قطاع الدواجن مجدداً وأبداً!
بين الحين والآخر يعلو صوت مربي الدواجن ومنتجي الفروج وبيض المائدة، وذلك بالتناوب، مرة بشأن الخسارات المترتبة من إنتاج بيض المائدة، ومرة بشأن الخسارات المترتبة من إنتاج الفروج، ومع كل دورة إنتاجية يخرج البعض من هؤلاء ويدخل آخرون، في سلسلة تنحو باتجاه استمرار التراجع، والتي لم تتوقف حتى الآن، تضاف إلى ما تعرض له هذا القطاع من تراجع كبير جراء الحرب والأزمة، وخلال سنواتها.
وعلى الرغم من كل المناشدات التي يتم التقدم بها من أجل دعم هذا القطاع ومنتجيه، وبالحد الأدنى منعاً من استمرار الخسائر فيه والحد منها، إلا أن الدلائل تشير إلى أن الأفاق على هذا المستوى لا تبشر بالخير، فالخسائر تتزايد، وتتزايد معها مقدمات خروج المزيد من المنشآت من الخدمة.
نسب تراجع كبيرة
بحسب بيانات المجموعة الإحصائية لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لعام 2017، كانت:
أعداد مداجن الفروج في عام 2010 كما يلي: المرخصة /7299/، وغير المرخصة /3202/، بمجموع /10501/ منشأة. وفي عام 2017 كانت المرخصة /5911/، وغير المرخصة /2688/، وبمجموع /8599/ منشأة، بانخفاض /1902/ منشأة، بنسبة 18,11%.
أعداد مداجن الدجاج البياض لبيض المائدة كانت في عام 2010 كما يلي: المرخصة /1595/، وغير المرخصة /230/، وبمجموع /1825/ منشأة. وفي عام 2017 كانت: المرخصة /1001/، وغير المرخصة /243/، وبمجموع /1244/، بانخفاض /581/ منشأة، بنسبة 31,83%.
إنتاج بيض المائدة بالألف في 2010 كان: مداجن /2474791/، وقروي /432263/، وبمجموع /2907054/. وفي عام 2017 كان: المداجن /1602133/، والقروي /231666/، وبمجموع /1833799/، بانخفاض /1073255/ بيضة، بنسبة 36,91%.
إنتاج لحم الدجاج /طن/ في عام 2010 كان: مداجن /175922/، وقروي /13823/، وبمجموع /189745/ طن. وفي عام 2017 كان: مداجن /112677/، وقروي /9503/، وبمجموع /122180/ طن، بانخفاض /67565/ طن، بنسبة 35,60%.
البيضة والتقشيرة
البيانات الإحصائية أعلاه، تعتبر مؤشراً عن حجم التراجع في قطاع الدواجن، وتحديداً على مستوى الفروج وبيض المائدة ومنشآتهما فقط. مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الأرقام ربما ذات طابع تأشيري فقط، حيث يمكن أن تكون مستويات التراجع الواقعية أكبر من ذلك، وقد سبق أن تم تداول بعض الأرقام والمعطيات والتصريحات التي تؤكد ذلك.
التراجع أعلاه في جانبه الرئيس عبارة عن تراكم خسائر تكبدها المنتجون من الناحية العملية، سواء بسبب الحرب والأزمة مباشرة، أو بسبب تداعياتها بالترافق مع السياسات المعمول بها والمعتمدة، وخاصة على مستوى مدخلات العملية الإنتاجية ومستلزماتها، وتحديداً مصادر الطاقة (كهرباء- محروقات)، بالإضافة إلى المستلزمات المستوردة والمتحكم بها من قبل كبار التجار، وخاصة الأعلاف التي تأخذ الحصة الأكبر من التكلفة في حلقة الإنتاج، ناهيك عن المشاكل المرتبطة بسلسلة التسويق وبفائض إنتاج البيض وأسواق التصدير، التي تراجعت خلال سنوات الحرب الطويلة، وما نجم عن ذلك من زيادة في التحكم من قبل بعض التجار القائمين على عمليات التصدير، بغض النظر عن كل ما يقال حيال التشجيع الرسمي على هذا المستوى، والذي يستفيد منه هؤلاء دوناً عن المربين والمنتجين، مع عدم تغييب المنافسة مع بعض الكميات المهربة من لحوم الفروج التي تدخل الأسواق في بعض الأحيان.
وفي الجانب الآخر، فإن الانعكاسات السلبية المترتبة على ذلك لا تقف عند حدود المنتجين والمربين فقط، بل تنعكس كذلك على السوق الاستهلاكي المحلي وحركته، وبالتالي على المستهلكين على شكل ارتفاعات متتالية في أسعار منتجات الفروج والبيض، وإن تمظهرت أحياناً بالاستقرار النسبي، خاصة عبر حلقات الوساطة التجارية المتحكم بها أيضاً، والنتيجة: أن «البيضة والتقشيرة» يتم ابتلاعها من قبل التجار، على حساب المنتجين كما على حساب المستهلكين، سواء بالسعر أو على شكل المزيد من تراجع معدلات الاستهلاك.
لا جديد بالمطلوب!
