الزراعة والارتهان لأسواق التصدير
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الزراعة والارتهان لأسواق التصدير

خبران لافتان بما يخص خطط الإنتاج الزراعي، تم تداولهما عبر وسائل الإعلام المحلية خلال الأسبوع الماضي.

 

الخبر الأول: يتضمن الحديث عن شح المياه، وما يفرضه من تعديلات على خطط الإنتاج الزراعي، والثاني: حول خطط الإنتاج الزراعي بما يتوافق مع فرص التصدير.
مقدمات
لقد تداولت وسائل الإعلام منتصف الأسبوع الماضي خبراً يقول: «كشفت مصادر خاصة في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، أن انخفاض معدلات الهطولات المطرية، ونقص مخازين السدود، وقلة الموارد المائية المتاحة، دفعت لجنة الخطة الإنتاجية الزراعية لمناقشة واقع تنفيذ الموسم الشتوي (2017 /2018) واقتراح التعديلات اللازمة على خطة الموسم الصيفي، لاسيما بالنسبة للمحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه».
الخبر لم ترشح معه أية تفصيلات إضافية على مستوى المحاصيل المستهدفة، فعلى الرغم من حقيقة شح المياه، وخاصة على مستوى معدلات الهطولات المطرية لهذا العام، لا ندري ما هي المحاصيل المستهدفة من التعديل المزمع على خطتها، ولعل الخشية بهذا الصدد أن تدخل بعض المحاصيل الاستراتيجية ضمن خطة الاستبدال والتعديل، مثل: القمح أو غيره.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخبر أكد: «أن مسودة المقترحات التي قدمتها اللجنة المؤلفة من (الزراعة_ الموارد المائية_ الاتحاد العام للفلاحين) تم رفعها إلى رئاسة مجلس الوزراء تمهيداً لإقرارها وفق صيغتها النهائية».
غايات
كما نقلت إحدى الصحف الرسمية بتاريخ 17/4/2018 خبراً يقول: «تستعد وزارة الزراعة لوضع خطة زراعية تهدف من خلالها إلى تحسين إنتاجها الزراعي المعد للتصدير، وبحسب المعنيين في الوزارة، فإن التصورات أو الملامح الأولية لهذه الخطة ترتكز على خيارين؛ الأول: من خلال استبدال الأصناف الموجودة حالياً بأصناف أخرى تكون أكثر قدرة على الوصول إلى الأسواق الخارجية، والثاني: من خلال استخدام التطعيم بأصناف ذات جودة أعلى أو ذات طبيعة تصديرية، وأوضح المعنيون: أن كلا الخيارين يحتاج إلى المزيد من الإجراءات على المديين المتوسط والطويل، ولاسيما بتغيير نوعية الإنتاج وربطه بالنوعية المطلوبة للتصدير».
وبحسب مدير التسويق الزراعي بوزارة الزراعة: إن هناك معوقات بنيوية للعملية التصديرية في الشق الزراعي، ضارباً مثلاً على ذلك بقوله: «ما زال هناك إصرار على الاحتفاظ بمزارع الحمضيات التي تواجه صعوبات في تسويقها داخلياً وخارجياً، في حين يمكن استبدال هذا الإنتاج بأنواع أخرى من المنتجات التي يمكن تسويقها خارجياً، وتعد ذات مردود أفضل بالنسبة للمزارع، مثل: زراعة التبغ والرمان والزهور والنباتات العطرية والغار والكمون والكزبرة، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على بعض الزراعات الأخرى».
الارتهان لأسواق التصدير
الخبران أعلاه يمكن اعتبارهما متكاملين، الأول: من باب المبررات والذرائع كمقدمات من أجل تعديل خطط الإنتاج الزراعي، والثاني: من باب الغايات والأهداف على مستوى هذه الخطط بما يحقق مصالح شريحة التجار والسماسرة والمصدرين، الباحثين عن المزيد من الأرباح على هامش الإنتاج الزراعي وبعقمه بالنتيجة، وبغض النظر عن أي شيء آخر، بما في ذلك مصلحة الفلاحين والمصلحة الوطنية.
ولعل الحديث عن المردود الذي يمكن أن يحققه المزارعون عبر الزراعات البديلة المقترحة، ليس أكثر من تغليف لحقيقة مصالح هذه الشريحة من المتاجرين بهذا الإنتاج، وخاصة المصدرين، كون الزراعات البديلة المقترحة ستكون مرتهنة لاحقاً لأسواق التصدير، ومصالح القائمين عليها داخلاً وخارجاً.
أما الأخطر فهو أن توضع الخطط الزراعية فعلاً وفقاً لهذا النمط من الترويج التصديري فقط، وخاصة بحال المغامرة باستبدال المحاصيل التي تعتبر استراتيجية، والتي يجب أن تكون خارج معادلات الربح والخسارة الضيقة على المستوى الوطني نظراً لطبيعتها وأهميتها ارتباطاً بمفهوم الأمن الغذائي.
الأمن الغذائي
من المفترض، أن يكون الأمن الغذائي من أهم الأهداف التي تضعها الحكومات نصب أعينها، على مستوى الخطط القطاعية بتكاملها، كون الغذاء يعتبر حاجة إنسانية أولى تتمحور حولها ومن أجلها عمل جميع القطاعات.
وتعتبر سورية تاريخياً من الدول التي تمتلك مقومات الأمن الغذائي، وذلك لتنوع الإنتاج الزراعي فيها، على الرغم من كونها مصنفة ضمن المناطق الجافة.
ولعله من المفروغ منه، أنه خلال الحروب والأزمات يكتسب مفهوم الأمن الغذائي أهمية قصوى إضافية، لكن بالمقابل لم تكن السياسات الزراعية وخططها خلال سني الحرب والأزمة على المستوى المطلوب، حيث عانى قطاع الإنتاج الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، الكثير من التراجع، بالإضافة لصعوباته التاريخية المتمثلة بارتفاع تكاليف الإنتاج، وغياب الصناعات المرتبطة به، وعدم إيلاء الحكومات المتعاقبة هذا القطاع الاهتمام الكافي على مستوى ضخ الاستثمارات فيه وتطويره، بل وتراجع الإنفاق عليه تباعاً.
وعلى الرغم من ذلك كله، فقد أثبت هذا القطاع أنه أحد أسباب صمود الدولة خلال السنين الماضية، على الرغم من تراجع المساحات المزروعة، وعلى الرغم من كل الخلل والعشوائية التي اتسمت بها عمليات الإنتاج والنقل والتسويق طيلة سنين الحرب والأزمة، بما فيها من عدم توافر عوامل الأمان على الطرق، والإتاوات التي فرضت بتسميات مختلفة على عمليات النقل، والتي تم تحميلها على تكاليف الإنتاج، لتستوفى من جيوب المستهلكين بالنتيجة، وما تبع ذلك من هجرة للزراعة بسبب الخسارات، نتيجة ارتفاع التكاليف، أو بسبب فائض الإنتاج، وغيرها من الأسباب الكثيرة الأخرى.
على الجانب الآخر، لا بد من الإشارة إلى مستويات الدخول التي ترتبط بمفهوم الأمن الغذائي بشكل مباشر، والهوّة الكبيرة بين مستويات الدخول وقيمة مكونات السلة الغذائية التي يحتاجها الفرد يومياً، والسياسات الحكومية بهذا الصدد المتمثلة بتجميد الأجور، ورفع الدعم تباعاً أيضاً، وحال الفلتان في الأسواق على مستوى الأسعار، مع ما يعنيه ذلك كله من تفريط بالأمن الغذائي، لتأتيَ أخيراً مثل تلك الأخبار عن الخطط الزراعية المزمعة لتستكمل المهمة على ما يبدو.
خارج السرب
في ندوة الأربعاء التجاري التي عقدتها غرفة تجارة دمشق بتاريخ 18/4/2018، تحت عنوان «تصنيع المنتجات النباتية والحيوانية»، بحسب إحدى الصحف المحلية، اعتبر رئيس قسم التسويق الزراعي في وزارة الزراعة: أن الأمن الغذائي من التحديات الرئيسة، وأن الزراعة لم تحقق الزيادة المستهدفة في الإنتاج لمقابلة الطلب على الأغذية، واتسعت الفجوة الغذائية، وأصبحنا نستورد حوالي نصف احتياجاتنا من السلع الغذائية الرئيسة. مشيراً إلى أن الإمكانات الكامنة لقطاع التصنيع الزراعي هائلة، وأن ما يستخدم من المحاصيل الزراعية في الصناعة نسبته محدودة لا تزيد على 2,3%.
كما تحدث أحد أعضاء غرفة التجارة عن استيراد البذار الزراعية، بأنه يعد مؤشراً خطيراً، ويهدد السلالات السورية، التي تصبح معرضة لخطر الزوال، حيث تتصف البذار المستوردة بالعقم والارتهان باستمرار إلى مصدريها من البلدان الغربية. وقد أبدى استغرابه من عدم إنشاء معمل للمبيدات الحشرية على مدى عشرات السنين، والإصرار على استيرادها رغم الكلف المرتفعة لها وغياب القدرة التصديرية عن منتجاتنا الزراعية.
وقد اقترح المجتمعون: إنشاء بورصة محلية للحاصلات الزراعية الرئيسية تتيح الإعلان الدوري عن أسعار الحاصلات الزراعية، مما يوجه المزارع لزراعة المحاصيل الأعلى عائداً، ويمكن في إطارها التعاقد بين المزارعين وشركات التصنيع الزراعي، ونشر خريطة التصنيع الزراعي عن جميع المحافظات عن طريق إعلان كل محافظة عن فرص الاستثمار في التصنيع الزراعي المتاحة لديها، وذلك لتسويقها للمصانع القائمة أم لإنشاء مصانع جديدة للاستفادة من هذه الفرص.

