حق السوريين في التعويض (3)
أديب خالد أديب خالد

حق السوريين في التعويض (3)

تحدثنا سابقاً، في عددين متتاليين، عن التعويضات في القانون الدولي، والمسؤولية الدولية والنصوص القانونية ذات العلاقة، وصولاً لحق الأفراد في مقاضاة الدول، وكيفية إقامة الدعوى وإثباتها من أجل الحصول على التعويض.

وقد بيّنا أن هناك أشكالاً مختلفة للتعويض، حسب اختلاف الضرر الذي تعرض له الضحايا، باعتبار أن للتعويض وظيفة ردعية كذلك الأمر.
التعويض المالي
يعني التعويض المالي الذي تقرره المحكمة الجنائية الدولية: دفع مبلغ مالي للضحية عن الإصابات الجسدية والنفسية، أو عن أي ضرر بسبب حصول الانتهاك الذي يشكل جريمة دولية، ويمثل التعويض حقاً أساسياً يجب الاعتراف به للضحايا، وحصولهم عليه ضمن عملية جبر الأضرار.
ويوفر التعويض المالي للضحايا مبالغ نقدية مقابل ما حصل لهم من أضرار، وما تحملوه من معاناة وخسارة تسببت بها الانتهاكات الحاصلة، ويشمل:
نفقات بسبب الأضرار البدنية والعقلية، وما فاتهم من فرص اقتصادية أو تعليمية أو اجتماعية.
تكاليف التقاضي ونفقات الخبراء، وما رافقها من خدمات طبية ونفسية واجتماعية.
لا يقتصر التعويض عن الأضرار المادية فقط، إنما الأضرار المعنوية أيضاً، كالألم النفسي وما يصيب الإنسان من إذلال وفقدان التمتع بالحياة، وغيرها من الخسائر غير المالية، تشمل المعاناة والألم بسبب وفاة أحد الأقارب.
ولا بد الإشارة إلى أن حصول الضحايا على تعويض من قبل القضاء الدولي، ومشاركتهم في دعاوى الجبر الدولية، لا يعتبر عائقاً أمام حصولهم على التعويض الكلي من دولهم، وذلك لأن القواعد التي أشارت إليها المادة 75 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، هي قواعد تكميلية لا تلغي القضاء المحلي، وأن واجباً على الدول بأن تفرض ولو بالقوة أحكاماً محلية تضمن حصول الضحايا على التعويض الذي يستحصل من الأطراف المسؤولة، كما عليها أن تضمن تنفيذ الأحكام الأجنبية المتضمنة حقوقاً للضحايا.
التعويض العيني
لا يمكن الاعتماد عليه في الجرائم الإنسانية، ولا حتى في الجرائم التي تؤدي إلى تدمير البنية التحتية، لأن التعويض العيني يصبح مستحيلاً.
رد الاعتبار
يجد رد الاعتبار أساسه أصلاً في المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً، وفي المادة السادسة التي نصت على إمكانية طلب الدولة المتضررة من الدولة التي ارتكبت الانتهاك، القيام بأعمال تصبّ في التعويض، بالإضافة إلى رد الاعتبار، من خلال الطلب منها تطبيق وسائل الانتصاف المنصوص عليها في قانونها الداخلي، وهذا يشمل بطبيعة الحال التعويض أيضاً، باعتبار أن دور المحكمة الجنائية الدولية هو دور تكميلي للقضاء والقانون المحلي، كما يمكن للدولة المتضررة الطلب من الدولة المسؤولة توفير الضمانات المناسبة لمنع تكرار الفعل، ومنع استمرار آثار الانتهاك.
وتنص المادة 37 من مشروع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول على أن:
«الدولة المسؤولة عن الفعل غير المشروع دولياً، ملزمة بتقديم ترضية عن الخسارة التي ترتبت على الفعل غير المشروع، إذا كان يتعذر إصلاح هذه الخسارة عن طريق الرد أو التعويض، وقد تتخذ الترضية شكل إقرار بالخرق أو تعبير عن الأسف أو اعتذار رسمي أو أي شكل أخر مناسب».
الصندوق الاستئماني
أشار النظام الأساسي في المادة (79) منه إلى إنشاء الصندوق الاستئماني، حيث يعد الأخير حجر الزاوية في تنفيذ البرامج التي تعالج معالجة الأضرار الناجمة عن الجرائم التي تنظر بها المحكمة الجنائية الدولية، وهو الأكثر فاعلية ومساهمة في تنفيذ التعويضات التي أمرت بها المحكمة ضد الشخص المدان، وقد انفردت المحكمة الجنائية الدولية بإنشائها الصندوق الإسئتماني عن بقية المحاكم الدولية التي سبق تشكيلها، فمن خلال هذا الصندوق تكون العدالة قد تجاوزت معاقبة الجاني، إلى رد الاعتبار لضحايا الجرائم الدولية.
وبموجب نص المادة (79) فإن للصندوق وظيفتين:
وظيفة تتمثل في: جمع الأموال التي تأمر بها المحكمة، والمتكونة من الغرامات التي تفرضها والأموال والممتلكات التي تقرر مصادرتها.
والوظيفة الثانية هي: استخدام هذه الأموال والممتلكات من خلال المحكمة، وتوزيعها على الضحايا وأسرهم.
وعليه فإن الصندوق يمارس عمله كوسيط لإيصال ما تقرره المحكمة من تعويضات إلى الضحايا.