حدائق ومتنفسات دمشق إلى الاستثمار
تم نقل ملكية حديقة الطلائع الواقعة على أوتوستراد المزة، إلى أملاك شركة دمشق الشام القابضة، وذلك بموجب قرار من مجلس محافظة دمشق خلال اجتماع استثنائي للمجلس بتاريخ 5/12/2018.
الغاية من نقل الملكية، بحسب ما نقل عن أحد أعضاء مجلس المحافظة، وهو عضو في مجلس إدارة الشركة القابضة، عبر إحدى الصحف المحلية بتاريخ 10/12/2018، جاء «بهدف تحقيق الاستثمار الأمثل لهذه الأرض، واشترطنا في قرار النقل أن يتم استثمار طابق واحد تحت الأرض بشكل مرآب لمدينة دمشق، ويقوم المستثمر بإعادة الحديقة أفضل مما كانت عليه، والغاية، أننا بحاجة كبيرة إلى وجود مرآب في هذه المنطقة، ولا يوجد لدينا أرض لذلك، ولا إمكانية لتأهيل الحديقة».
40 ألف متر مربع فقط
ظاهرة الاستثمار في الملكيات العامة، والخاصة، وعليها، ليست جديدة على محافظة دمشق، خاصة بعد أن أجاز المرسوم التشريعي رقم 19 لعام 2015 «إحداث شركات سورية قابضة مساهمة مغفلة خاصة، بناء على دراسات اجتماعية واقتصادية وتنظيمية، بهدف إدارة واستثمار أملاك الوحدات الإدارية أو جزء منها»، والذي أحدثت بموجبه شركة دمشق الشام القابضة بعام 2016، وبدأ مجلس المحافظة على أساسه بنقل بعض الأملاك إليها لهذه الغاية وبذريعتها، مثل: مشروع «ماروتا سيتي» ومشروع «باسيليا سيتي».
في المقابل، إن الخبر المتداول إعلامياً لم يرشح معه أية معلومة عن المستثمر الموعود بالفرصة الاستثمارية في الحديقة المذكورة، وفقاً لشرط «تحقيق الاستثمار الأمثل لهذه الأرض» و«إعادة الحديقة أفضل مما كانت عليه»، ولا أية تفصيلات تعاقدية أخرى عن المشروع المزمع، لكن قرار نقل الملكية خلال اجتماع استثنائي لهذه الغاية يشي وكأن الأمر فيه نوع من الاستعجال، إما لأن المحافظة استفاقت لتعمل على إيجاد حل عاجل لمشكلة زيادة أعداد السيارات، وعدم توفر المرائب في المدينة! أو ربما أن للمستثمر حظوة وباعاً، وهو من يسعى للاستعجال ولكسب الوقت، خاصة إذا علمنا أن حديقة الطلائع الواقعة على أوتوستراد المزة، موضوع قرار نقل الملكية والاستثمار، تبلغ مساحتها 40 ألف متر مربع، وهي بموقع متميز داخل العاصمة.
خارطة استثمارية لآلاف الأمتار المربعة الأخرى
بحسب الموقع الرسمي لشركة دمشق الشام القابضة، حول مشروع مرائب السيارات المعروض على شكل فرص استثمارية «مرائب ومشاريع استثمارية على الأملاك العامة، وتحت الحدائق والساحات» خارج المناطق التنظيمية، ورد ما يلي: «يتوفر لدى محافظة دمشق عدد من المواقع والدراسات الأولية الخاصة، وفق خارطة المرائب التالية، لإشادة عدد من مرائب السيارات ولا سيما الذكية منها تحت الحدائق العامة والأملاك العامة، بعدد طوابق يصل إلى 4 تحت الأرض. وتعتبر من المشاريع الاستثمارية الملحة للازدياد الكبير في أعداد السيارات في المدينة، إضافة إلى إمكانية دعم موارد الاستثمار في هذا المجال بتوفير مساحات تجارية بنسبة 5% من مساحة سطح الأرض ونسبة 25% من المساحة الكلية تحت الأرض تحقق الجدوى الاقتصادية للمستثمر».
وقد ورد بالخارطة عدد من المرائب المخططة بمواقع مختلفة من المدينة منها: (حديقة الطلائع بالمزة- حديقة المزرعة- ساحة الميسات- حديقة السبكي- حديقة المدفع- حديقة كيوان- حديقة الديوانية- ساحة عرنوس- أرض المعرض القديم- وغيرها من المواقع الأخرى) بواقع إجمالي بحدود 25 موقعاً معروضة للاستثمار لهذه الغاية في مدينة دمشق.
وربما تجدر الإشارة بهذا الصدد، إلى أن وسائل الإعلام تداولت الأسبوع الماضي خبراً مفاده: أن وزارة لتجارة الداخلية وحماية المستهلك قد صادقت على تأسيس شركة استثمارية خاصة محدودة المسؤولية ستعمل في مجال تنفيذ واستثمار وتشغيل وإدارة وصيانة مواقف السيارات والمرائب الطرقية والطابقية، بما يشمل إقامتها تحت الحدائق.