توحش ليبرالي

والسؤال الذي يتبادر للأذهان بعد ذلك: هل خيارات الخطط الزراعية على المدى الطويل وفقاً لما رشح منها حتى الآن، من تشجيع على زراعة (التبغ والرمان والزهور والنباتات العطرية والغار والكمون والكزبرة) غايتها ربط الإنتاج الزراعي بأسواق التصدير خارجاً، بحيث نصبح كبلدان البن والكاكاو والموز مثلاً، مع كل البؤس الذي تعيشه هذه البلدان؟!
ربما لا غرابة في ظل تزايد طغيان النموذج الليبرالي في السياسات الاقتصادية المتبعة، من أن يتم اعتماد مثل هذه الخطط الزراعية على المدى المتوسط والبعيد، بما يحقق مصالح شريحة أصحاب الأرباح، داخلاً وخارجاً، دوناً عن مصالح الفلاحين خاصة، والمواطنين عامة، وبعيداً عن المصلحة الوطنية نفسها، ومفهوم الأمن الغذائي المفترض، فالتوحش بحثاً عن المزيد من الأرباح وفقاً لهذا النموذج قد يوصل البلد للتخلي عن زراعة القمح مثلاً، والذي يعتبر أحد أهم مكونات الأمن الغذائي في سورية، أي أن نفقد رغيفنا بالنتيجة والمآل.
فهل من بؤس أكثر من ذلك، وجريمة أكبر من تلك، بنتيجة الاستمرار بهذه السياسيات؟!

آخر تعديل على الأحد, 22 نيسان/أبريل 2018 22:52