قمحنا مُنقذ لأمريكا فيما نستورد حاجتنا
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

قمحنا مُنقذ لأمريكا فيما نستورد حاجتنا

آخر الأخبار الرسمية عن موسم القمح لهذا العام تقول: أن مؤسسة الحبوب مددت عمليات استلام وتوريد المحصول حتى نهاية شهر آب القادم، وذلك في مراكز الاستلام المخصصة في محافظة حماة.

وواقع الحال يقول: أن موسم القمح لهذا العام لم يكن أفضل مما سبقه خلال السنوات الماضية، لا على مستوى كم الإنتاج، ولا على مستوى الكميات المستلمة من قبل مؤسسة الحبوب، ولا على مستوى الواقع المعيشي للفلاحين.

واقع المحصول
لقد نقلت إحدى الصحف المحلية بتاريخ 25/6/2018، تقريراً عن وزارة الزراعة يقول: «إن مساحة الأراضي المحصودة من محصول القمح وصلت حتى نهاية الأسبوع الماضي إلى 258 ألف هكتار للقمح منها 90 ألف هكتاراً في حلب وحوالي 60 ألف هكتار في حماه والغاب و 76 ألف هكتاراً في الحسكة. وقد تجاوزت المساحات المحصودة من الشعير 210 آلاف هكتاراً منها 125 ألفاً في حلب و 57 ألفاً في حماه».
فيما كشف مدير عام مؤسسة الحبوب، عبر إحدى الصحف الرسمية بتاريخ 3/7/2018: «أن كميات محصول القمح في الحسكة منخفضة هذا العام بسبب الانحباس المطري» وأضاف: «بلغت الكمية المسلمة لمركزي استلام القمح في محافظة الحسكة 28,3 ألف طن قمحاً منذ بدء موسم الحصاد وحتى تاريخه، مبيناً أن فلاحين ضمّنوا أراضيهم للرعاة لتعويض خسارتهم لكون المحصول لم يكتمل نموه بسبب انحباس الأمطار، بينما في الفترة الحالية نفسها من العام الماضي كانت الكمية المسلمة تقرب من 80 ألف طن».
أما الأخبار الواردة من محافظة الحسكة فتقول: أن المنافسة جارية على قدم وساق بين (مؤسسة الحبوب- «الإدارة الذاتية»- التجار) على مستوى استلام المحصول من الفلاحين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض التجار يشترون المحصول من أجل تهريبه للخارج، وليس من أجل وضعه بالاستهلاك المحلي.
فعلى الرغم من رفع قيمة استلام المحصول إلى 175 ليرة للكغ من قبل مؤسسة الحبوب، وتعهدها بصرف القيمة خلال فترة قصيرة نسبياً، إلا أن بعض الفلاحين يلجؤون إلى مراكز «الإدارة الذاتية» والتجار، وذلك لسهولة عمليات الاستلام من قبل هؤلاء، بعيداً عن بعض شروط الاستلام الخاصة بمؤسسة الحبوب، وخاصة على مستوى نسب الأجرام التي تُخفض من القيمة، بالإضافة إلى ديون المصرف الزراعي على الفلاحين التي يتم اقتطاعها من القيمة، وغيرها من القضايا والشروط الأخرى، ناهيك عن بعد المسافة إلى مراكز التسليم الكائنة في مدينة القامشلي، وما يمكن أن يتعرض له الفلاحون من صعوبات وعراقيل أثناء نقلهم لمحاصيلهم.

وإكثار البذار أيضاً
وحول المتعاقدين من الفلاحين مع مؤسسة إكثار البذار، فقد نقلت إحدى الصحف الرسمية بتاريخ 19/6/2018، «تأكيد عدد من مزارعي القمح المتعاقدين مع مؤسسة إكثار البذار أن خسائرهم زادت مع رفض استلام محصول القمح بحجة عدم مطابقته الشروط والمواصفات»، وأضافت على لسان أحد المزارعين قوله: «إن مُزارع القمح المتعاقد مع مؤسسة إكثار البذار سيخسر في حال رفض استلام المحصول وتحويله إلى مؤسسة الحبوب بسبب فارق السعر وزيادة تكاليف عملية الإنتاج، ونطالب إكثار البذار بزيادة عامل الرطوبة فيما لم تنفع كل العمليات والجهود التي قمنا بها في تخفيض نسبة الرطوبة من تشميس وتغطية وتقليل المحصول لتكون النتيجة رفض العينات».
وعن مطالبات المزارعين بتجاوز شرط الرطوبة أكد مدير فرع مؤسسة إكثار البذار في طرطوس: «أن نسبة الرطوبة الزائدة تؤدي إلى تعفن البذار عند تخزينها وتالياً تلفها وعدم الاستفادة منها، والمؤسسة وضعت خطة لاستلام ٥٠٠ طن من بذار القمح الجيد من الفلاحين وفق شروط محددة ولم يتم استلام أية كمية حتى تاريخه نتيجة عامل الرطوبة المرتفع».

