مواسم المعاناة!
بدأ موسم قطاف التفاح، وبدأت معه معاناة الفلاحين المرتبطة بالتسويق كما كل عام، بين الأحلام الوردية المتعلقة باستجرار كامل المحصول من قبل السورية للتجارة بأسعار تشجيعية، وبين واقع الاستغلال من قبل التجار والسماسرة الذين يعمدون إلى تخفيض الأسعار من أجل تحقيق أعلى هامش ربح ممكن على حساب الفلاحين وجهدهم ومعيشتهم بالنتيجة.
الحديث الرسمي يقول: إن موسم التفاح لهذا العام يعتبر ممتازاً، بحيث تقدر كميات الإنتاج في كل من القنيطرة والسويداء وحدها بحدود 350 ألف طن، بينما لم تتوفر تقديرات لكميات الإنتاج في المنطقة الوسطى من محافظة حماة (منطقة مصياف) أو في غيرها من المناطق.
فائض الإنتاج
بين التفاؤل والخشية
الكميات الحالية من الإنتاج فيها فائض عن حاجات الاستهلاك المحلي، ما يعني: ضرورة السعي لتسويق هذا الفائض من أجل عمليات التصنيع أو عبر التصدير، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جزءاً كبيراً من هذا الإنتاج تعرض للضرر نتيجة الظروف الجوية، حيث قدرت هذه الكمية بحدود 100 ألف طن على مستوى إنتاج القنيطرة والسويداء لوحدهما.
الحديث الرسمي عن دور السورية للتجارة في عمليات تسويق المحصول كان قد بدأ منذ أكثر من شهر، مع بدء نضج الموسم والشروع بقطافه، وهو ما كان بالنسبة للفلاحين مؤشر تفاؤل، خاصة مع التوجيه بأن يكون السعر مجزياً مع هامش ربح، وبأن أسعار هذا الموسم ستكون أفضل من أسعار الموسم الماضي، بزيادة تقدر بحدود 20% زيادة عن العام المنصرم.
ومع اقتراب موسم الأمطار خلال شهر أيلول يخشى الفلاحون من أن يتعرض محصولهم للمزيد من الأضرار قبل عمليات القطاف، ما يعني: المزيد من الخسائر على مستوى التسويق والتسعير، مما أدى إلى أن يلجأ بعضهم إلى التجار من أجل سرعة عمليات القطاف والتسويق، قبل أن «تقع الفاس بالراس» وتزيد الخسائر المادية عليهم.
التأخر بالاستلام خسارة إضافية
على الرغم من الحديث عن التوجيه الحكومي للسورية للتجارة لاستجرار محصول التفاح من الفلاحين بأسعار مجزية مع هامش ربحٍ، بما في ذلك الكميات المتضررة منه، من أجل طرحه عبر منافذها وصالاتها، والحديث عن تسخير إمكانات السورية للتجارة عبر سياراتها لنقل المحصول من مواقع الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك، إلّا أن البطء في هذا الإجراء، مع ما يرافقه من إجراءات أخرى تتعلق بالمواصفة والنوعية، وعمل اللجان الروتيني وتوزيع الصناديق وغيرها من الإجراءات الكثيرة الأخرى، أدى بالنتيجة لأن يصبح المحصول بمهب الريح، فإما انتظار السورية للتجارة لاستكمال إجراءاتها باستلامها كامل المحصول حسب التوجيه، وما يرتبط بذلك من مدة زمنية تعني احتمالات تسجيل أضرار بالموسم، ارتباطاً مع الأحوال الجوية المتوقعة خلال شهر أيلول، وإما الاضطرار إلى اللجوء إلى التجار والسماسرة، مع ما يفرضونه من شروطهم الخاصة، وتحديداً ما يتعلق بالأسعار الاستغلالية.
لا ننكر أن السورية للتجارة بدأت بعمليات الاستجرار، لكن عامل الزمن بالنسبة إليها يختلف عما هو عليه بالنسبة للفلاحين، فالتأخر باستلام المحصول يمكن احتسابه باليوم بالنسبة للفلاحين، خاصة وقد أصبحنا في شهر الأمطار وبداية فصل الشتاء، فكل يوم يحمل معه خسائر إضافية محققة على حساب الفلاحين والمنتجين ومعيشتهم، على الطرف المقابل فإن كل يوم من هذه الأيام يعتبر فرصة بالنسبة للتجار من أجل فرض شروطهم وأسعارهم على الفلاحين المحترقين بعامل الزمن.
والنتيجة، أن موسم التفاح وفائضه من الناحية العملية بالنسبة للفلاحين ومعيشتهم لن يكون مختلفاً عن غيره من المواسم الأخرى، معاناة وتعباً واستغلالاً وخسائر سنوية محققة.