السوري في مواجهة خطر الزوال عطشاً أيضاً
عاصم بوظو عاصم بوظو

السوري في مواجهة خطر الزوال عطشاً أيضاً

مرة جديدة يُقرع ناقوس الخطر حول مشكلة العجز المائي في سورية، حيث ناقشت جمعية العلوم الاقتصادية خلال ندوتها الشهرية التي عقدت منذ أسبوعين، محاضرة بعنوان: «الوضع المائي في سورية- الواقع والحلول»، قدمها الدكتور المهندس جورج صومي، وبحضور ممثلي وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.

وقد تبين من خلال المحاضرة أن العجز المائي قارب كمية 1,65 مليار متر مكعب في السنة، وحصة الفرد من الموارد المائية المتجددة بحدود 800 متر مكعب في السنة، علماً أن الرقم المعتمد لحصة الفرد عالمياً هو 1000 متر مكعب في السنة، أي: أن هناك عوزاً مائياً فردياً بنسبة 20%.
قطاع الزراعة الأعلى استهلاكاً
بحسب المحاضرة، فقد كان توزع استهلاك الموارد المائية على الشكل التالي:
إجمالي الاستهلاك في القطاعات كافّة يقرب من 18,25 مليار متر مكعب في السنة.
16,18 مليار متر مكعب في السنة لقطاع الزراعة، أي: بنسبة 88,65%.
1,55 مليار متر مكعب في السنة لقطاع مياه الشرب والاستخدام المنزلي، أي بنسبة 8,50%.
0,52 مليار متر مكعب في السنة لقطاع الصناعة، أي: بنسبة 2,85%.
وقد لفتت المحاضرة إلى أن سورية بحكم موقعها الجغرافي في المنطقة الجافة والنصف الجافة، فإن البادية تشكل ما يقرب من 100 ألف كيلو متر مربع من إجمالي المساحة التي تتلقى كميات هطلٍ مطري دون 200 ملم في السنة.
أسباب مباشرة
المحاضر توقف عند بعض الأسباب والآثار السلبية المترتبة عليها، وخاصة على الريعية الاقتصادية للإنتاج الزراعي، ومنها:
تدني المناسيب الحركية والمستقرة للمياه الجوفية.
ارتفاع تكاليف تأمين المياه بالضخ من الآبار.
تعرض معظم المشروعات المائية وبناها التحتية لعمليات تخريب كبيرة.
توقف العمل في المشروعات الجديدة ومشروعات إعادة التأهيل.
التوقف الكلي للأعمال الإنشائية في مشروع دجلة الإستراتيجي.
توقف كل أعمال الدراسات والتحريات للمناطق المستهدفة في المشروع، ومشروعات استصلاح الأراضي في الفرات الأوسط والأعلى والأدنى.
توقف العمل في مشروعات السدود (برادون- خان طومان- وادي أبيض- أفاميا- زيزون). وينسحب ذلك على مشروعات مياه الشرب مثال: مشروع جر مياه نبع عين الزرقا إلى مدينة إدلب والمدن والبلدات في المحافظة.
حفر آلاف الآبار المخالفة في المناطق كافة من دون مراعاة حرم الينابيع والأنهار.
تدني كفاءة الري
كما تم التوقف عند التخطيط لمساحات مروية تفوق احتياجاتها المائية وتدني كفاءة الري، حيث إن الموارد الجوفية المتجددة لنفس السنة تصل إلى 40% من إجمالي الموارد المتاحة والمتجددة، بينما كانت المساحة المروية بحدود 56% من إجمالي المساحة المروية.
وبحسب المحاضر، ولكي تصبح الزراعة المروية أكثر اقتصادية، يجب زيادة الإنتاجية الزراعية لكل المحاصيل المروية، لزيادة الدخل المزرعي للفلاح ثم للدخل الوطني، وربط رسوم الري بكمية المياه المقدمة لوحدة المساحة.
اعتراف رسمي أيضاً
