غالبية السوريين «بلا ولا شي»!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

غالبية السوريين «بلا ولا شي»!

بالفم الملآن حُسم الجدل حول حقوق القاطنين في المناطق العشوائية والمخالفات المشادة على أراضي أملاك الدولة، فهؤلاء لا أسهم لهم ولا تعويضاً عن الأرض في المشاريع المزمعة بموجب القانون 10 الأخير، و»ربما» يستحقون السكن البديل فقط.

«هدول ما ح يطلعلهم أسهم ولا ح يطلعلهم شي، ممكن يطلعلهم سكن بديل، أما كتعويض عن الأرض ما ح يطلعلهم لأن الأرض أساساً مو إلهم، وهنن معمرين مخالفين».
هذا ما صرح به أحد أعضاء المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، خلال حديث إذاعي الأسبوع الماضي حول المخططات التنظيمية المزمعة للمناطق العشوائية والمخالفة بدمشق ومحيطها ومآل حقوق القاطنين فيها، حيث اعتبر تخوف هؤلاء مجازاً، كون الأرض أصلاً ليست بملكيتهم، وكونهم مخالفين.
طمأنة على حساب الزمن
أما عن الطمأنينة التي حاول عضو المكتب التنفيذي بثها لهؤلاء خلال حديثه فقد تمثلت بعبارة: «بحب طَمِّن الناس نحنا هلأ ما بدنا ننفذ التنظيم، نحنا بدنا نعمل دراسة»، أي: أن مضمون الطمأنة يتمثل بطول المدة الزمنية على المستوى التنفيذي للمخططات المزمعة، وليس على مستوى صيانة الحقوق.
في المقابل أكد على أن: «جوبر وبرزة والقابون بشهر 2 بيكون معروض ع المحافظة 3 مخططات سوا، هلأ الدراسة بخواتيمها، بشهر 5 بيكون خالص لجنة إقليمية وتصديق وزارة وإجراءات الطعن والاعتراض، بـ 1/6 لازم يكون بلش التنفيذ».. «المنطقة التانية اللي هي: القدم ونهر عيشة ودحاديل وبيادر نادر كمان هي خالصة وخاضعة للمصور 102 وبالتالي المخالفات ما عاد ترجع».. «المناطق اللي حاطينلا خطة هي: المزة 86 – عش الورور- حي الورود- مخالفات دمر- توسع المعضمية- مخالفات معربا- سفح قاسيون- الدويلعة- التضامن- دف الشوك- حي الزهور».
فعن أية طمأنة يتحدث عضو المكتب التنفيذي إذا كان كل القاطنين في مناطق السكن العشوائي والمخالفات في دمشق ومحيطها «ما ح يطلعلهم أسهم ولا ح يطلعلهم شي»! خاصة في ظل الحديث عن «ربما» المرتبطة بالسكن البديل الذي سيكون «مدفوع القيمة حسب التكلفة»، وذلك حسب ما نقل عن وزير الأشغال العامة والإسكان عبر صحيفة الثورة الرسمية بتاريخ 13/5/2018، فقد «أشار حول عدم وضوح الملكيات في مناطق السكن العشوائي إلى نوعين من السكن، الأول: من تعود الأرض إلى الملكية الخاصة لصاحب البناء، وبالتالي فله حقوق كاملة، حيث تؤمن الدولة له منزلاً، وتدفع له قيمة مكافئة لمنزله المتضرر أو الكائن في منطقة السكن العشوائي، والنوع الثاني: من السكن يتعلق بمن أشاد منزلاً على أملاك الدولة أو على أراضٍ مستملكة، مبيناً إن التعاطي معه لن يكون مثل التعاطي مع من يمتلك الأرض، إلا أن الدولة ستحفظ لهؤلاء حقوقهم وتؤمن لهم سكناً وفي الموقع ذاته مدفوع القيمة حسب التكلفة لهذا المسكن».
فقط نصف السوريين بلا حقوق
الحديث الذي يبدو بسيطاً مع جرعة التطمينات الواردة فيه أعلاه، هو في حقيقة الأمر أكثر تعقيداً وعمقاً بكثير على مستوى تأثيره وتداعياته على أرض الواقع، فمناطق السكن العشوائي والمخالفات الموجودة في دمشق وبمحطها، والبالغة 18 منطقة، تقطنها أعداد كبيرة جداً من السكان.
فبحسب عضو المكتب التنفيذي نفسه فإن قاسيون وحده فيه «مليون بني آدم»، فكيف الحال بأعداد القاطنين في المناطق الباقية، وكيف الحال بها على مستوى القطر؟ خاصة إذا علمنا أن هناك: «157 منطقة سكن عشوائي في مختلف المدن وهي تشكل بين 40 إلى 50 بالمئة من مناطق السكن في سورية»، بحسب وزير الأشغال العامة والإسكان، ما يعني أن أكثر من نصف السوريين هم بلا حقوق ملكية في السكن: «ما ح يطلعلهم أسهم ولا ح يطلعلهم شي»!، علماً أن هؤلاء دفعوا قيمة ما يسمى سكناً في هذه المناطق لتجار العقارات والسماسرة طيلة العقود الماضية، على مرأى ومسمع ومعرفة الحكومة بوزاراتها وبجهاتها المعنية كمحافظات ومجالس مدن وبلديات، والأنكى أن يقال بعد كل ذلك: أنَّ «هذه المناطق بنيت على عجل وبعيداً عن أعيننا»!.
غياب المخططات
وبيع وشراء الأنقاض