ربما لا جديد إن قلنا بأن قطاع الدواجن يعتبر من قطاعات الإنتاج الهامة في البلد، سواء كان حكومياً أو خاصاً أو أهلياً، خاصة على مستوى دوره في استقرار الأمن الغذائي، وبظل ما يوفره من فرص عمل، وما يحققه من وفرٍ اقتصادي، برغم كل ما يعانيه من صعوبات ومعيقات واستغلال ولا مبالاة.
كذلك ليس جديداً القول: إن مشكلات هذا القطاع الهام وصعوباته تتمحور حول قضيتين رئيستين، الأولى: تتعلق بمستلزمات الإنتاج، والثانية: تتعلق بالتسويق، وهذا ما يجب التركيز عليه ومعالجته من أجل الحفاظ على هذا القطاع ومنشآته.
وبهذا الصدد تجدر الإشارة لما ورد في «قاسيون» بعددها الصادر بتاريخ 18/2/2019: «لعلّ المطلوب هو دعم مستلزمات العملية الإنتاجية بجميع مكوناتها، وخاصة الأعلاف والأدوية، وغيرها من المستلزمات المستوردة المرتبطة بالدولار، بعيداً عن جشع كبار التجار والمستوردين المتحكمين بهذه المستلزمات وأسعارها بالنتيجة، والخطوة الأولى في هذا المجال: أن تقوم الدولة عبر جهاتها الحكومية بتأمين هذه المستوردات وتوزيعها على المربين بأسعارها المنطقية، وربما على دفعات، خاصة وأن هناك مؤسسات وجهات عامة بالأصل معنية مباشرة بهذه المهام، كسراً للاحتكار وآليات التحكم بالأسعار، بالإضافة إلى ما يمكن أن تقدمه على مستوى توفير الطاقة وأسعارها، مع إعادة النظر بالكثير من الرسوم والضرائب المباشرة وغير المباشرة المرهقة المفروضة على هذا القطاع.. وعلى مستوى الاستهلاك والتسويق، لعل الخطوة الأولى، هي: إعادة الاعتبار لمعدلات الاستهلاك الطبيعي لمنتجات هذا القطاع على المستوى المحلي، والتي تراجعت بشكلٍ كبيرٍ خلال السنوات الماضية بسبب تدهور الوضع المعيشي عموماً، والمرتبط بشكل مباشر بالقدرة الشرائية للمواطنين ومتوسط الدخل الشهري لديهم، أي: عبر رفع الأجور وتحسين المستوى المعيشي بشكل فعليّ، ثم أن تقوم جهات التسويق الحكومية بتحمل مسؤولياتها على مستوى تسويق جزء من الإنتاج في الأسواق المحلية لتكون أداة تدخل فاعلة على مستوى الضبط والتحكم بالسعر والكميات، وبآليات العرض والطلب فيها، وأن تعمل على إعادة فتح قنوات التصدير لتسويق فائض الإنتاج، أي: تنفيذ جزء من الوعود على هذا المستوى، بما يحقق الجدوى الاقتصادية للمربّين وللاقتصاد الوطني، بعيداً عن هيمنة المصدرين وكسراً لتحكمهم على هذا المستوى».
البيض المجفف حل ولكن!
أخيراً، تجدر الإشارة لاقتراح ورد عبر صحيفة تشرين مؤخراً، عرضه المهندس عبد الرحمن قرنفلة- الخبير في الإنتاج الحيواني، كحلٍ لمشكلة فائض الإنتاج في بيض المائدة، وذلك عبر: «إنشاء مصنع لتجفيف البيض وتحويله إلى مسحوق (بودرة) بطرق مشابهة جداً لطريقة تحويل الحليب السائل إلى حليب مجفف, ما يسمح بتخزينه مدة تصل إلى عشر سنوات من دون الحاجة إلى نفقات تبريد. كما يمنح هذا الإجراء البيض جواز سفر للنفاذ إلى الأسواق العالمية.. والبيض المجفف هو بيض طبيعي تماماً تم نزع الماء منه وبسترته فقط، ويمكن إعادته إلى وضعه الطبيعي بإضافة نسبة الماء المنزوعة منه نفسها ليتحول إلى بيض سائل. وللبيض المجفف استعمالات كثيرة جداً سواء في مجال المخبوزات أو في صناعات متعددة جداً تعتمد على البيض، لاسيما أنّ هذه التقنية تسمح بتجفيف البيض كاملاً أو تجفيف البياض منفصلاً وحده، أو تجفيف الصفار منفصلاً وحده.. لتلبية حاجات السوق والمستخدمين النهائيين للمنتج».
في مطلق الأحوال، وفي ظل استمرار السياسات الليبرالية، لن نتفاءل خيراً مع هذا الاقتراح، فالمؤشرات تقول: إنه لن يكون أحسن حالاً من اقتراح مصنع العصائر الذي قدم منذ عقود كحل لمشكلة فائض إنتاج محصول الحمضيات المزمنة، وما زال بين صد ورد حتى تاريخه!.
فمن أجل حلحلة مشاكل القطاعات الإنتاجية بشكل عام وصولاً لمعالجتها بشكل كامل، ومن أجل الحفاظ على أمننا الغذائي، لا بدَّ من تغيير السياسات الليبرالية المعمول بها كي تستعيد الدولة مهامها ودورها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 915