المشافي العامة منقذة الأرواح
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

المشافي العامة منقذة الأرواح

بعيداً عن الدعايات الترويجية والتسويقية للمشافي الخاصة ذات النجوم، والمخصصة للأثرياء المخمليين، والدعايات المرافقة الأخرى التي تقلل من أهمية ودور المشافي الحكومية، عسى يتم التخلص منها ومن خدماتها، لتخلو الساحة للخاص.

تثبت الوقائع يوماً بعد آخر: أن المشافي الحكومية، كانت وما زالت وستبقى، هي صاحبة الجدارة والريادة، وهي ما يجب التمسك بها والترويج الإيجابي لها، مع عدم إغفال ضرورة تحسين خدماتها وزيادتها، وبأن المشافي الخاصة، ومهما بلغت درجة الاهتمام فيها، فإن هدفها الأساس قائم على جني الأرباح أولاً وأهمَّ، ثم تأتي أهمية الدور الإنساني فيها.
خطأ تشخيصي قاتل!
راجع أحد المواطنين إحدى المشافي الخاصة المشهورة بمدينة دمشق، منتصف الشهر الماضي، وذلك بحالة إسعافية إلى قسم الإسعاف فيها، حيث كان يشكو من آلام وتشنج بظهره وصدره ويده.
فُحص المريض في قسم الإسعاف، فحصاً روتينياً سريرياً، من قبل طبيب الإسعاف الموجود، دون إجراء أي تحليل أو تصوير، وتم زرقه بحقنة «ديكلون» مسكن، ووصف له دواء للتشنج، وأُخرج من المشفى بناء على توصيف حالته الصحية بأنها عبارة عن تشنج ليس إلّا، وللإنصاف فإن المريض لم يتكبد إلّا قيمة الحقنة المسكنة فقط!
في المنزل، وبعد ساعتين تقريباً من خروجه من المشفى وتلقي العلاج الموصوف له، زادت على المريض أعراض الآلام أعلاه، مع المزيد من التعرق البارد والغثيان، مما اضطر أحد أصدقائه لإسعافه إلى مشفى المجتهد بحالة إسعافية على عجل.
المجتهد أنقذ حياته
في مشفى المجتهد جرى شرح ما جرى مع المريض لأطباء الإسعاف، الذين أجروا له فحصاً سريرياً، كما أجروا له تخطيط قلب، مع بعض التحاليل وإيكو قلب وإيكو بطن، وغيرها من الإجراءات الطبية اللّازمة والسريعة، وتم توصيف حالته الصحية بناء عليه على أنها إحتشاء عضلة قلبية، حيث تم وصف العلاج المناسب والسريع، وبقي في العناية المشددة في وحدة العناية القلبية، لمدة أربعة أيام تحت المراقبة، وتقرر أنه بحاجة لإجراء قثطرة قلبية، وتم إخراجه من المشفى، وكل ذلك كان مجانياً دون مقابل، مع توصيات الالتزام بالعلاج الدوائي، ووقف التدخين، وإجراء القثطرة، ومراجعة العيادة الهضمية والصدرية لإجراء وظائف رئة.
المريض عملياً تم إنقاذ حياته في مشفى المجتهد الحكومي، بعد أن كان قاب قوسين من الوفاة، بنتيجة خطأ تشخيص حالته الصحية في المشفى الخاص، والذي نعزيه ربما لعدم خبرة الطبيب المناوب في قسم الإسعاف فيها.
مزيد من الاهتمام
المثال أعلاه، هو أحد الأمثلة اليومية الكثيرة التي تمر على العيادات وأقسام الإسعاف في المشافي الحكومية، التي يقوم كادرها الطبي والتمريضي، وأقسامها ومخابرها، بما عليهم من التزامات طبية وإنسانية تجاه المرضى والمراجعين، كما أنه ربما مثال عن حالات مشابهة للتشخيص الخاطئ من قبل بعض المشافي الخاصة.
وما يهمنا من القصة أعلاه هو التأكيد على أهمية المشافي الحكومية، بعيداً عن كل محاولات ومساعي تحييدها والتقليل من شأنها، ليس على مستوى دورها بإنقاذ الأرواح فقط، بل والأهم هو ما تقدمه على المستوى الاجتماعي من خدمات مجانية، أو شبه مجانية، خاصة في ظل الواقع الاقتصادي المعاشي المتردي لعموم المواطنين.
بقي أن نقول: بأن هذا الدور الطبي والإنساني المناط بالمشافي الحكومية والمستوصفات العامة، بحاجة إلى المزيد من الدعم والاهتمام الرسمي الفعلي، اعتباراً من وقف سياسات تخفيض الإنفاق الممارسة تجاهها، مروراً بالأجور والتعويضات كحق للعاملين في هذا القطاع الهام، وزيادة أعداد الكادرات العاملة فيه وذلك بما يتوافق مع الأعداد الكبيرة للمراجعين والمرضى، مع المزيد من الإنفاق على الخدمات المقدمة من خلاله وتوسيعها، وزيادة أعداد التجهيزات الطبية المتوفرة وصيانتها الدائمة، مع وضع الخطط اللازمة من أجل زيادة أعداد المشافي الحكومية وعدد الأسرّة فيها، مع زيادة انتشارها بحيث تغطي أكبر رقعة جغرافية في المدن والبلدات والقرى.