مسؤوليات تائهة بالذرائع والادعاءات
الاعتراف بعدم توفر الإمكانية لتأهيل الحديقة، واعتبار ذلك ذريعة من أجل دخول الاستثمار في ملكية الحديقة العامة هو الطامة الكبرى، والتي تفرض التساؤل المشروع حول دور المحافظة وواجباتها ومسؤولياتها العامة المفترضة، بما في ذلك مسؤوليتها تجاه الملكيات العامة والحفاظ عليها، كما حيال مفهوم النفع العام ومآله، وإلى أين يمكن أن تصل بنا مثل هذه الذرائع على مستوى الخدمات العامة والمهام والواجبات الأخرى؟ ولعل التساؤل الأهم: من المعني بالمحاسبة عن التقصير في هذه المجالات بالنتيجة؟
أمّا ذريعة عدم توفر المساحات من أجل إقامة المرائب، وهي ضرورة لاشك، فتدحضها الخريطة المعدة والتي وفرت 25 موقعاً مختلفاً في مدينة دمشق، لكن من أجل الاستثمار، وهي بالمجمل تشكل مساحات واسعة جداً مما يعتبر ملكية عامة بالقانون، وخاصة في الحدائق، والتي سيتم تحويلها إلى ملكية استثمارية بيد دمشق الشام القابضة، والشركات التابعة لها، أو المتعاقدة معها تباعاً على ما يبدو.
ولعل ما يدحض الادعاء بعدم توفر الإمكانية، الآن أو سابقاً أو لاحقاً، هو الإعلان المسبق على موقع الشركة القابضة كما ذكر أعلاه، كبوابة مشرعة لتِغوّل الاستثمارات على الملكيات العامة بغاية «دعم موارد الاستثمار في هذا المجال»، و«تحقق الجدوى الاقتصادية للمستثمر».
مآل ملكيات النفع العام
ما يجب التوقف عنده مطولاً، هو: مفهوم الملكية العامة والنفع العام، ومآلهما، في ظل هذا النمط من التغول الاستثماري، الذي أصبح مشرعناً، على الأملاك العامة، ومنها: الأملاك ذات النفع العام، المفترض بأنها مصانة دستوراً وقانوناً!
ولعل الدخول المأجور إلى حديقة تشرين في دمشق منذ عدة أشهر بذريعة المعارض والاستثمارات، والذي استمر لأكثر من شهر، مثال بسيط وصغير عن مآل الأملاك العامة والأملاك ذات النفع العام، عندما يصبح عامل الربح واشتراطاته هو المعيار والمحدد لمهام مجلس المحافظة، ولا ندري في ظل الخارطة أعلاه، والتي شملت غالبية الحدائق العامة الكبيرة في دمشق، أين ستغدو حقوق المواطنين بمتنفساتهم المحدودة أصلاً، خاصة بعد أن أكل الاستثمار حديقة المنشية وتمركز فندق «الفور سيزن» فوقها، كما أكل بعض أجزاء من الحدائق العامة الأخرى التي تم اقتطاعها كمطاعم أو أكشاك وكافيهات فيها، ومآل أرض كيوان وأرض المعرض التي أصبحت جرداء، وحتى التصرف ببعض المساحات المخصصة كوجائب، وكل ذلك على حساب المساحات الخضراء والمتنفسات المفترضة كحق للمواطنين عموماً.
بوابات الجحيم
لا بد من القول: أن المرسوم التشريعي رقم 19 لعام 2015 والذي أجاز إحداث شركات قابضة لإدارة واستثمار أملاك الوحدات الإدارية، وفي ظل الذرائع التي تقدمها هذه الوحدات، سواء لتبرير التقصير بالمهام والواجبات والمسؤوليات بحجة عدم توفر الإمكانات، أو كمُسوغٍ لِتغوّل الاستثمار في الملكيات العامة، وحتى الخاصة، تحت يافطة «التشاركية» من أجل جني الأرباح، سيؤدي بالنتيجة مع غيره من القوانين والتشريعات الشبيهة الأخرى، ليس إلى العبث بمفهوم الملكية فقط، عبر نقلها إلى الشركة القابضة وبتصرف شركاتها المحدثة أو المتعاقدة معها، بل إلى توجه الاستثمارات إلى المجالات والقطاعات، الخدمية وغيرها، ذات الربح والمردود الأعلى، فيما تؤول الخدمات والقطاعات ذات المردود الربحي الأدنى، أو عديمة الربح وذات النفع العام، إلى المزيد من الترهل والتراجع، خاصة وأن المرسوم كرَّس المهام المزدوجة، لمجلس الوحدة الإدارية ولمجلس إدارة الشركة القابضة، بمجلس الوحدة الإدارية نفسه وبرئيسها، ولعله من المفروغ منه أن ما سيطغى بالنتيجة، هو عامل الاستثمار والربح على العوامل الأخرى بمجال المهام والواجبات والمسؤوليات المناطة بالوحدات الإدارية، ناهيك عن العوامل الكثيرة الأخرى المساعدة على تكريس هذا التوجه والاتجاه، كالمحسوبية والفساد والواسطة، ولم لا؟ طالما أن السياسات العامة أصلاً تحابي مصالح المستثمرين على حساب مصالح البقية الباقية من الشعب كما على حقوقهم.
أخيراً، نورد ما قاله أحد المواطنين تعقيباً على خبر المرآب ونقل الملكية أعلاه: «عمّي يمكن القصة أنو الاستثمارات بملاعب الجلاء، من فندق ومطاعم وملاهي وكافيهات، بدها باركنغ بجنبها مشان رواد هالأماكن ما يعذبوا حالهم.. حرام، ونحنا انشالله عمرنا ما منستحق لا حدائق ولا ملاعب».