مخيم الركبان.. ضرورات آنية ومستقبلية
تزداد خشية النازحين السوريين المقيمين في مخيم الركبان من تجدد أوجه معاناتهم مع اقتراب فصل الشتاء، خاصة مع تزايد الضغوطات الممارسة عليهم، واستمرار الاتجار بمأساتهم وكارثتهم الإنسانية من قبل من لا يرحم من القوى المحلية والإقليمية والدولية، والمنظمات التي تدَّعي الإنسانية.
فمع تزايد تردي الأوضاع المعيشية داخل المخيم، في ظل تراجع المساعدات الإنسانية وصولاً إلى توقفها شبه التام خلال الأشهر القليلة الماضية، ومع اقتراب فصل البرد والشتاء، يتزايد خوف سكان المخيم من مغبات الأيام والشهور القادمة على حياتهم، وخاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن، وفي ذهن كل منهم معاناة السنين الطويلة الماضية التي حصدت حياة البعض منهم، ليس بسبب البرد وقلة الغذاء فقط، بل بسبب سوء الوضع الصحي داخل المخيم، والمزيد من التردي على هذا المستوى أيضاً.
العجرفة الأمريكية غير الإنسانية
المخيم يقع داخل الأراضي السورية على الحدود السورية الأردنية، وهو مخيم شبه عشوائي يمتد على مساحة واسعة من الأرض تقدر بحدود 7 كم طولاً و 3 كم عمقاً، وهو يؤوي أعداداً كبيرةً من اللاجئين تتراوح تقديراتهم بين الـ 60 ألف والـ 100 ألف سوري، ممن اضطرتهم ظروف الحرب والأزمة للنزوح من بلداتهم ومدنهم هرباً من الموت المحتمل على أيدي إرهابيي «داعش» مطلع عام 2014 تقريباً، نحو الموت البطيء الأكثر قسوة ربما في هذه الرقعة الصحراوية العارية، وفي ظل عُري التعامل مع مأساة هؤلاء من قبل الدول والمنظمات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الرقعة الصحراوية تسيطر عليها القوات الأمريكية، التي تمارس سطوتها الأمنية والعسكرية عليها بشكل غير شرعي، كما على اللاجئين المقيمين فيها.
وفي مفارقة غير مستغربة فإن هذه الرقعة الجغرافية التي تقع تحت السطوة الأمريكية تتحرك فيها بعض قوات «داعش» الإرهابية بكل أريحية، بل وبدعم وتغطية أمريكية مكشوفة أيضاً، الأمر الذي يشكل عائقاً أمنياً حقيقياً أمام من يتمكن من الهروب من المخيم نحو الداخل السوري، حيث من الممكن أن يصبح فريسة سهلة المنال بأيدي إرهابيي «داعش» وكمائنهم، أو تحت مرمى نيرانهم.
وعلى الرغم من ذلك فإن حركة المغادرين من المخيم تتزايد يوماً بعد آخر، هرباً جديداً من البؤس الذي فُرض عليهم أمريكياً هذه المرة وبكل وضوح، حيث أصبحت ورقة هؤلاء اللاجئين الإنسانية تحت الأيدي الأمريكية للمساومة على استمرار بقائها غير المشروع على الأرض السورية بكل وقاحةٍ وصلفٍ، وعلى مرأى ومسمع من يدَّعي الإنسانية من المنظمات الدولية ذات الشأن، والكثير من وسائل الإعلام التضليلية التي تُغيب بؤس اللاجئين، وتغطي على موبقات العجرفة الأمريكية غير الإنسانية.
احتياجات آنية ومستقبلية عاجلة
استناداً إلى كل ما سبق، إن احتياجات المخيم الآنية لا تقتصر على المواد الغذائية أو الأدوية فقط، بل ومع اقتراب فصل البرد وبدء انخفاض درجات الحرارة تبدو الحاجة لترميم الخيام البالية أكثر أهمية، بالإضافة إلى البطانيات وألبسة الشتاء والعوازل ووسائل التدفئة، بما في ذلك المحروقات الضرورية لهذه الغاية، خاصة وأن درجات الحرارة تنخفض خلال فصل الشتاء لما دون درجة التجمد، فقد أدت العواصف المطرية خلال السنوات الماضية إلى اقتلاع الكثير من الخيام، بالإضافة إلى غرق الكثير منها أيضاً، كما حصدت أرواح بعض ساكني المخيم.
حيث تغيب عن المخيم أبسط مقومات الحياة، بما في ذلك إمكانية الدخول والخروج منه، وقد تزايدت معاناة اللاجئين مع إعلان الجانب الأردني إغلاق حدوده مع المخيم بشكل كلي، بما في ذلك بوجه المساعدات الإنسانية إليه رغم قلتها، مع تسجيل غياب المنظمات الإنسانية داخل المخيم، مع تسجيل المزيد من النقص بالمواد الغذائية، بالإضافة إلى ندرهِ الأدوية وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية، ناهيك عن ندرة المياه وضرورات الحياة الأخرى، الأمر الذي جعل من الحياة داخل المخيم أكثر بؤساً يوماً بعد يوم.
أما الأهمّ، المستقبلي والعاجل، فهو خروج القوات الأمريكية من الأرض السورية بشكل نهائي، وتهيئة الظروف أمام النازحين المقيمين في المخيم من أجل الخروج منه والعودة إلى بلداتهم وقراهم وبيوتهم في الداخل السوري الذي يقع تحت سيطرة الدولة، اعتباراً من الجانب الأمني على مستوى تأمين الطرقات والممرات، أو على مستوى التسويات المعمول بها بما يضمن حقوقهم وصَون كرامتهم، وصولاً إلى إغلاق المخيم نهائياً، وإلى غير رجعة.