ظاهرة تدخين الأطفال وغضّ الطرف
تكاثرت المؤذيات بحق الطفولة والأطفال خلال سنوات الحرب والأزمة، مع مفرزاتها السلبية على واقع هؤلاء ومستقبلهم، اعتباراً من التسرب المدرسي، مروراً بالعمل بظروف غير إنسانية من أجل الإعالة، وصولاً إلى التسول والتشرد، مع كل ما يرافق ذلك من أوجه للاستغلال المفرط متعدد الأشكال والألوان.
وكم هو مؤذٍ فوق كل ذلك مشهد طفل وبيده سيجارة مشرعة في النواصي والشوارع، أو مشاهدة طفل مع أركيلة في إحدى المقاهي والكافيهات، والأكثر أذيّة أن يكون ذلك خلال الفترة الصباحية التي من المفترض أن يكون فيها هذا الطفل داخل مدرسته؟! وأي بؤس بعد ذلك كله أن هذه المشاهد أصبحت كثيرة بحيث لم تعد تثير حالة الاستغراب والاستهجان، وصولاً للامبالاة الرسمية تجاه هذه الحال التي أصبحت ظاهرة خطيرة لا يجب غض الطرف عنها.
زيادة الانتشار
لا شك أن سني الحرب والأزمة كان لها الكثير من التداعيات السلبية والخطيرة، بالإضافة إلى نتائجها المباشرة والعميقة على جميع السوريين، ولعل الطفولة حملت العبء الأكبر من هذه النتائج والتداعيات، والتي تعتبر ذات أخطار أكبر عليهم، ليس لكونهم أطفالاً فقط، بل لكونهم يمثلون لبنة المستقبل وعماده افتراضاً وواقعاً.
فظاهرة التدخين، وبرغم انتشارها في بلدان العالم أجمع، إلّا أنها تعتبر آفة يجب مكافحتها، وهو ما عملت عليه الكثير من البلدان عبر وضع التشريعات اللازمة من أجل الحد منها ومن آثارها وتداعياتها ونتائجها، على المستوى الصحي الخاص والعام، وعلى المستوى الاقتصادي الفردي والوطني، وصولاً إلى مستقبلٍ خالٍ منها ونابذٍ لها، وقد وصلت بعض الدول لمراحل متقدمة على مستوى الحد من هذه الظاهرة ونبذها، إلّا أن سورية، وعلى الرغم من صدور تشريع خاص بمكافحة هذه الظاهرة منذ عقد من الزمن تقريباً، إلّا أن الواقع يقول: إنها أصبحت أكثر انتشاراً وتوسعاً وتعمقاً، وصولاً لانتشارها بين المراهقين والأطفال، ليس على مستوى استهلاك السجائر فقط، بل على مستوى استهلاك الأركيلة علناً في المقاهي والكافيهات على مرأى ومشاهدة الجميع.
واقع ولا مبالاة
جولة سريعة صباحاً أو ظهراً ومساءً، وحتى ليلاً، على المقاهي والكافيهات التي أصبحت من الكثرة بحيث لا يخلو منها أي شارع وأي حي، في أية مدينة أو بلدة صغيرة أو كبيرة، لابد وأن يلفت النظر كثرة الأراكيل بأيدي المراهقين دون سن 18 سنة، حتى بعض هؤلاء ربما بعمر لا يتجاوز الـ 10 سنوات.
لاشك، أن الموضوع فيه الكثير من أوجه الاستغلال من قبل البائعين وأصحاب الكافيهات والمقاهي الذين لا يعنيهم من أمر انتشار هذه الظاهرة بين الأطفال والمراهقين إلّا ما يجنونه من أرباح في جيوبهم، وقد يظهر أن هناك بعض أوجه اللامبالاة أو عدم المتابعة من قبل الأهل، أو من قبل المدارس لهذه الظاهرة التي زاد انتشارها بشكلٍ لافتٍ خلال السنوات الماضية، لكن لعل الأهم، هو: أن هذه الظاهرة وبرغم كثرة الحديث عنها والتنبيه من آثارها وتداعياتها، لم تدفع الجهات الحكومية المسؤولة عن تطبيق التشريع الخاص بمكافحة التدخين للقيام بمهامها على مستوى مكافحة هذه الظاهرة، وخاصة بين الأطفال.
تشريع مع وقف التنفيذ
حسب المادة رقم 2 من المرسوم التشريعي رقم 62 لعام 2009 الخاص بمنع التدخين وبيع منتجات التبغ وتقديمها في الأماكن العامة: «يمنع التدخين وبيع منتجات التبغ وتقديمها في الأماكن العامة».
كما نصت المادة رقم 3 منه على ما يلي:
يحظر إنتاج وتصدير واستيراد وبيع الحلوى والأغذية وألعاب الأطفال المصنعة على شكل يشبه منتجات التبغ أو عبواتها.
يحظر بيع محتويات عبوات منتجات التبغ بشكل مجزأ.
يحظر بيع منتجات التبغ ممن يدل ظاهر حالهم أنهم بعمر أقل من سن الثامنَ عشرة أو تقديمها أو بيعها إليهم وعلى بائعي منتجات التبغ أن يضعوا في مكان بارز من واجهات محالهم شارة تتضمن هذا المنع.
يمنع وضع أية دعاية عن التبغ ومشتقاته على الألبسة والأدوات المدرسية.
وقد أوجبت المادة رقم 5 ما يلي:
على أصحاب المحالّ العامة أو مستثمريها الراغبين بالسماح بالتدخين أن يخصصوا مساحة من الأماكن غير المغلقة للمدخنين بنسب محددة من مساحة المحل العام، وعليهم اتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة لضمان التهوية الكافية في المكان المخصص للمدخنين.
يمنع تقديم الأراكيل لكل من هو دون سن الثامن عشرة.
يمنع منعاً باتاً تقديم الأراكيل في المحال المغلقة تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية في حال عدم التقيد.
وقد تضمن المرسوم جملة من العقوبات المرتبطة بمخالفة نصوصه وأحكامه.
والسؤال الذي يفرض نفسه بعد كل ذلك: أين نتائج نصوص وعقوبات هذا التشريع على أرض الواقع، وخاصة على مستوى استنزاف الأطفال والمراهقين والمستقبل، علناً وبكل وقاحة وصلف، في ظل المشاهدات اليومية واللحظية في كل المقاهي والكافيهات المنتشرة في البلد؟