الاستيراد هو البديل
ما سبق يشير إلى استمرار تناقص الإنتاج في محصول القمح، وإلى تناقص الكميات المسلمة لمراكز مؤسسة الحبوب، كما يشير إلى استمرار معاناة الفلاحين، ليس جراء عوامل الطبيعة التي تأتي على محاصيلهم دون أن يعوضوا عنها بالشكل المجزي، بل جراء وقوعهم بين فكي الكماشة من خلال الشروط الموضوعة من قبل مؤسستي الحبوب وإكثار البذار، مع ما يرافقها من بعض أوجه الفساد، ووقوعهم بالنتيجة تحت رحمة بعض التجار، خاصة في ظل بُعد بعض مراكز الاستلام عن الحقول، مع صعوبات النقل والانتقال بظروف انخفاض معدلات الأمان على الطرق بنتيجة الظروف الخاصة بالحرب والأزمة.
والنتيجة، أن البديل المتاح لسد الفجوة من أجل تأمين حاجات الاستهلاك من هذه المادة الحياتية سيكون عبر عمليات الاستيراد، حيث أعلن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن وجود خطة لاستيراد نحو 1,5 مليون طن قمح هذا العام، في حين سبق للوزير أن أعلن: أن سورية تملك احتياطات استراتيجية من القمح تكفي لأكثر من 8 أشهر!.
أي: أن الاحتياج المحلي من مادة القمح أصبح جزءاً هاماً منه بيد التجار، سواء هؤلاء الذين يشترون جزءاً من الإنتاج من الفلاحين، أو القائمين على عمليات الاستيراد الكبيرة لصالح مؤسسة الحبوب، وغيرهم من السماسرة والطفيليين على هذا المحصول الاستراتيجي، الذي كانت سورية مكتفية منه طيلة عقود، بل وتصدر الفائض سنوياً.

مفارقة تحز بالقلب
المفارقة التي تحز بالقلب بعد كل ذلك هي الخبر الذي تداولته الكثير من وسائل الإعلام (الأمريكية والغربية والعربية) نهاية الأسبوع الماضي، والذي يقول: «كشف باحثون أميركيون أن بذوراً تنبت في سورية تستطيع حماية حقول القمح في الولايات المتحدة من الأضرار الناجمة عن التغير المناخي.. وتستمد البذور السورية قوتها مما اكتسبته من جينات ذكية راكمتها لآلاف السنين، الأمر الذي سيجعلها حلاً مثالياً لمجابهة الحشرات التي تفتك بالمحاصيل الأميركية».
الخبر أعلاه عن الجينات الذكية المتراكمة خلال آلاف السنين، التي تمتاز بها البذور السورية، والتي ستكون مُنقذاً لحقول القمح الأمريكية، لا يشير فقط إلى البيئة التي نمت فيها هذه البذور مما أتاح لها أن تكون مقاومة للكثير من الآفات والحشرات، بقدر ما يشير إلى ذكاء فلاحينا وما عانوه خلال آلاف السنين للوصول إلى هذا «الذكاء الجيني» المتوافق مع مختلف البيئات، والقادر على مجابهة الحشرات، موسماً بعد آخر.
والمؤسف بعد كل ذلك أن هناك من يسعى إلى وأد هذا الذكاء المتوارث وتغييبه، وإلى تخفيض إنتاجنا ومحاصيلنا الزراعية تباعاً، بل وضرب هذا الإنتاج، وخلق المزيد من الصعوبات أمام المنتجين والفلاحين وعلى مستوى معيشتهم واستمرارهم بالإنتاج، سواء بالشكل المباشر أو غير المباشر، وذلك وصولاً للاضطرار إلى تأمين احتياجاتنا عبر المزيد من عمليات الاستيراد، على حساب المنتجين والمستهلكين والاقتصاد الوطني، والتاريخ والمستقبل أيضاً، فيما تتسع دائرة المستفيدين من ذلك لتشمل كبار التجار والمصدرين والمستوردين والمهربين، بالإضافة إلى بعض الدول الغربية ومراكز أبحاثها.
والسؤال الذي يطرح نفسه: متى ستصبح السياسة الزراعية والخطط الزراعية المعتمدة مُنقذة لسورية وحقولها، بحيث تصب في مصلحة المنتج والمستهلك والاقتصاد الوطني، وليس بمصلحة حيتان التجار والفاسدين؟.