لا شك أن التنظيم العمراني والمخططات التنظيمية ضرورة ملحة، لكنها كانت غائبة عن الحكومات المتعاقبة لعقود طويلة ولأسباب مجهولة!.
فبحسب عضو المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق فإن: «المخطط التنظيمي لمدينة دمشق تم وضعه في عام 1968 على يد المهندس الفرنسي إيكوشار، ولم يوضع بعده أي مخطط حتى الآن، ليش ما بعرف؟!».
أما النتيجة العملية لعدم وجود مخططات تنظيمية طيلة هذه العقود فقد تمثلت بتوسع انتشار العشوائيات والمخالفات، وذلك كنتيجة طبيعية للحاجة للسكن المقترن بالزيادة السكانية، مع عدم وجود خطط رسمية للإسكان تأخذ بعين الاعتبار تلك الحاجة الملحة والمتنامية باستمرار.
أما النتيجة الأسوأ فهي: أن تلك الحاجة المتنامية كانت فرصة للاستغلال وللتربح على أيدي، وفي جيوب، تجار العقارات وسماسرتها طيلة العقود الماضية، على حساب الغالبية من المحتاجين للسكن، وخاصة فقراء الحال وأصحاب الدخل المحدود، كما على حساب المواصفات الفنية والهندسية والصحية للمساكن المشادة نفسها في المناطق المخالفة والعشوائية، ناهيك عن سوء الخدمات والبنى التحتية، والتي يدفع ضريبتها القاطنون فيها أيضاً.
وأسوأ الأسوأ هو أن هؤلاء القاطنين في هذه المناطق العشوائية لم تعترف الحكومة بحقهم المكتسب بملكية بيوتهم ومساكنهم، معتبرة أن ما يتم تداوله بيعاً وشراءً للبيوت المشادة في هذه المناطق طيلة العقود الماضية على أنه «بيع وشراء للأنقاض» حسب التوصيف القانوني، كون الأرض المشادة عليها هي بملكية الدولة.
لا حقوق مكتسبة
الحقوق مصانة بموجب الدستور والقانون، وخاصة حقوق الملكية، كما أخذت القوانين المعمول بها بعين الاعتبار الحقوق المكتسبة على أنها حقوق مصانة أيضاً، وأفردت لها مواداً خاصة في متن بعضها.
فقانون الإصلاح الزراعي صان الحقوق المكتسبة للفلاحين والعاملين الزراعيين على أراضي أملاك الدولة لمن يقوم باستصلاحها من بوابة الحق المكتسب، كما لحظ قانون الإيجار الحقوق المكتسبة للمستأجرين القدامى حيث أشركهم بالملكية بنسبة 40% علماً أنها ملكية خاصة، وغيرها من القوانين الأخرى التي لحظت الحقوق المكتسبة باعتبارها من الحقوق المصانة، بما لها وما عليها من ملاحظات.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يلحظ القانون 10 تلك الحقوق المكتسبة للقاطنين في مناطق السكن العشوائي والمخالفات على مستوى حقهم بملكية الأرض، أو نسبة منها على أقل تقدير؟
فالقانون 10 لم يلحظ الحقوق المكتسبة للقاطنين في مناطق المخالفات والعشوائيات، واقتصر ذلك على حق تأمين السكن البديل الذي سيصار إلى استيفاء قيمته من جيوب المواطنين، وهو جوازي ومقترن بعمل اللجان المختصة بالمسح وغيرها، لذلك ظهرت مفردة «ربما» المقترنة بهذا الحق، باعتبار القانون لم ينص صراحة به، بينما لحظ الحق المكتسب للمحافظة والجهات الإدارية من خلال نقل ملكية الأراضي إليها بمقابل المخططات التنظيمية ووضعها بالتنفيذ مع البنى التحتية، وفسح المجال أمامها للتصرف بهذه الملكية وما يشاد عليها لاحقاً (بيعاً وشراءً وتعهداً واستثماراً)، حالها كحال القطاع الخاص ممثلاً بشركات التطوير العقاري وتجار العقارات وسماسرتها الذين سيدخلون على خط الاستفادة هذه أيضاً من البوابات المشرعة قانوناً أمامهم.
والنتيجة التي أصبحت محسومة منذ الآن، هي: أن مصير القاطنين في هذه المناطق بحال تطبيق نصوص القانون 10، إن عاجلاً أو آجلاً، إما التشرد، أو المزيد من الديون والعوز لقاء قيمة السكن البديل لمن استطاع إليه سبيلاً!
وكون هذا الأمر سيطال 50% من مناطق السكن فقط، أي: أكثرية السوريين باعتبار عامل الاكتظاظ السكاني في هذه المناطق مرتفع جداً، فهذا يعني عملياً زج هؤلاء للبحث عن السكن في مناطق عشوائية ومخالفة جديدة أخرى، مع غيرهم ممن تفرزه طبيعة الحاجة المتنامية للسكن والإيواء، وهكذا دواليك مع هذا الشكل من الحلول الترقيعية التي تستثني حقوق الغالبية، جاعلة من البحر طحينة تسويقاً وترويجاً لها، مع الترجمة العملية لهذه الحلول على مستوى المزيد من الأرباح في جيوب القلة المخملية المدعومة رسمياً، التي تثري على حساب هؤلاء!.