تسهيل المهمة على الطلاب تبدأ بإنصافهم
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

تسهيل المهمة على الطلاب تبدأ بإنصافهم

صرحت عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق، لأحد المواقع الإخبارية نهاية الأسبوع الماضي: «إن جامعة دمشق باتت تعاني وبشكل ملحوظ من قلة حضور الطلاب والحجة تكاليف الطريق والظروف المادية للطلاب، نعمل على دراسة حالياً، ليصبح الدوام لطلاب كلية الآداب ثلاثة أيام في الأسبوع لتسهيل المهمة على الطالب، مشيرة إلى محاولة إدارة الجامعة تهيئة الظروف الملائمة لهم».

فهل فعلاً اختصار دوام الطلاب في كلية الآداب بجامعة دمشق إلى ثلاثة أيام في الأسبوع يسهل المهمة على الطالب؟ وما هي تلك الآلية التنفيذية لتحقيق ذلك وفقاً لما تسعى إليه عمادة الكلية؟ وهل جامعة دمشق هي من تعاني من قلة حضور الطلاب، أم أن للطلاب أوجه معاناتهم المغيبة؟

معاناة وحقوق مبتلعة
لعله من المفروغ منه أنه وفي ظل الواقع الاقتصادي المعاشي فإن الكثير من الطلاب غير متفرغين للدراسة بشكل كلي، وخاصة طلاب الكليات النظرية، حيث يضطرون للعمل من أجل إعالة أنفسهم وأسرهم، لذلك فإن حضور هؤلاء قد يقتصر على المحاضرات المسائية، هذا في حال توافقت ساعات هذه المحاضرات مع ساعات انتهاء عملهم، كما أن ارتفاع تكاليف وسائل النقل والازدحام عليها يعتبر عاملاً إضافياً يحول دون حضور البعض من الطلاب لكامل محاضراتهم المبوبة وفقاً للبرامج الأسبوعية للمحاضرات، كما لا بد من الإشارة إلى أن أعداد الطلاب الكبير وحده يعتبر عاملاً منفراً من الحضور، فالبرامج الأسبوعية للمحاضرات في كلية الآداب والعلوم الإنسانية لا تأخذ بعين الاعتبار أعداد الطلاب الكبيرة في كل سنة من سني الدراسة وفي كل قسم من الأقسام، فالمحاضرة تُعطى لمرة واحدة بغض النظر عن تعداد الطلاب، فلا فئات ولا تقسيم للطلاب، كما هي عليه الحال في بعض الكليات العلمية مثلاً، حيث من الممكن أن تعاد المحاضرة في بعض الكليات العلمية ثلاث مرات بحسب الفئات وأعداد الطلاب.
وهنا نسأل، أنه وفي حال فرجت على هؤلاء الطلاب اقتصادياً ومعيشياً وأصبحوا قادرين على الاستغناء عن أعمالهم وتفرغوا للدراسة والحضور، فهل من الممكن أن يتسع أكبر المدرجات في الجامعة كي يحضر جميع طلاب السنة الأولى أو الثانية في قسم اللغة الانكليزية لحضور محاضرة ما؟
الجواب عن هذا السؤال معروف سلفاً بأنه من المستحيلات، والأكثر أسفاً على سبيل المثال أن طلاب السنة الأولى المندفعين للحضور لا يجدون متسعاً لهم في المدرجات والقاعات فيضطرون إلى الجلوس أرضاً أو الوقوف على الأطراف، وفوق ذلك هناك بعض الدكاترة يقومون أحياناً بإخراج الأعداد الزائدة من الحضور الواقفين في القاعة أو المدرج كي يتمكنوا من إعطاء محاضراتهم، بحسب بعض الطلاب، وهؤلاء يفقدون اندفاعهم للحضور رويداً رويداً، كما يفقدون فرصة الحصول على المعلومة بالشكل العلمي المناسب وهو من المفترض أن يكون حقاً لهم، والنتيجة، أن هذا السبب الهام، مع غيره من الأسباب الكثيرة الأخرى يتم تغييبها لتظهير نتيجتها بديلاً عنها وهي قلة أعداد حضور الطلاب.
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن واقع الحال يقول: إن الإمكانات اللوجستية الفعلية لحضور جميع الطلاب المسجلين في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وهي الكلية الأكبر عدداً، غير متوفرة بالشكل المطلوب والكافي، من مدرجات وقاعات ومساعدات تدريس ومكتبات وأماكن للمطالعة والدراسة وحمامات ومغاسل وغيرها، والأهم هو: أعداد الدكاترة الأساتذة والمدرسين والمحاضرين والكادرات الإدارية، علماً أن كل ذلك من المفترض أنه حق للطلاب.
فهل بعد كل ذلك من الممكن أن يقال: أن جامعة دمشق هي من تعاني من قلة حضور الطلاب، أم أن الطلاب هم من يعانون من السياسات المطبقة حيالهم، والتي تبتلع حقوقهم تباعاً؟

