نجاح صناعي أم فشل حكومي؟
أكد وزير التجارة والصناعة المصري، حرص مصر على استعادة سورية لاستقرارها السياسي والاقتصادي، مشيراً إلى أنه يجرى حالياً دراسة إنشاء منطقة صناعية سورية متكاملة لصناعة النسيج على مساحة تصل إلى حوالى 500 ألف متر مربع.
وقد أكد أيضاً حرص الحكومة المصرية على تقديم كل أوجه الدعم للمستثمرين السوريين العاملين في مصر وتذليل كل العقبات التي تواجههم لإقامة المزيد من الاستثمارات في وطنهم الثاني مصر، موضحاً أن المنطقة الصناعية السورية والجاري دراسة إنشائها، تضم عدداً من المصانع المتخصصة في صناعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، وهي الصناعات التي يمتلك المستثمرون السوريون فيها مزايا تنافسية كبيرة.
إثبات الوجود
الخبر أعلاه، تداولته العديد من وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية خلال الأسبوع الماضي، مع الكثير من التفصيلات والتحليلات والرؤى، وقد سبق ذلك خلال العام الماضي الكثير من الأخبار عن المدينة الصناعية السورية المزمعة في مصر.
فإنشاء مدينة صناعية سورية في مصر كان أحد المطالب التي تم التقدم باسم رابطة رجال الأعمال السوريين في مصر منذ مدة ليست بالقصيرة، بحسب وسائل الإعلام، وذلك على ضوء زيادة أعداد المستثمرين السوريين فيها، والذين ضخوا تدفقات استثمارية في مصر تقدر بحدود 800 مليون دولار، حيث استقبلت مصر هؤلاء خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة تداعيات الحرب والأزمة في سورية، وقد أثبتوا خلال هذه الفترة القصيرة نجاحهم في الداخل المصري، على مستوى مشروعاتهم التي أقاموها، سواء في المطاعم والمقاهي وغيرها، أو تلك التي تركزت بالصناعات النسيجية والألبسة الجاهزة، مما فسح المجال أمامهم للتقدم بهذا المطلب.
مقارنة واجبة
إن ما يعنينا من الخبر أعلاه، بمفرداته وتفصيلاته وأفقه القادم، هو ما يفتحه من مجال للمقارنة بين واقع وحال الصناعيين في سورية، وما تعانيه الصناعة السورية عموماً من صعوبات ومعيقات مزمنة، على الرغم من كل الادعاءات بعكس ذلك من خلال أنماط التعامل الحكومي الرسمي عبر السياسات الاقتصادية المتبعة، رداً على مطالب وحقوق الصناعيين والمنتجين المزمنة، سواء خلال سني الحرب والأزمة، أو منذ عقود خلت، وبين التوجه الرسمي المصري باستقطاب الصناعيين السوريين مع استثماراتهم، والمزيد منها، مع كل التسهيلات المقدمة من أجل الاستفادة القصوى من هذه الاستثمارات والصناعات على مستوى الاقتصاد المصري، بما في ذلك ما يخص شروط وحقوق العمالة المصرية ونسبتها في هذه الاستثمارات الصناعية، وهي من دون شك مصيبة ومحقة بذلك.
فقد أطنبت الحكومات_ العتيدة المتعاقبة_ آذاننا عن سياساتها التشجيعية المستقطبة لرؤوس الأموال الاستثمارية، وقد صدرت خلال السنين الماضية الكثير من القوانين التشجيعية المضافة على ما هو صادر سلفاً بهذا المضمون خلال العقود الماضية، لكن واقع الحال يقول: إن تلك السياسات التشجيعية لم تستقطب قطاعات الإنتاج الصناعي أو الزراعي أو الحرفي عملياً، بل تلك القطاعات التي تبحث عن معدلات الربح العالية بأسرع وقت ممكن، وحتى دون توظيف رساميل كبيرة، مع فسح المجال أمامها لإعادة تصدير رساميلها مع أرباحها للخارج دون قيد أو شرط أيضاً، والأسوأ من ذلك هو ما تواجهه قطاعات الإنتاج من صعوبات ومعيقات لم تجد لها حلاً عبر الأروقة الحكومية وسياساتها حتى الآن.
السياسات التطفيشية
لعل الخبر «المثال» أعلاه، عن تجربة النجاح للصناعة السورية في مصر، والمتوجة بمطلب أصبح قيد التنفيذ على مستوى التسهيلات، والمدينة الصناعية المزمعة، يعطينا فكرة عما يتم التضحية به رسمياً، في ظل الاستمرار بالسياسات التطفيشية نفسها، على مستوى الاستثمار والصناعة والإنتاج وتشغيل الأيدي العاملة، وغيرها الكثير من الإيجابيات التي نحتاج إليها أشد الحاجة، وخاصة خلال مرحلة إعادة الإعمار، التي تحتاج لتضافر جهود الجميع افتراضاً، علماً بأن مثال النجاح أعلاه يعتبر واحداً من أمثلة النجاح الكثيرة التي حققها السوريون في العديد من البلدان الأخرى، سواء خلال سني الحرب والأزمة، أو خلال الفترات السابقة.
والأسئلة التي تفرض نفسها بعد ذلك:
هل وصل لأسماع حكومتنا العتيدة خبر النجاح والفرص التي تفتح أمام الصناعيين والحرفيين السوريين في البلدان الأخرى؟
هل من جديد حكومي على مستوى حل الصعوبات والمعيقات التي تحول دون إعادة إقلاع المشاريع الصناعية والإنتاجية والحرفية، التي توقفت نتيجة الحرب والأزمة، بشكل فعلي بعيداً عن الوعود الخلبية؟
ما هي الإجراءات والتوجهات الحكومية من أجل إعادة استقطاب الاستثمارات السورية في الخارج، وخاصة ذات الطابع الصناعي والإنتاجي، من جديد؟
هل ستستمر الحكومة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية مع الكثير من التسهيلات والإعفاءات الممنوحة لها على حسابنا، كما على حساب الاقتصاد الوطني؟