القطاع العام الصناعي وطلقة الرحمة الخجولة
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

القطاع العام الصناعي وطلقة الرحمة الخجولة

مرة جديدة تتنصل الحكومة من مسؤولياتها تجاه شركات القطاع العام الصناعي، وتتعامل معها حسب مقولة «إذهب أنت وربك فقاتلا»، حيث تم اتخاذ قرار بوضع دراسات جدوى اقتصادية لجهة الاستمرار في عملها، أو دمجها، أو استثمارها مع القطاع الخاص أو التشاركية.

 

الاجتماع الذي عقد بتاريخ 21/4/2018 بين القائمين على مؤسسات القطاع العام الصناعي مع رئيس الحكومة، وبحضور عدد من الوزراء كان عنوانه: «تحديد الخطوات العملية لتحقق هذه المؤسسات البعد الوطني في التنمية الشاملة».
قرارات مسبوكة
من جملة الخطوات العملية والمحددات التي تم إقرارها خلال الاجتماع نورد التالي:
_ تحميل مسؤولية خسارة أية شركة أو مؤسسة من هذه المؤسسات لمجلس الإدارة، لجهة عدم تحقيق تنمية في أداء هذه الشركات.
_ تفعيل خطة تدريب نوعية لكل الكوادر العاملة في المجال الفني والإداري.
_ تطبيق مبدأ المحاسبة والتركيز على مشروع إصلاح المؤسسات الاقتصادية، الذي تعده هيئة التخطيط والتعاون الدولي.
_ إعادة تقييم واقع الشركات والمؤسسات، ووضع دراسات جدوى اقتصادية لجهة الاستمرار في عملها، أو دمجها، أو استثمارها مع القطاع الخاص، أو التشاركية.
_ تقديم مقترحات حقيقية لجهة ضبط النفقات وزيادة الموارد.
_ تقييم الهيكليات الإدارية ودمج الشركات.
الواضح من جملة هذه القرارات أعلاه: أن الحكومة ليست متمسكة بالقطاع العام الصناعي، وقد فتحت الباب على مصراعيه باتجاه التفريط به، من بوابة «الجدوى الاقتصادية» عبر (الدمج_ الاستثمار مع القطاع الخاص_ التشاركية) بالنتيجة والمآل.
المشكلة إدارية فقط
مشكلة القطاع العام الصناعي حسب رأي الحكومة تتلخص بـ «عدم محاسبة الوزير لإدارته» باعتبار أن «الخلل الأساس في القائمين على القطاع الصناعي من المديرين»، وهناك «تراكمات لعشرات السنين»، أما الحل فهو: «أن يمتلك القائمون على المؤسسات العامة الصناعية رؤية حقيقية لتطوير هذا القطاع، وتحقيق التنمية، والتوسع بكل منشأة»، خاصة وأن: «الحكومة وضعت كل ما من شأنه النهوض بالصناعة الوطنية من خلال الدعم والتشريعات والآلات والتجهيزات وحوامل الطاقة ...».
أما التناقض الصارخ فهو اعتراف الحكومة بأن هذا القطاع يعتبر «أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني»، وبأنه «يمتلك بنى تحتية كبيرة يجب الاستفادة المثلى منها»!
المسؤولية الحكومية
مما لا شك فيه أن جزءاً هاماً من مسؤولية ما وصل إليه القطاع العام الصناعي، هو من ترهل وضعف وعجز، تقع على عاتق الإدارات المتعاقبة على هذا القطاع، وخاصة ناحية استشراء ظاهرة الفساد والمحسوبية في الكثير من مفاصل العمل فيه، لكن المسؤولية الأكبر من كل بد تقع على عاتق الحكومات المتعاقبة أيضاً، والتي تعاملت مع مشاكل هذا القطاع بشكل هامشي مقصود، ليس على مستوى ضعف المتابعة والرقابة والمحاسبة، التي تعتبر من الجوانب الإدارية، بل على مستوى تخليص هذا القطاع من صعوباته ومعيقات عمله التاريخية، خاصة ناحية مستلزمات ومكونات العملية الإنتاجية نفسها، اعتباراً من سياسات الأجور المتبعة التي انعكست على العملية الإنتاجية سلباً، مروراً بسياسات تخفيض الإنفاق الاستثماري على هذا القطاع ما جعله قديماً ومترهلاً، وليس آخراً بسياسات التحرير الاقتصادي والتشجيع الاستثماري، التي جعلته بالنتيجة بموقع الضعيف تنافسياً.
أما المشكلة الأهم فتتمثل بالرؤية الحكومية نفسها تجاه قطاع الدولة بشكل عام، والتي تم تكريسها عبر انتهاج السياسات الليبرالية المفتوحة منذ عقود، وطغيان مفهوم الربح الاستثماري والريع الاقتصادي وتعميمه، بغض النظر عن مآلات هذا الريع والربح، وفي أية جيوب ستصب بالنهاية.
وبناء عليه، فقد تم الانتقال من مفهوم الدولة الراعية إلى الدولة الريعية وفقاً لهذا النهج، أي: تقزيم الدور الاجتماعي للدولة وقطاعاتها، واقتصار ذلك على الجانب الاقتصادي الريعي المشوه منه، وصولاً للتضحية به وتصفيته غير المباشرة تباعاً بذريعة «الجدوى الاقتصادية».
وما عبارات (الاستثمار مع القطاع الخاص أو التشاركية أو..) إلا طلقة الرحمة الخجولة رسمياً على هذا القطاع، الذي «يعتبر أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني».
ولا نعلم بعد ذلك كله كيف من الممكن لهذه المؤسسات أن تحقق «بعدها الوطني في التنمية الشاملة» في ظل الاستمرار بنفس السياسات الليبرالية المعتمدة؟!