رحمة الطبيعة وبال على المفقرين
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

رحمة الطبيعة وبال على المفقرين

العاصفة المطرية، التي أصابت البلاد نهاية الأسبوع الماضي ومطلع هذا الأسبوع، أثبتت مرة أخرى أن فقراء الحال والمعدمين هم وحدهم من يتلقى الصفعات المتتالية، على حساب معاشهم وأمنهم واستقرارهم، بما فيها تلك التي تأتي من عوامل الطبيعية.

 

ونستبق بالقول: لسنا بوارد الحديث عن الغضب أو الرحمة الإلهية ههنا، بقدر الإشارة إلى انعدام هذه الرحمة على المستوى الرسمي.
لا تعويضات
كثيرة هي الصور ومقاطع الفيديو التي تم تداولها عبر وسائل الإعلام عن العاصفة المطرية الأخيرة، وعلى الرغم من ذلك فهي لم تعكس حجم المأساة الحقيقية التي ألمت بالكثير من المواطنين.
فأحزمة الفقر داخل المدن وبمحيطها كانت الأكثر تضرراً جراء العاصفة المطرية، حيث عايشنا وشاهدنا مخلفاتها وآثارها ونتائجها على المفقرين المقيمين في هذه المناطق بشكل خاص، اعتباراً من السيول الجارفة التي حملت الطين والصخور من المرتفعات، ودخل جزء منها إلى بيوتهم ليغرقها، مروراً بانفجار شبكات الصرف الصحي فيها، وليس آخراً بالبيوت المتضررة التي أصبحت أكثر تهالكاً مما مضى، مع عدم إغفال الكثير من الأضرار على المستوى الحياتي، كضحايا وإصابات، أو الخسائر في الممتلكات، بما في ذلك الكثير من وسائل النقل التي تعتبر مصدر رزق لهؤلاء.
ومع ذلك لم نسمع أية أخبار رسمية عن إمكانية التعويض لهؤلاء المفقرين عما تكبدوه من خسائر بنتيجة العاصفة وأهوالها، رغم فقرهم وقلة حيلتهم وحاجتهم.
المشكلة أعمق
من كونها صرفاً صحياً
ربما يقول قائل: إن هذه العاصفة سلطت الأضواء على مناحي ضعف الخدمات العامة، وخاصة على مستوى شبكات الصرف الصحي، ولعل ذلك صحيح على مستوى الشوارع العامة والأنفاق ومطريات الطرق، وحال الميول والانسيابات، وغيرها من القضايا التفصيلية الأخرى التي لها علاقة مباشرة بتجمع مياه الأمطار وعدم تصريفها بالشكل المناسب، مما يؤدي إلى تشكل السيول الجارفة وبرك المياه التي تتسع لتصبح شبيهة بالبحيرات، وهو ما أُعلن عن تنفيذه غير مرة، وخصصت له الاعتمادات وصرفت عليه الكثير من الأموال.
إلا أن القضية تعتبر أكبر وأعمق من ذلك بكثير بالنسبة لمناطق السكن العشوائي وأحزمة الفقر، فهي مرتبطة أصلاً بجملة المشاكل المتراكبة والمتشابكة والمزمنة فيها، اعتباراً من كونها عشوائيات ومناطق مخالفات غير مستوفية لشروط السكن لا من حيث البنية الهندسية وعوامل السلامة والأمان، ولا من حيث البنية الخدمية وخاصة لشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها، ولا من الناحية الصحية، فتلاصق البيوت وتراكبها فوق بعضها وضيق الحارات يجعل من الشمس والهواء شبه غائبين عن غالبية هذه البيوت.
الدولة غائبة
الحديث الرسمي عن هذه المناطق ما زال مقتصراً على ما تجود به الدولة من خدمات لهذه المناطق، بل وبمنطق لا يخلو من «المنية» باعتبارها مناطق مخالفات، وكأنها ظهرت واتسعت بغفلة من الزمن وعن أعين الرسميين، مع الكثير من الإغفال والتغاضي عن الدور المفترض للدولة أصلاً على مستوى خطط السكن والإسكان العامة، وخاصة للشرائح الاجتماعية المفقرة، والتي كانت وما زالت غائبة.
وعلى الرغم من تسجيل الكثير من الحوادث، مع الكثير من الأضرار في هذه المناطق خلال السنوات الماضية بنتيجة تراكب عوامل الطبيعة مع ضعف البنية الانشائية والهندسية، إلا أن التعامل الرسمي معها كان مقتصراً على الجزئيات دون الغوص بحل المشكلة المتفاقمة والمتزايدة في هذه المناطق بشكل نهائي، على الرغم من كثرة الوعود حولها على مستوى المخططات التنظيمية المزمعة منذ سنين دون أي شكل تنفيذي، بل والأسوأ أن هذه المناطق ما زالت تتسع على مرأى ومسمع المسؤولين، طبعاً مع استمرار التكسب وحصد المزيد من الأرباح في جيوب السماسرة وتجار العقارات في هذه المناطق على حساب المفقرين واستغلالاً لحاجتهم.
كلمة الفصل للفساد
ويسجل أنه لم يتم استكمال إزالة ما جرفته مياه الأمطار في الشوارع والحارات في تلك المناطق على إثر العاصفة الأخيرة، والأسوأ أن عمليات الترميم الاضطرارية للبيوت والمنازل المتهالكة فيها أصلاً هي عرضة للكثير من أوجه العرقلة والتعطيل، خاصة على مستوى إدخال بعض مستلزمات ومواد البناء والترميم اللازمة، حيث يمنع إدخال هذه المواد مهما كانت كمياتها محدودة، علماً أن القائمين على المخالفات من سماسرة وتجار عقارات في هذه المناطق يدخلون احتياجاتهم إليها دون أية عراقيل تذكر، كي يستمروا في استغلالهم لحاجات الناس، مع المزيد من جني الأرباح من جيوب هؤلاء.
فالدولة حاضرة عبر أجهزتها المتعددة عند ضرورات الترميم منعاً من إدخال موادها من قبل المواطنين، بينما تكون تلك الأجهزة غائبة مع الكثير من غض الطرف عما يقوم به ويمارسه التجار والسماسرة عندما يدخلون الإسمنت والحديد والبحص والرمل إليها.. وإذا عرف السبب بطل العجب، فقنوات الفساد المفتوحة، المستترة والمكشوفة، كانت وما زالت لها كلمة الفصل بتلك الممارسات.
المفقرين هم الضحايا دائماً
وكأن النتيجة العملية بالنهاية تقول: أنه كتب على المفقرين من عباد الله في بلدنا أن يكونوا ضحايا الاستهتار الرسمي، وضحايا لغضب الطبيعة، ناهيك عن أنهم ما زالوا ضحايا الحرب والأزمة، بالإضافة إلى كونهم ضحايا كل أشكال الاستغلال القائم، وخاصة في ظل استمرار السياسات الليبرالية المشجعة على المزيد من حصد الأرباح على حسابهم ومن جيوبهم.
على ذلك وكأن لسان حال الحكومة يقول: «كل عنزة معلقة من كرعوبا»، بينما لسان حال المستغلين يقول: «لأن شكرتم لأزيدنكم»، أما لسان حال المفقرين فيقول: «لا نسألك رد القضاء بل اللطف فيه»..