قانون الاستملاك.. «مجحف»
يعرّف الاستملاك قانوناً بأنه هو: نزع الملكية للمنفعة العامة عن طريق إجراء إداري، يقصد به نزع مال عقاري قهراً عن مالكه بواسطة الإدارة، لتخصيصه للنفع العام مقابل تعويض يدفع له.
إن الهدف من منح الإدارة حق نزع ملكية الأفراد، هو: تمكينها من أداء وظيفتها الأساسية في إشباع الحاجات العامة، وبالتالي، فلا يجوز أن تستخدم الإدارة هذا الحق من أجل تحقيق غاية سوى المنفعة العامة، وتعد هذه قاعدة من قبيل القواعد الدستورية، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 15 من دستور السوري السابق على أنه: «لا تنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة»، كما نص على هذه القاعدة في الدستور الجديد الصادر عام 2012.
أركان الاستملاك
وللاستملاك أربعة أركان يجب توافرها، وهي:
الركن الأول: يتعلق بالمحل أو الموضوع، فمن اللازم أن ينصب نزع الملكية على عقار.
الركن الثاني: يتعلق بالجبرية، حيث يجب أن يكون نزع الملكية جبراً.
الركن الثالث: يتمثل في الغرض، فلا يجوز الاستملاك إلا للمنفعة العامة.
الركن الرابع: يخص حقوق الأفراد، حيث يجب تعويضهم مقابل نزع ملكيتهم.
مثالب قانون الاستملاك السوري
قانون الاستملاك الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 20 لعام 1983 أكد على حصرية أن ينصب الاستملاك على العقارات، حيث نصت في المادة 2 منه: «يجوز للوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، والجهات الإدارية للقطاع العام، أن تستملك العقارات المبنية وغير المبنية...».
ولكن يؤخذ على القانون الاستملاك السوري، أنه قانون مجحف وغير عادل لعدة أسباب:
أولاً: أعطى الحق لجميع مؤسسات القطاع العام، ولجميع الجهات الإدارية التابعة له، الحق في استملاك العقارات، دون حصر هذا الإجراء الخطير بجهة مركزية، لما يمثله من تعدٍ على حق الملكية المصون دستوريا، فكان من الأنسب حصر هذا الحق برئاسة مجلس الوزراء فقط دون غيرها، كما قام المشرع بتحصين هذه المراسيم من أية رقابة قضائية، حيث يكون مرسوم الاستملاك مبرماً غير قابل لأي طريق من طرق الطعن أو المراجعة.
ثانياً: حدد المشرع في المادة الثالثة من القانون، المشاريع ذات النفع العام، ولكنه توسع فيها كثيراً بشكلٍ خطيرٍ، واعتبر أن جميع المشاريع التي تدخل في اختصاص أية من جهات القطاع العام تعتبر مشاريع ذات نفع عام، بل وذهب إلى اعتبار المشاريع السياحية والاستثمارية مشاريع ذات نفع عام، عدا عن إنشاء دور عبادة والمراكز الثقافية والأندية الرياضية والمنشآت التابعة لحزب البعث والمنظمات الشعبية، وكل هذه المشاريع لا يمكن اعتبارها مشاريع ذات نفع عام، وباتت هذه المادة من القانون مع الدستور الجديد الصادر عام 2012 غير دستورية، وتعدياً على حقوق المواطنين وممتلكاتهم.
ثالثاً: سمح القانون في المادة الرابعة منه للجهات الإدارية والجهات المشرفة على الإسكان، باستملاك العقارات وتقسيمها إلى مقاسم بغية إنشاء مساكن شعبية عليها، أو بيعها للراغبين في إنشاء تلك المساكن، ولكن عمدت بعض تلك الجهات إلى استملاك العقارات وبيعها إلى تجار العقارات والمتعهدين، الذين أقاموا عليها أبنية سكنية لغاية الربح والتجارة، وليس من أجل بناء مساكن شعبية، وهو ما يخرجها عن مفهوم مشاريع ذات النفع العام، فالجهات الإدارية تقوم باستملاك عقارات بأبخس الأثمان، ثم تقوم بعد ذلك ببيعها بأسعار مرتفعة جداً إلى تجار العقارات، وذلك يعد سرقة لممتلكات المواطنين، لأنه إثراء بلا سبب على حساب المواطن، ومن المعروف أن العديد من قرارات الاستملاك يشوبها بعض أوجه الفساد الكبير.
تقدير القيمة البدائية وحق الاعتراض
لقد وضع القانون قواعد خاصة لتقدير التعويض المستحق، حيث يجري تقدير هذا التعويض من قبل لجنة بدائية تشكل لدى الجهة المستملكة (المادة 12 منه)، وتقوم اللجنة بتقدير قيمة العقارات على أساس قيمتها قبل تاريخ مرسوم الاستملاك مباشرة، وأن تسقط من الحساب كل ارتفاع طرأ على الأسعار بنتيجة مشروع الاستملاك، أو المضاربات التجارية، إذا كان هذا الارتفاع بالقيمة لا يبرره ارتفاع مماثل في المناطق المجاورة (المادة 13).
وقرارات لجنة التقدير البدائي، المشار إليها أعلاه بشأن تقدير التعويض، تقبل الطعن أمام لجنة إعادة نظر، تشكل بقرار مبرم صادر عن رئيس المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة، التي يقع في حدودها العقار المستمـلك (المادة 23 ف2)، وتتشكل كما يلي:
قاضٍ يسميه وزير العدل_ ممثل عن الجهة المستملكة_ ممثل عن أصحاب العقارات المستملكة_ ممثل عن اتحاد الفلاحين يسميه المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين_ ممثل عن المحافظة يختاره المحافظ.
وتكون قرارات هذه اللجنة مبرمة غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن والمراجعة (المادة 24ف2).
والجاري عمله، أنه إذا تأخرت الإدارة وتراخت في تقدير بدل الاستملاك سنين طوالاً؛ فإنه يجري تقدير قيمة البدل الاستملاكي بتاريخ الاستملاك، وليس بتاريخ التقدير، فإذا استملكت الإدارة مثلاً عقاراً سنة 1970، ثم تراخت في تقدير قيمة البدل الاستملاكي حتى سنة 2000؛ فإن بدل الاستملاك يقدر على أسعار 1970، وكذلك الفوائد بحكم أن الفوائد تحسب على أساس بدل الاستملاك.
وغالباً ما يكون بدل الاستملاك لا يتناسب أبداً مع السعر الحقيقي للعقار، وهو ما يؤدي إلى خرق القاعدة الدستورية التي نصت على التعويض العادل، ويجعل من القانون تنفيذياً قانوناً غير دستوري.
وبناء عليه، يوصف قانون الاستملاك السوري بأنه قانون ظالم، لتعديه على حقوق المواطنين وممتلكاتهم، كما أنه يخرج عن الهدف من وراء الاستملاك وهو تحقيق المنفعة العامة.