بلدات الغوطة.. المستثمرون أولاً والأهالي منسيون
تنتظر بعض البلدات المحاذية لطريق مطار دمشق الدولي، والقريبة من مدينة المعارض، منذ عام 2014 وحتى الآن، ما ستسفر عنه الوعود الرسمية على مستوى استكمال إعادة تأهيل البنى التحتية، والخدمات العامة فيها، تمهيداً وتسهيلاً لعودة الأهالي إليها.
فما زال أهالي هذه البلدات ينظرون بعين على واقع بلداتهم وواقعهم المأساوي، فيما تنظر عينهم الأخرى إلى واقع المنشآت السياحية الموجودة في مناطقهم، والاهتمام الرسمي بها وتذليل الصعوبات أمام مستثمريها.
منشآت ساطعة وبيوت معتمة
أهالي بلدات (المليحة- عقربا- شبعا- حتيتية التركمان- الحسينية- الغزلانية- دير العصافير- حران العواميد- قيسا..) وغيرها من بلدات الغوطة الشرقية المحاذية لطريق مطار دمشق الدولي، والقريبة من مدينة المعارض، يشاهدون يومياً مقدار وحجم الخدمات المقدمة للمطاعم وللمنشآت السياحية، والتسهيلات والامتيازات الممنوحة للمستثمرين والتجار رسمياً من أجل إعادة إقلاع منشآتهم، كما يشهدون إعادة افتتاح هذه المطاعم والمنشآت تباعاً، فيما تراوح الخدمات المتعلقة ببلداتهم على حالها تقريباً، فالتقدم البطيء المنجز على هذا المستوى ما زال يحول دون عودة الغالبية من الأهالي إلى هذه البلدات، برغم الوعود، وبرغم رصد الاعتمادات لهذه الغاية، بحسب ما يتابعوه عبر وسائل الإعلام منذ أعوام.
هؤلاء الأهالي، وبرغم إدراكهم ومعرفتهم بحجم المطلوب على مستوى إعادة تأهيل البنى التحتية واستعادة الخدمات، وتقديرهم لعامل الزمن على هذا المستوى، والذي يدفعون ضريبته على حسابهم وعلى حساب استعادة استقرارهم، إلّا أنهم يقفون عند بعض الملاحظات التي تفقأ العين أحياناً، في ظل استمرار معاناتهم بسبب بعدهم عن بيوتهم وبلداتهم.
فالكهرباء على سبيل المثال تم إيصالها سابقاً إلى مدينة المعارض القريبة، وقد كان ذلك له مبرراته ومسوغاته وضروراته، التي قدروها وعرفوا أهميتها، على المستوى الوطني والاقتصادي والأمني والسياسي وغيره، وقد كانوا فرحين بإعادة افتتاح دورات معرض دمشق الدولي خلال العام الماضي، والتحضيرات المزمعة لدورة هذا العام، متفائلين بأن ذلك قد يكون محفزاً ومسرعاً باتجاه إنجاز ما يتعلق بعودتهم واستقرارهم، لكن ما لم يستطيعوا هضمه واستيعابه هو أن تصل الكهرباء للمطاعم وللمنشآت السياحية الكائنة في أراضي بلداتهم لتسطع بالأضواء، في حين ما زالت البيوت في هذه البلدات محرومة منها ومعتمة، وقس على ذلك مستوى بقية الخدمات والبنى التحتية فيها.
دعم حكومي رسمي
لقد تم الإعلان رسمياً عبر وزارة السياحة بأن الوزارة بالتعاون مع محافظة ريف دمشق ستقدم التسهيلات الخاصة لأصحاب المنشآت الجادين بالترميم والعودة للعمل، منها: إنارة المناطق- تعبيد الطرقات- إعادة التيار الكهربائي- جدولة القروض- منح قروض تشغيلية- صيانة وتجديد الآبار- تقسيط كلف المحولات الكهربائية- تفعيل شبكات الهواتف والإنترنت- بالإضافة إلى تدريب الكوادر من خلال مراكز وزارة السياحة وذلك للمستثمرين الذين ستبدأ منشآتهم بالعمل جزئياً أو كلياً.
كما أعلن رسمياً أن بعض المنشآت عادت للعمل في ظل الجهود الحكومية المبذولة ودعم وزارة السياحة، وذلك بعد إنهاء أعمال الترميم وإعادة التأهيل، منها: منتجع معلا- الجميرا- القلعة- القرية- ألف ليلة وليلة- الحديقة الخضراء- بالإضافة إلى عودة منشأة الأرض السعيدة بشكل جزئي.. إلى جانب افتتاح عدد من المتنزهات الشعبية وذلك خلال الأسابيع المقبلة لإعادة هذه المنطقة كمقصد سياحي هام وتقديم الخدمات السياحية المميزة، وقد كان ذلك بتاريخ 28/6/2018.
