الدّراجات النارية رعونة على حساب الضرورة
سمير علي سمير علي

الدّراجات النارية رعونة على حساب الضرورة

ما زالت شوارعنا تشهد الكثير من الحوادث المؤلمة التي تتسبب بها الدراجات النارية نتيجة السرعة الزائدة والتهور، وعدم التقيد بقوانين السير وشروط السلامة، بالإضافة إلى استمرار وتزايد شكاوى المواطنين من الازعاجات الناجمة عن الممارسات السلبية من قبل بعض سائقي هذه الدراجات، وخاصة الشباب الطائش والمنفلت، ناهيك عن أصواتها المرتفعة المزعجة.

بالمقابل، فإن الدّراجات النارية تعتبر وسيلة نقل فردية بالنسبة للكثيرين، بالإضافة إلى كونها وسيلة إنتاج بالنسبة للبعض الآخر يعتمدون عليها لقضاء احتياجاتهم ولوازمهم المرتبطة بأعمالهم، المهنية والحرفية والزراعية، وهؤلاء متضررون من الظواهر السلبية المرافقة لسمعة الدّراجات النارية، ومن واقع قوننتها الجاري بين الشد والجذب، وصولاً للمصادرة في الكثير من الأحيان، ما يؤدي إلى خسارة هؤلاء ليس لوسيلة نقلهم، بل لإحدى وسائل إنتاجهم.

بين الضرورة والملاحقة

الدّراجات النارية أكثر انتشاراً في الأرياف منها في المدن، وعلى اعتبار أنها تعتبر وسيلة نقل أساسية بالنسبة للكثير من المواطنين في بعض المدن والبلدات والقرى، تحمل عنهم عبء تكاليف النقل، وتخفف عنهم عناء الانتظار لوسائط النقل المختلفة، فقد كان هؤلاء من أوائل المشجعين لوضع الضوابط والقيود الكفيلة بمنع الظواهر السلبية والإزعاجات المرافقة لها وبالحد من حوادثها المؤسفة، كونهم من المتضررين من هذه الظواهر كما غيرهم من المواطنين، بل ربما أكثر كونهم يتحملون جريرة العابثين والطائشين، حيث تطالهم حملات الملاحقة والمصادرة التي تقوم بها بعض الجهات الرسمية في مناطقهم، شرطة محافظة أو شرطة مرور.
ففي مدينة دمشق مثلاً، ممنوع تجول الدراجات النارية في شوارعها، والمسموح منها محصور فقط بالجهات الرسمية بموافقة من الوزير المختص، وكذلك هي الحال غالباً في بقية المدن، لكن يتم غض الطرف عن ذلك في البلدات والقرى، وبين الحين والآخر وبنتيجة زيادة الشكاوى من قبل المواطنين تقوم الجهات المعنية بحملة ملاحقة ومصادرة للدّراجات من الشوارع.

القوننة موجودة نظرياً

المتتبع للظاهرة يبدو له وكأن موضوع استخدام الدّراجات النارية يجري خارج حدود التنظيم القانوني، لكن واقع الحال «النظري» يقول غير ذلك، فهناك تعليمات واضحة وصريحة حول تسجيل الدّراجات الآلية الخاصة والوثائق المطلوبة من أجل ذلك، بالإضافة إلى الرسوم المفروضة من أجل استكمال الحصول على رخصة السير الخاصة بهذه الآلية، وهذه المهمة مناطة بمديريات النقل في المحافظات كما غيرها بما يخص السيارات ووسائط النقل الأخرى، بالإضافة إلى النواظم الموجودة في قانون السير.
كما تجدر الإشارة بهذا الصدد، إلى أن المكاتب التنفيذية في المحافظات تضع أحياناً ما يخصها من تعليمات إضافية بما يتعلق بشروط استخدام الدّراجات، متضمنة التأكيد على سير معاملات الترخيص لهذه الآليات بالإضافة إلى التأكيد على بعض مواد قانون السير ووسائل الحماية والسلامة، بما في ذلك موضوع فرض وضع الخوذة مثلاً.

ابحث عن الفساد

أما المشكلة الأساسية فتتمثل بأن غالبية الدّراجات النارية المنتشرة تعتبر مدخلة تهريباً، وبالتالي، من الصعب تسجيلها وتوثيقها وتسديد رسومها، حيث يتحمل مقتنيها ومستخدمها مسؤوليتها ناحية هذه المخالفة، والتي تكون نتيجتها المصادرة غالباً، علماً أن أسواقها ومحالها موجودة على مرأى الجهات الرسمية، وهي فرصة تربح كبيرة يستفيد منها هؤلاء الباعة مع شبكة المهربين والفاسدين، نظراً إلى كونها ضرورة بالنسبة للكثير من المواطنين، فهي أرخص بكثير من أسعار السيارات بجميع الأحوال، رغم ارتفاع أسعارها، وهذه الشبكة من المستفيدين، مهربين وفاسدين، من مصلحتهم استمرار واقع انفلات الدراجات النارية وحملات المصادرة لها، حيث تتوفر لديهم الأعداد الكافية منها لسد النقص وتأمين الضرورات، بما يحقق لهؤلاء مصدر ربح مستمر ومرتفع.

ضرورة استكمال حلقات القوننة

النتيجة بين النظري والعملي على أرض الواقع تشير إلى أن قوننة هذه الآليات غير مكتملة حتى تاريخه، فوجود هذه الآليات في الشوارع، وأسواق بيعها وشرائها، مع أعدادها الكبيرة المنتشرة بكل المدن والقرى والبلدات، لا يعني شرعنتها، والحال كذلك، فإن الأمر على مستوى الضوابط والقيود والمحاسبة على الرعونة والاستهتار والتهور، ربما تبدأ من هذه الزاوية قبل غيرها، ولعل الخطوة الأولى بذلك، هي: منع تهريبها أولاً، والذي يفرض ضرورة وجود بدائل قانونية لحيازة مثل هذه الآليات، استيراداً من الخارج أو تصنيعاً محلياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه سبق وأن تم منح رخص على هذا المستوى، وآخر ما حرر بهذا الشأن هو الترخيص مؤخراً لتأسيس شركة خاصة لمزاولة نشاط تصنيع وتجارة الدّراجات النارية والهوائية العاملة على البطارية، وهي الثانية لهذا العام ضمن هذا التخصص من النشاط.
فهل من الممكن أن نصل إلى استكمال قوننة حيازة وترخيص استخدام الدّراجات النارية في الشوارع، وصولاً للتمييز بين الاستخدام الضروري والأرعن على مستوى الملاحقة والضبط والمخالفة والمحاسبة؟ أم أن الحال سيبقى على ما هو عليه من تهريب، تستفيد منه شبكاته على حساب المقتنين، وفلتان وتهور على حساب السلامة والأمان للمواطنين، وملاحقةٍ.. يدفع ضريبتها المضطرون غالباً؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
922
آخر تعديل على الإثنين, 15 تموز/يوليو 2019 12:51