تلوث المياه أكثر من مجرد خلل فني
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

تلوث المياه أكثر من مجرد خلل فني

لم تعد مشكلة المواطنين مقتصرة على ساعات التقنين الطويلة بالنسبة للتزود بمياه الشرب عبر الشبكات الرسمية، بل بتلوث هذه المياه، والأسوأ من هذه وتلك، هو: اللامبالاة والاستهتار تجاه الحقوق، وبمعالجة هذه المشاكل.

فقد تداولت وسائل الإعلام مطلع الشهر الحالي، الحديث عن تسجيل الكثير من حالات التلوث بمياه الشرب، وذلك بناء على شكاوى من المواطنين في بعض المناطق، المزة 86_ حي الورود_ ضاحية قدسيا_ وغيرها، وصولاً لتسجيل العديد من الإصابات بحالات من التسمم جراء ذلك في هذه المناطق.
الكشف والصيانة نقطية
الرسميون في مؤسسة المياه والصرف الصحي بدمشق، وبعد أن تم تداول شكاوى المواطنين عبر وسائل الإعلام وتسجيل حالات الإصابة، تحركوا للتقصي والكشف عن الأسباب، وقد تبين وجود تسرب لمياه شبكة الصرف الصحي إلى شبكة مياه الشرب في هذه المناطق، وقد قطعت ورشات الصيانة المياه عن الشبكة في هذه المناطق، وأجروا عمليات الصيانة المطلوبة على النقاط التي تم اكتشاف التسرب فيها، وقد تبين وجود خلل فني تنفيذي بتمديد شبكات مياه الشرب وشبكات الصرف الصحي في بعض المناطق، حيث وضعت شبكات الصرف الصحي فوق شبكات مياه الشرب، وهو أمر مخالف فنياً، باعتبار أن أي تسرب في شبكات الصرف الصحي سيؤدي إلى إغراق شبكات مياه الشرب، ما يعني إمكانية أعلى للتلوث فيها.
والنتيجة، أن المشكلة بالنسبة لمؤسسة المياه تم حلها عبر هذه العمليات من كشف أماكن الخلل وعمليات الصيانة النقطية على الشبكة في هذه المناطق، وهي على ما يبدو مجرد خللٍ وعطلٍ فني تم تجاوزه عبر هذا الشكل من الصيانة النقطية، وانتهى الأمر عند ذلك بالنسبة للمؤسسة.
سوء التنفيذ بلا محاسبة!
من الجلي، أن مشكلة التلوث من الممكن أن تتكرر، ومن الممكن أن تتسع لتطال مناطق أخرى، طالما ظهر أن السبب هو سوء تنفيذ شبكات مياه الشرب وشبكات الصرف الصحي بهذا الشكل المتراكب فوق بعضها، بما يخالف ما يفترض أنها شروط فنية تعاقدية ملزمة مع الجهة المنفذة، ناهيك عن تهالك بعض التمديدات بسبب طول عمرها الزمني، وهو ما يجب أن تتوقف عنده مؤسسة المياه، ليس من أجل إعادة الكشف على الشبكات في هذه المناطق وغيرها من أجل المعالجة الاستباقية لأي خلل لاحق قد يؤدي إلى تسرب مياه الصرف الصحي إلى مياه الشرب، حرصاً على سلامة المواطنين باعتبارها من واجباتها وبمسؤوليتها، بل من أجل محاسبة المنفذين من المتعاقدين والمشرفين على التنفيذ بما يخالف الشروط التعاقدية التي يفترض أنها أخذت بعين الاعتبار، ألّا تكون شبكات الصرف الصحي فوق شبكات مياه الشرب، والذي أدى بالنتيجة إلى ظهور مشكلة التلوث أصلاً، بسبب الاستهتار واللامبالاة، وربما مع الكثير من عوامل الفساد، والذي يدفع المواطن ضريبتها مجتمعة على حساب صحته وسلامته بالمحصلة.
مشكلة مزمنة دون حلول
مع الاعتراف بأن مشكلة شح المياه هي قضية قديمة، ومع عدم إغفال ما تعرضت له الشبكات والموارد المائية من أضرار كبيرة خلال سني الحرب والأزمة، فإن مشكلة التزود بمياه الشرب عبر الشبكة الرسمية تعتبر مشكلة عامة على طول البلاد وعرضها، ولم تجد الجهات الرسمية الحلول اللازمة والنهائية لها حتى الآن بما يكفي لسد الحاجة، برغم كل ما يرصد من أموال لهذه الغاية سنوياً، وبرغم كل الوعود عن مشاريع مزمعة من أجل حلها!.
