مترفون بابتسامة هوليود ومفقرون بلا أنياب
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

مترفون بابتسامة هوليود ومفقرون بلا أنياب

ارتفعت تكاليف المعالجة الطبية للأسنان بشكل كبير خلال السنوات الماضية، علماً بأنها سلفاً تعتبر مرتفعة بالمقارنة مع مستويات الأجور، والحال كذلك فقد أصبحت تلك المعالجة الطبية لكل طويل عمر من القادرين على تحمل تكاليفها، وللمضطرين لبعضها ضمن الحدود الدنيا المتوافقة مع إمكاناتهم.

أما الخدمات المرافقة للمعالجة الطبية هذه من الناحية التجميلية وصولاً لـ»ابتسامة هوليود» فهي حكر على البعض من الأثرياء، باعتبارها من الخدمات ذات النجوم الخمس والست والسبع، وللنجوم من علية القوم ومترفيه.
المهنة الأفضل والطبيب الأفقر!
برغم ارتفاع تكاليف وأجور معالجة الأسنان وطبابتها على المواطنين، بحيث أصبحت من المستحيلات على الغالبية منهم، إلا أن طبيب الأسنان وبحسب نقيبهم، يعتبر فقيراً!
وقد سبق أن صرح وزير التعليم العالي في شهر نيسان 2018 أن: «الأجور التي يتقاضاها أطباء الأسنان في سورية هي الأرخص على مستوى العالم»، مؤكداً بأن مهنة طب الأسنان: «من أهم وأفضل المهن على الإطلاق».
رفع أسعار مقبل
كشفت نقيب أطباء الأسنان في سورية فاديا ديب، أن «هناك دراسة جديدة خاصة للأسعار في مهنة طب الأسنان ستصدر العام القادم، والعمل على تحديد أسعار العلاجات بطريقة صحيحة ومنطقية لحماية المواطن من ارتفاع الأسعار، وحصول الطبيب على حقه بشكل حقيقي، مع فرض عقوبات رادعة في حال تجاوزها»، وذلك حسب ما نقل عنها عبر وسائل الإعلام مؤخراً.
لم تنف ديب ارتفاع تكاليف العلاج حيث قالت: «إن المعالجات الطبية السنية هي الأغلى»، مضيفة: «إذا تم احتساب سلة التكاليف التي يقدمها الطبيب يبقى له مربح ضئيل مادياً يكفيه للعيش كمواطن في ظل ارتفاع الأسعار، إضافة إلى ما يترتب عليه من تكاليف وضرائب وكهرباء وأجور مخبرية».
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن وزارة الصحة كانت قد أصدرت في عام 2013 قراراً رفعت بموجبه أجور الأعمال الطبية السنية في العيادات والمشافي الخاصة بنسبة 35%، وذلك بناء على طلب نقابة أطباء الأسنان في حينه، حيث كانت مبررات الرفع هي ارتفاع أسعار المستلزمات السنية.
عدم معرفة واستغلال
واقع الحال يقول: إن أطباء الأسنان غير ملتزمين أصلاً بالأسعار المقرة من قبل وزارة الصحة، وكل منهم يتقاضى أجوره ويقوم باحتساب تكاليفه على هواه، خاصة وأن مفردات هذه التكاليف كثيرة ومتشعبة، ناهيك عن النوعية والمواصفة للمواد الطبية المستخدمة في العلاج، والتي يحيل بعضها على مستوى الاختيار للمريض نفسه، بحيث يتحمل المريض نتيجة خياره سواء ناحية التكلفة والسعر، أو ناحية المواصفة والجودة، وبحسب ما يسوقه له الطبيب من ترويج، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المريض أولاً وآخراً يعتبر جاهلاً بالكثير من الحيثيات على مستوى النوعية والمصدر والسعر، وهو على ذلك يعتبر عرضة للاستغلال والجشع، حيث باتت كلفة علاج الأسنان تتراوح بين عشرات الآلاف والملايين، دون حسب أو رقيب.
وما زاد من فرص الاستغلال والجشع هو تراجع أعداد أطباء الأسنان خلال السنوات الماضية، وخاصة على مستوى المختصين منهم ببعض الجوانب العلاجية، مع انخفاض أعداد المَخبرَيين المتخصصين بصناعة البدائل السنية أيضاً.