مشكلة المياه والعجز المائي سبق وأن أثيرت مراراً وتكراراً خلال السنين والعقود الماضية، وربما تجدر الإشارة إلى ما ورد على لسان المدير العام للهيئة العامة للموارد المائية عبر إحدى الصحف المحلية في شهر آب 2014، حيث قال: «حتى لا تكون سورية تحت خط الفقر يجب أن يصل إجمالي موارد المياه المتاحة في سورية إلى 23 مليار م3 من المياه»، في حين أن «إجمالي الموارد المتاحة من المياه في سورية حالياً لا تتجاوز 16 مليار م3.. ما يعني وجود فجوة ما بين الرقمين تبلغ حوالي سبعة مليارات م3»، أي: أننا في سورية تحت خط الفقر المائي.
كما أشار أيضاً إلى: «تدني كفاءة استخدامات الموارد المائية في الزراعة، التي تستهلك أكثر من 90% من جملة الاستخدامات». موضحاً أن: «متوسط الهطل المطري السنوي بحوالي 46,63 مليار م3 بالسنة، ويبلغ المعدل الإجمالي لمصادر المياه الداخلية المتجددة حوالي 9,026 مليارات م3 سنوياً، منها 5,095 مليارات م3 سنوياً لمصادر المياه الجوفية المتجددة، في حين يشكل المعدل الوسطي لإجمالي الجريانات السطحية في سورية حوالي 3,931 مليارات م3 سنوياً».
المطلوب جملة من السياسات
واقع الحال يقول: إن سورية تعتبر من البلدان الجافة وشبه الجافة، والتي تتصف بندرة مواردها المائية عموماً، فالموارد المائية المتاحة في سورية جعلتها مصنفة ضمن مجموعة البلاد الفقيرة بالماء، وذلك منذ أكثر من عقد من الزمن، ويشكل التزايد السكاني وتوزعه ضغطاً كبيراً على الموارد المائية المحدودة أصلاً، ويمكن تلخيض المشكلة بمحورين أساسين: استنزاف الموارد المائية- تلوث مصادر المياه، ما يعني: أن الأولوية يجب أن ترتكز على مفهوم الاستخدام المستدام للموارد المائية المتاحة، واتخاذ إجراءات جدية وصارمة تجاه تلوث المياه، باعتبار أن مصادر المياه العذبة محدودة، وستغدو نادرة، الأمر الذي يفرض إعادة النظر في السياسات وإدارة الفعاليات التي تتسبّب في استنزاف هذه الموارد وتلوثها، بالإضافة لإعادة النظر في السياسات الزراعية، وخاصة في مجال الري، مع تأمين سبل حماية الموارد المائية في إطار التنمية المستدامة، ولحفظها للأجيال المستقبلية.
فنواقيس الخطر التي تقرع بين الحين والآخر حول الوضع المائي في سورية، ومشكلة الفقر المائي المتزايدة، تفرض أن سورية بحاجة إلى خطة مائية وطنية، آنية ملحة وإستراتيجية بعيدة المدى، وذلك بالاعتماد على الأبحاث العلمية المتوفرة لدى الجهات الرسمية وغير الرسمية حول المشكلة وسبل علاجها، مع أهمية استمرارية هذه الأبحاث وتطويرها حسب الضرورات والاحتياجات المتنامية، وإلا فإن مشكلة العوز والفقر المائي ستستمر وتصبح أكثر عمقاً وسوءاً، ما يعني: أن كل الحديث عن إعادة الإعمار وعن التنمية والنمو، والوعود البراقة، ستصبح في مهب الريح، فحيث الماء هناك حياة، وإلا فالموت والزوال.
فهل من خطة مائية وطنية إستراتيجية جدية تبعد عنا شبح الزوال عطشاً؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
912
آخر تعديل على الثلاثاء, 10 آذار/مارس 2020 22:45