ابتلاع المزيد من الحقوق
اختصار دوام الطلاب إلى ثلاثة أيام في الأسبوع، يعني بمفرداته التنفيذية ضغط برامج المحاضرات الأسبوعي لكل سنة ولكل قسم، وتكثيفه بشكل أكبر مما هو عليه حالياً، كما أنه ربما يعني اختصار عدد المحاضرات المخصصة لكل مادة بما يتناسب مع اختصار أيام الدوام لمواد الفصل الدراسي كافة بكل سنة دراسية.
الضغط في البرنامج الأسبوعي بحيث يؤمن دوام الطلاب ثلاثة أيام في الأسبوع، يعني: أن عدد المحاضرات اليومية ستستنفذ ساعات الدوام من الثامنة صباحاً وحتى الرابعة بعد الظهر، وبأقصى عدد للمحاضرات والبالغ أربع محاضرات يومياً، وبإجمالي أسبوعي يبلغ 12 محاضرة كحد اقصى لكل سنة من سني الدراسة الأربع حسب القسم، علماً أن واقع الحال بالبرامج الأسبوعية للمحاضرات الذي كان معمولاً به خلال هذا العام الدراسي أو ما سبقه يقول: إن بعض الأقسام والسنين فيها إجمالي محاضرات يبلغ 16 محاضرة موزعة على خمسة أيام دوام، فكيف سيصار إلى التكثيف بهذا البرنامج بحيث يتم استيعابه في ثلاثة أيام فقط؟
ربما يكون ذلك من خلال زيادة عدد المحاضرات اليومية، وذلك يعني زيادة ساعات الدوام اليومي لتصبح إما للساعة السادسة مساءً أو الثامنة ليلاً!
والخيار الثاني، هو: أن يتم تخفيض عدد المحاضرات المخصصة لكل مادة خلال الفصل الدراسي الواحد لكل سنة من سني الدراسة حسب القسم، بحيث يتوافق هذا التخفيض مع أيام الدوام الثلاثة، مع ما يعنيه ذلك من تدني بالقيمة العلمية المعرفية التي من المفترض أن الطلاب بحاجة إليها.
وهنا لا بد من التساؤل عن مصلحة الطلاب الحقيقية بهذه الخيارات المتاحة، وهل هي فعلاً تسهل عليهم مهامهم، وفقاً للاحتمالات أعلاه؟ أم أن هذا التصريح، مع احتمالاته التنفيذية هو مقدمة لابتلاع المزيد من حقوق الطلاب، وخاصة فقراء الحال الذين دفعتهم ظروفهم إلى عدم التفرغ للدراسة من أجل العمل وسد فجوة الاحتياجات والمتطلبات المعيشية؟

مصلحة الطلاب والعدالة بالفرص
إن مصلحة الطلاب وتسهيل المهمة عليهم هي: أن يحصلوا على حقهم في الحصول على المعلومة بأيسر السبل، مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي المعاشي الضاغط عليهم وعلى أسرهم وعدم تغييبه والقفز عليه، ولعل ذلك من الممكن أن يتاح ليس من خلال ضغط البرنامج الأسبوعي للمحاضرات، ولا من خلال اختصار أعداد المحاضرات المخصصة لكل مادة على حساب القيمة العلمية والمعرفية المطلوبة، بل من خلال نموذج إعادة المحاضرة، أي: أنْ يتم توسيع البرنامج الأسبوعي بدلاً من ضغطه، مع زيادة ساعات الدوام اليومي، خاصة وأن الظروف أصبحت مساعدة على تنفيذ ذلك على المستوى الأمني.
فالطلاب الذين فرضت عليهم الظروف الاقتصادية والمعاشية أن يعملوا سيجدون لهم فرصة للحضور في الساعات المسائية، وبذلك تتحقق إمكانية تقسيم الطلاب عفوياً بين المحاضرات الصباحية أو المسائية المعادة، كما ستتحقق الغاية من العملية التعليمية نفسها عبر حصول الطالب على حقه بحضور المحاضرات المقررة لكل مادة، وذلك يحقق شكلاً من العدالة بالفرص المتاحة للطلاب، بعيداً عن التذرع بواقعهم وبظروفهم وصولاً للاحتمالات السيئة أعلاه، ناهيك عمّا يجب تقديمه من مساعدة لتسهيل المهام على الطلاب على بقية المستويات، اعتباراً من الرسوم والأقساط، مروراً بالكتاب الجامعي، وليس انتهاءً بالطرق الامتحانية وسلالم التصحيح، المغيبة غالباً، وبنسب النجاح القاتلة للطموح، وغيرها الكثير مما يجب أن يعاد النظر به على مستوى السياسة التعليمية بالمرحلة الجامعية، ناهيك عمّا يمكن تقديمه من مساعدات أخرى، وخاصة على مستوى أجور النقل عبر تخفيضها للطلاب مثلاً، هذا بحال كانت الغاية فعلاً هي مصلحة الطلاب وإنصافهم!
ولعل كل ذلك يبدأ بالقول: إن الطلاب هم من يعانون ويجب العمل على إيجاد الحلول لأوجه هذه المعاناة، وليس جامعة دمشق.
ونختم بما قاله أحد طلاب السنة الرابعة بكلية الآداب، تعقيباً مختصراً: «احكيها صح لتنحل صح»!