مكاييل الحقوق المتباينة
أهالي هذه البلدات لا يقللون من أهمية عودة الحياة للمنشآت السياحية الكائنة في مناطقهم أو للمطاعم والمتنزهات فيها، إلا أنهم يستغربون ويستهجنون من عدم التمكن من وصل الكهرباء، أو استكمال مد القمصان الإسفلتية أو عودة الاتصالات أو تسيير خطوط النقل، وغيرها من الخدمات الأخرى إلى بلداتهم وبيوتهم، من أجل أن يستعيدوا هم أيضاً حياتهم ونشاطهم الاقتصادي الاجتماعي، كون جملة هذه القضايا وغيرها تعتبر من الحقوق العامة افتراضاً، ولا يجوز أن تكال بمكاييل مختلفة بين مواطن وآخر، أو بين شريحة اجتماعية دون سواها، خاصة وأن محافظة ريف دمشق هي المسؤولة عن هذه وتلك من الخدمات المقدمة في بلداتهم وبمحيطها، ناهيك عن حقهم بالتعويضات من أجل قيامهم أيضاً بعمليات الترميم اللازمة لبيوتهم المدمرة جزئياً أو كلياً، أسوة بأصحاب الاستثمارات، الذين تم منحهم الكثير من الامتيازات.
استعادة الحياة وضرورات السياحة
نقطة أخرى أثارها أهالي هذه البلدات أيضاً، فالسياحة، وبرغم أهميتها، لا يمكن بحال أن تكون أهم من حياتهم وعودتهم واستقرارهم، كون هذه البلدات تعتبر بعداً حيوياً للمطاعم وللمنشآت السياحية فيها، اعتباراً من توفير اليد العاملة (الحرفية والمهنية والخدمية)، وليس انتهاءً بالاحتياجات اليومية لهذه المنشآت من خضار وفواكه ولحوم وغيرها، حيث تعتبر هذه البلدات هي المصدر الرئيس للكثير من المستلزمات والضرورات الحيوية لهذه المنشآت، والتي لا يمكن لها أن تؤمن بشكل دائم ومرن كما في السابق، ما لم تؤمن بالتوازي معها عودة الحياة لهذه البلدات عبر تسهيل عودة أهلها إليها بالشكل الفعلي، واستعادة نشاطهم الاقتصادي الاجتماعي فيها، خاصة على مستوى الإنتاج الزراعي والحيواني والحرفي والمهني، وباعتبارها المصادر الأساسية للرزق بالنسبة لهم كذلك الأمر.
والسؤال الأخير على لسان هؤلاء:
متى ستنظر الحكومة بعينين بدلاً من العين الواحدة، التي لا ترى فيها إلا مصلحة المستثمرين وأرباحهم، ورفاه الشريحة المخملية المغتنية وحاجتها للمقاصد السياحية، ومتى ستعتمد العمل بمكيال واحد على مستوى الحقوق بدلاً من المكاييل المتباينة، على حسابهم وحساب البقية الباقية من المواطنين؟.
مطالب مستعجلة
أهالي هذه البلدات لهم العديد من المطالب الضرورية والملحة، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
استكمال ترحيل الأنقاض وفتح الطرق.
الإسراع باستكمال تأهيل البنى التحتية في هذه البلدات (صرف صحي- مياه- كهرباء- طرق- اتصالات..).
إعادة الخدمات العامة، وخاصة المدارس ودوائر الصحة والمخابز وغيرها، بالإضافة إلى المواصلات التي تعتبر ذات أهمية خاصة.
صرف التعويضات العادلة من أجل التمكن من ترميم ما يمكن ترميمه بالنسبة للبيوت المدمرة جزئياً، والتعويض عن الممتلكات كذلك الأمر.
اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن معالجة البيوت المدمرة كلياً، بما يضمن حقوق أصحابها كي يتمكنوا من العودة إلى بلداتهم بأسرع وقت ممكن أيضاً.
تقديم الدعم الحكومي اللازم من أجل إعادة إقلاع عجلة الإنتاج الزراعي والحيواني في هذه البلدات، خاصة وأن هذا الإنتاج يعتبر من مقومات الحياة الاقتصادية الاجتماعية فيها.
فتحقيق هذه المطالب هو المقدمة الحقيقية من أجل استعادة هؤلاء لحياتهم ومعيشتهم واستقرارهم في بلداتهم.