ريف دير الزور الشمالي الشرقي.. النفط والتظاهرات وأشياء أخرى

ريف دير الزور الشمالي الشرقي.. النفط والتظاهرات وأشياء أخرى

غالبية مناطق ريف دير الزور والتي هي تحت سيطرة المجموعات المسلحة مختلفة التسميات والتبعيات، ومنها حقول النفط والغاز، التي تحولت إلى مصدر اغتناء فاحش لأمراء الحرب، ومن كان بحمايتهم من مؤيديهم وأتباعهم، وبعض زعماء العشائر الموجودة فيها، بالإضافة إلى الأموال التي كانت تغدقها دول الخليج وغيرها كمساعدات للمجموعات المسلحة.

بدأ تكرير النفط لاستخراج المازوت والبنزين والكاز بأدواتٍ بدائية، لا تزال آثارها البيئة والصحية شاهدة على هذه الجريمة بحق ثروات الوطن والشعب والبيئة والناس.

النفط وتبدل أمراء الحرب

بدايةً، سيطر مسلحو ما يسمى «الجيش الحر» على المنطقة وحقول النفط، ووصل الأمر إلى أن أحد المسيطرين على بئر نفطٍ، كتب لوحةً عليه تقول: «بير اللي خلّفني» وآخر أحرق حوالي مليون ومئتي ألف ليرة لغلي إبريق شاي له، ناهيك عن حالات البذخ الأخرى من طعام وسياراتٍ وبناء منازل فخمة، بينما اضطر غالبية الأهالي إلى الهجرة والنزوح إلى الخارج والداخل.
وتالياً، عندما قامت ما تسمى «جبهة النصرة» بالسيطرة على المنطقة، تحولت غالبية مجموعات «الجيش الحر» إليها وبايعتها، وأصبح قادته أمراء لديها، ومنهم «عامر الرفدان»، و«صدام الجمل» الذي اعتقلته القوات العراقية بعمليةٍ أمنية، ومنهم من هرب إلى تركيا وأوروبا بما نهب مما سموه «غنائم حرب»، وتمّ جلب محطات تصفية من تركيا بتقنيات حديثة، منها الصغيرة والمتوسطة الحجم، فتوسع النهب وتزايدت الثروات.
لاحقاً، وعندما جاء «داعش» التكفيري بوحشيته، هيمن على المنطقة واحتكر تصفية النفط، وغيرها من الثروات، فوق الأرض وتحت الأرض، ومرةً أخرى تحول غالبية قادة «جبهة النصرة» إلى أمراء في «داعش» بعد أن بايعوه، والبقية إما هربوا وإما قطعت رؤوسهم، ومن أيد «داعش» من زعماء العشائر وأزلامهم نال حظوته، ومن رفض جرت مذابح جماعية لهم.
أخيراً، وبعد دخول ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» إلى المنطقة، المحمية والمدعومة من الأمريكان ودحرها للتنظيم الفاشي «داعش»، وهيمنتها عليها، احتكرت أيضاً النفط والغاز، وخاصةً أن غالبية حقول النفط والغاز وأكبرها، تقع في شمال شرق نهر الفرات، كحقل العمر النفطي، ومعمل الغاز كونيكو الذي يعتبر من المعامل الضخمة في الشرق. وبالسيناريو نفسه، جرى استقطاب بعض شيوخ العشائر وأزلامهم.

