفيد من كل ذلك كانت مجموعة من التجار والسماسرة، الذين حصدوا وحدهم نتاج الوفرة في هذا الموسم عِبر المزيد من جني الأرباح في جيوبهم.
ولعل ذلك يؤشر إلى أن المتحكمين بالسوق، عرضاً وطلباً وسعراً ونوعية، من التجار والسماسرة والشقيعة، بل والمهربين أيضاً، أصبحوا أكثر فعلاً وتأثيراً وعمقاً مما سبق بكثير، بل ربما يؤشر إلى أن القائمين على مجمل هذه العمليات باتوا وكأنهم شبكة مترابطة واحدة، أكثر تماسكاً وتنسيقاً، مستفيدين طبعاً من غياب دور الدولة الحقيقي على مستوى دعم الإنتاج الزراعي اعتباراً من مستلزماته وصولاً لتسويقه.
والسؤال الذي يتبادر للأذهان، بحال استمرار الحال على ما هو عليه من تحكم بالإنتاج الزراعي من قبل التجار والسماسرة، الذين لا يعنيهم من هذا الإنتاج إلّا ما يجنونه من أرباح في جيوبهم في ظل استمرار تراجع دور الدولة على مستوى دعم هذا الإنتاج وطرق تسويقه، واستمرار تراكم الخسارات لدى الفلاحين: هل سيصيب محصول هذه الأصناف من الخضار والفواكه الصيفية ما أصاب محصول الحمضيات والمحاصيل الإستراتيجية (القمح- الشعير- القطن- الشوندر السكري)، من مساعي الاستبدال بمحاصيل أخرى، وصولاً إلى قطع أشجار الفواكه وهجرة الأرض والعمل والإنتاج الزراعي؟، وإلى أية كارثة يمكن أن نصل في ظل استمرار العمل بنفس نهج السياسات الزراعية القائمة، ولمصلحة من؟
لا شكّ أنه لا مصلحة للفلاح بهذه السياسات، ولا للمستهلك أيضاً، ومن كل بد لا مصلحة وطنية بالنتيجة!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
922
آخر تعديل على الإثنين, 15 تموز/يوليو 2019 12:50