لسائحٍ يعشقُ جَمْعَ الصور..
سنوات الحرب والأزمة التي دفع ضريبتها السوريون دماً وتشرداً ونزوحاً ولجوءاً، ودماراً لبيوتهم، وسرقةً وتعفيشاً لممتلكاتهم، إضافة إلى المزيد من الاستغلال بأشكاله وألوانه العديدة، محلياً وإقليمياً ودولياً، على حساب معيشتهم وأمنهم، وصولاً لاستنفاذهم تهميشاً وجوعاً، على ما يبدو أن كل ذلك لم يكن كافياً، وما زال في الجعبة قدرٌ من الاستنفاذ ليوضع على خارطة الاستثمار في هذه المأساة!
فآثار الدمار الذي تعرضت له سورية بشراً وحجراً أصبحت نقطة جذب سياحي واستثماري علناً، وبشكل رسمي أيضاً، وهذه المرة عن طريق وزارة السياحة التي تُجري تحضيراتها لإطلاق رالي سورية 2019 (التعريفي والاستكشافي).
الكارثة إلى الاستثمار
الدعوة التعريفية والاستكشافية أعلاه موجهة «لكل محبي سورية حول العالم من إعلاميين وفنانين وسياسيين ومغتربين سوريين»، وقد تم التوضيح بأن: «الرالي سيتضمن مساراتٍ ونُقاطَ توقفٍ، ونشاطاتٍ تظهر جمال وحضارة، ونبض الحياة، إضافة إلى آثار الدمار الذي تعرضت له سورية»، أما الغاية التسويقية والترويجية للحدث فقد أتت تحت عنوان: «إثبات عودة شرايين الحياة لكل الجسم السوري وأنه سيشمل كل سورية».
لأول وهلة وعند قراءة الخبر السياحي أعلاه، لم أستذكر إلا قصيدة الشاعر وهو يقول: «وكان جرحي عندهم معرضاً لسائح يعشق جمع الصور..».
فهل فعلاً وصل بنا الحال لأن يصبح جرحنا ومأساتنا أداة جذب واستقطاب سياحي واستثماري للراغبين من هواة جمع الصور في العالم، وبرعايةٍ واهتمامٍ رسمي أيضاً؟ وهل من الممكن أن نصبح رسمياً ماكيافيليين لهذه الدرجة تبريراً لجمع الأرباح وزيادتها في جيوب البعض على حساب مأساتنا وكارثتنا؟
كل شيء للاستثمار
قد يكون للسياحة رأيها على مستوى آليات الاستقطاب السياحي، وعلى مستوى بث رسالتها، بأن كل شيء على ما يرام، والحياة عادت بشرايينها لتدب في أوصال الوطن والمواطنين، وبرغم التحفظ على ذلك الادعاء شكلاً ومضموناً، إلا أن ذلك ربما لا يستوي مع مشاهد الدمار المكتسية بالخواء والتي يجري التسويق لها سياحياً.
فآثار الدمار في المدن والمناطق والقرى قد تعكس حجم ما تعرض له الحجر، والبنى التحتية من أضرارٍ كبيرةٍ وجسيمةٍ، إلّا أنها بالمقابل تعكس ضمناً حجم المأساة التي تعرض لها البشر من مهجري هذه المناطق وساكنيها، وخاصة على الجانب المعنوي غير القابل للتعويض، والذي لا يمكن لأيةِ صورة أن ترصده أو تكون قادرة على سَبْر غوره.
أخيراً، أتساءل مع غيري: هل خَوَتْ جُعبة السياحة من آليات الجذب والتسويق ولم يَبقَ أمامها إلا آلامنا لتصبح هي الجاذبة والمسوقة للاستثمارات السياحية والتعريفية، أم أن كل شيء خاضع للاستثمار حسب وجهة نظرها؟