وبالتالي، إن غالبية الأطباء من الناحية العملية يأخذون أكثر من حقهم، أما على مستوى التجاوزات فحدِّث بلا حرج في ظل غياب المحاسبة.
مزيد من الاستغلال
الأخطر على هذا المستوى، هو وجود بعض المواد الطبية الخاصة بطب الأسنان غير معروفة المصدر، أو منتهية الصلاحية، بعيداً عن الرقابة الصحية على نوعيتها وسلامتها وموثوقية مصدرها، وقد سبق لصحيفة تشرين الرسمية أن وثقت بعضها في عام 2014، وقد صرحت نقيب أطباء الأسنان في حينه على ذلك بقولها: «إن ظاهرة انتشار المواد المزوَّرة والمنتهية الصلاحية في مجال طب الأسنان ومساحيق التجميل منتشرة في البلد نتيجة للظروف الصعبة التي يمر فيها البلد من انفلات اقتصادي وضعف عام في الرقابة، فضلاً عن الحصار الاقتصادي وندرة المواد المستوردة، كما أن نقص الاستيراد أدى إلى ظهور ما يدعى بتجار الأزمة الذين يسوقون مثل هذه المواد المزيفة وغير الصالحة للاستخدام البشري من دون وازع من ضمير، فالطبيب في عيادته ولا سيما في مجال طب الأسنان بحاجة إلى مواد تستخدم كحشوات أسنان مؤقتة ومواد مبيضة ومواد أخرى مخدرة للعصب وما إلى ذلك، لكن النقص الحاد في تلك المواد والمتأتي من الحصار الاقتصادي على سورية يضطره للتعامل مع بعض المواد الموجودة في الأسواق».
مواطنون ع الحديدة وع النَّيرة
اعتاد المواطن عند تعرضه للمرض، في ظل ارتفاعات الأسعار العامة بالمقارنة مع تدني دخله وفقر حاله، أن يلجأ للمسكنات وللبدائل الطبية، وبأحسن الحالات للاستعانة بخبرات الصيادلة، كي يخفف عن نفسه مغبات المرض دون علاجه، بل دون معرفته ومعرفة أسبابه ومخاطره وتداعياته المستقبلية، وهرباً من التكاليف المرتفعة المرتبطة بالطبابة والعلاج، باعتبار أن أولوياته مقتصرة على الضرورات المعيشية التي لم تعد تتجاوز الحاجات الغذائية بحدودها الدنيا، بل ودونها غالباً، حيث أصبح غالبية السوريين دون عتبة الأمن الغذائي.
هذه الحال من الفقر والعوز فاقمت حِدة الأمراض، بما فيها أمراض اللثة والأسنان، إلا أن المسكنات وحدها لا تكفي على هذا المستوى، فالنتيجة العملية والنهائية بأحسن الأحوال هي فقدان الأسنان والأضراس، كون المضاعفات المرتبطة بأمراض الأسنان دون علاجها قد تكون كبيرة وغير محمودة، خاصة مع ما يستلزمه الأمر من نفقات كبيرة على مستوى تركيب البدائل السنية والحشوات والتيجان والعلاجات المرافقة، وصولاً لكلفة «الزرعات» وطقم الأسنان الكامل أو الجزئي، مع متغيرات الأسعار المرافقة لكافة العلاجات السنية حسب النوع والجودة وارتفاعاتها المستمرة، وكل ذلك يعتبر تكاليفاً كبيرة وغير محمولة من قبل الغالبية من المسحوقين، وفوق ذلك كله فإن الضمان الصحي، الذي من المفترض أنه عامل مساعد على تحمل أعباء تكاليف الطبابة والاستشفاء بالنسبة لعاملي الدولة وموظفيها مثلاً، إلّا أنه على مستوى طبابة الأسنان يستثني الكثير من التغطيات، بالإضافة إلى أن الطبيب يأخذ فارق السعر والتكلفة من المريض.
ومع ذلك هناك من يقول: إن أجور أطباء الأسنان هي الأرخص، في تجاهل للحقيقة الفاقعة بأن أجور السوريين ومستوى معيشتهم هي الأدنى عالمياً، ولا عجب بعد ذلك ربما من أن يصبح غالبية السوريين بلا أسنان.
أخيراً، نورد ما قاله خمسيني منزوع الأسنان: «ما بيكفي صرنا جوعانين وع الحديدة من تحت راسهم.. لك صرنا ع النيرة كمان».