التعاون مع قوى النهب والفساد

حالياً يجري بيع المازوت والبنزين والغاز بالتعاون مع بعض التجار المرتبطين بقوى النهب والفساد، حيث جرى بناء خزانات كبيرة للمشتقات النفطية على الضفة الشمالية لنهر الفرات، في أضيق منطقة للنهر، ومد خراطيم كبيرة تقوم بضخه إلى الضفة الجنوبية، ومنها منطقتا بقرص فوقاني وذيبان، ويباع لتر المازوت مثلاً بين 125 و130 ليرة، وفي المساء تبدأ الصهاريج بالتوافد ويبلغ عددها المئات يومياً، وكل صهريج، يتسع على الأقل لـ 30 ألف لتر، ويشرف على التعبئة والنقل وكلاء للتجار الفاسدين من زعماء العشائر المرتبطة بـ «قسد» أو قوى الفساد، حيث ينال أحدهم وهو أقلهم 50 ألف ليرة عن كل صهريج، ويتم نقلها إلى الداخل السوري، ويتم تسويقه على الأقل بضعف سعر شرائه.
هذا الغدق المالي لم ينعكس على المواطنين من أبناء الريف الشرقي الشمالي طبعاً، حيث لا يزال قسم كبير منهم يعيش في مخيمات ومعسكرات في العراء، وتمنع مغادرتهم، ومن بقي في القرى، يعانون الجوع وفقدان مقومات الحياة والعمل، من غلاءٍ ونقصٍ كبيرٍ في المواد الغذائية والصحية والخدمات، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا زراعة، وبقايا ثروة حيوانية ولا مدارس ولا مشافيَ، ويمنعون من مغادرة مناطقهم أو المخيمات، ومن التمييز في المعاملة، وفرض التجنيد والإتاوات عليهم، ويباع لهم المازوت بنفس السعر الذي يباع للتجار125/130 ليرة، بينما يباع في مناطق الحسكة والقامشلي بـ 50 /60 ليرة.

الترسيم يطال الجميع

في الجهة المقابلة لنهر الفرات لا تزال العرقلات والتعقيدات الأمنية المتعمدة والإتاوات والترسيم والخوف تمنع عودة الأهالي إلى مناطق سيطرة الدولة، ولا تقدم لهم التسهيلات والضمانات التي تسمح لهم بالعودة إلى مناطقهم على الضفة الأخرى، حيث لا يزال الآلاف من المواطنين والمئات من مربي الأغنام النازحين مع قطعانهم يعانون من ويلات الحرب في العراء، ومن يأتي بشكلٍ فردي يضطر إلى دفع الإتاوات والرشوة، والترسيم عمّا يحمله من أدواته المنزلية وحتى حيواناته، حيث يدفع عن كل رأس غنم 5 آلاف ليرة، وكذلك من بقي يعمل بشكل فردي في الزراعة ويريد أن يسوق محصوله من الخضار ومن مشتقات الحليب، لكي يعيش عليه أن يدفع ترسيماً يُحدد مزاجياً من بعض الحواجز. بل إن الترسيم يطال حتى دوائر وشركات الدولة العاملة في دير الزور، فمثلاً نقل سيارة بحص لجبهات العمل، وفي سيارات الشركات، يجري إلزامها بدفع 500 ليرة عن كل مترٍ من البحص.!

التظاهرات شكل للرفض الشعبي

جملة الأسباب السابقة والمتراكمة، مع غيرها الكثير، دفعت الأهالي في بعض القرى للتظاهر، كشكل من أشكال الرفض الشعبي لما آل إليه حالهم، كما في البصيرة والطيانة ومويلح وغيرها، وتمتد وتتوسع إلى قرى أخرى، وغالبية هذه القرى تقع على نهر الخابور والفرات، وهذه المظاهرات من خلال اللوحات واللافتات تبين مطالب الأهالي ضد كل من يقف في وجه معيشتهم وحياتهم، ويمنع عودتهم إلى أراضيهم للعمل والحياة.
لا شك، أن تظاهرات الأهالي ومطالبهم تعبر عن معاناتهم، وحلّها جزئياً ممكن إذا توفرت الإرادة، وحلها كلياً ممكن أيضاً إذا توفرت الإرادة الوطنية بالوقوف ضد التواجد الأمريكي، والانخراط بالحل السياسي، ومن يعرقل ذلك هو ضد مصلحة الشعب والوطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
912
آخر تعديل على الأربعاء, 08 أيار 2019 13:38