وعلى الرغم من إزمان المشكلة، واعتياد المواطنين عليها وعلى ساعات التقنين الطويلة، التي تصل لأيام متتالية في الكثير من المناطق، وصولاً لأن يصبح التزود بالمياه، غير معروفة المصدر، عبر الصهاريج لقاء مبالغ كبيرة على حساب متطلبات المعيشة الأخرى أمراً مفروغاً منه لسد النقص، إلّا أن المشكلة تصبح أعمق وأسوأ عندما تصل حدود الاستهتار بحقوق المواطنين لدرجة عدم الوثوق بمياه الشبكة الرسمية نفسها، والتي من المفروض أنها أكثر أمناً على سلامتهم وصحتهم، باعتبار أنها مراقبة ويتم أخذ عينات منها للتحليل بين الحين والآخر، حسب التصريحات الرسمية لمؤسسة المياه وواجباتها، بعكس واقع الحال الذي يقول: أن حالة التلوث بالمياه في المناطق المذكورة أعلاه أو غيرها، لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، في ظل هذا الشكل من التعامل المستهتر بالصحة وبالحقوق.
فحق المواطن بالمياه الصالحة للشرب عبر الشبكات الرسمية مسؤولية وواجب حكومي، ومن المستغرب أن يصبح التعدي على هذا الحق وكأنه أمرٌ مفروغٌ منه، اعتباراً من فترات التقنين الطويلة، مروراً بسد النقص بالمياه من مصادر مجهولة، وصولاً للاستهتار بالصحة والسلامة، في ظل القبول بنمط التهرب من المسؤولية بعبارات مثل: «خلل فني_ عطل بالشبكة_ سوء التنفيذ، وغيرها»، والتي تفسح المجال أمام المزيد من التعدي على هذا الحق.
المطلوب
إن مشكلة تأمين مياه الشرب هي جزء من كل، على مستوى المتوفر من مصادر للمياه في ظل مشكلة الهدر الكبير في هذه المصادر، وصولاً لما تم اعتباره شحاً بالمياه.
وربما يجب التركيز على بعض النقاط من أجل البدء الجدي بحل هذه المشكلة من خلال:
_ الاستخدام الأمثل للموارد المائية المتوفرة، وحسن توزيعها حسب الاحتياجات الفعلية (ري_ شرب_ صناعة) والحد من الهدر الكبير فيها.
_ أن تفي الحكومة بتعهداتها ووعودها المكررة على مستوى حل مشكلة المياه في المدن والقرى والبلدات، ووضع الخطط لاستكمال وصول مياه الشرب عبر الشبكة الحكومية إلى المواطنين كافة، عن طريق تدعيم وزيادة مصادر المياه الصالحة للشرب.
_ متابعة المشاريع المائية المعلن عنها، والخاصة بمياه الشرب، والتي رصدت لها الأموال طيلة السنوات الماضية، والمحاسبة على التقصير بالإنجاز.
_ المراقبة والمتابعة للمشاريع قيد التنفيذ (حفر الآبار_ الضخ_ خزانات التجميع_ مدّ الشبكات..) ومدى الالتزام بالشروط الفنية التعاقدية مع الجهات المنفذة.
_ الكشف الدوري على الشبكات والصيانة الدورية لها، بالإضافة إلى التحاليل الدورية المفترضة لمياه الشرب التي يتم ضخها من خلالها.
_ العدالة في توزيع المتوفر من مياه الشرب عبر الشبكات الرسمية إلى المواطنين، على مستوى المدن والقرى، وعلى مستوى الأحياء.
_ مراقبة الصهاريج التي تعمل على تزويد المواطنين بحاجتهم من أجل سد الفجوة بنقص المياه، على مستوى مصادر المياه المعبأة بهذه الصهاريج ومدى مطابقتها لشروط الصحة والسلامة، وعلى مستوى الأسعار.
_ المحاسبة الجدية على هدر المياه الجوفية، وخاصة على الآبار المخالفة العشوائية، التي تزايدت قبل سني الحرب والأزمة، وخلالها.
فالمشكلة في الواقع العملي ليست شحاً بالمياه، بقدر ما هي سوء استخدام لهذه الثروة، وعدم العدالة في توزيعها، وهو ما يجب أن يتم حلّه، عاجلاً وليس آجلاً.