الدراهم مراهم وصحة المواطن بسلامتك!
لا أخلاقية ولا إنسانية ولا سلامة للمواطن، هكذا.. وبسرعة منقطعة النظير، تم إنجاز التسوية فيما بين الجمارك، وثلاث مشافي خاصة بدمشق، على مخالفة ضبط شبكات دوائية وقثطرات قلبية منتهية الصلاحية.
ففي مطلع شهر شباط تداولت وسائل الإعلام، بالكثير من الإدانة والاستهجان، خبر ضبط شبكات دوائية وقثطرات قلبية منتهية الصلاحية في 3 مشافٍ خاصة بدمشق.
وبتاريخ 22/2/2018 ورد عبر إحدى الصحف المحلية: أن أصحاب المشافي الثلاث المخالفة، أنجزوا تسوية مع الجمارك، ومصالحة على المخالفات لديهم.
البداية
لقد ورد عبر صحيفة تشرين الرسمية بتاريخ 13/2/2018، أن مصدراً مطلعاً في الضابطة الجمركية، بيّن أن الدوريات الجمركية قامت بناءً على إخبارية، بضبط شبكات دوائية، وقثطرات قلبية منتهية الصلاحية في 3 مشافٍ خاصة، لافتاً إلى أن الضابطة الجمركية تتابع هذه القضية منذ 15 يوماً، وعند معرفة توقيت توزيع المورد لهذه المشافي، تم الدخول في وقت واحد من قبل الدوريات الجمركية، بالتعاون مع مديرية صحة دمشق، وبناء عليه جرت مصادرة جميع المنتجات المخالفة من داخل غرف العمليات وحجزها.
وبيّن المصدر: أنه نظراً لحساسية هذه القضية لكونها إنسانية وأخلاقية تمس صحة المواطن وسلامته، سيكون هناك تشدد كبير في الإجراءات المتخذة بحق المشافي المخالفة، حيث لن تتم المسامحة بأية قثطرة قلبية... لافتاً إلى أن أحد المشافي قدّم البيانات الجمركية بغية التهرب من المخالفة، لكن حتى لو تم الالتفاف على المخالفة بهذا الإجراء، الذي سيتم التدقيق فيه كثيراً نظراً لخطورة هذه القضايا الإنسانية والأخلاقية، ستكون هناك مخالفة انتهاء الصلاحية، التي لا يمكن في أية حال من الأحوال التخلص من هذه المخالفة الجسيمة، لذا سيتم اتخاذ كل الإجراءات القانونية بحق هذه المشافي الثلاثة، التي ستحال مخالفاتهم بموجب ضبوط موثقة إلى القضاء المختص، بغية اتخاذ العقوبات اللازمة المشددة.
النهاية
لقد طالعتنا إحدى الصحف المحلية بتاريخ 22/2/2018، أن مصدراً مسؤولاً في الضابطة الجمركية بيّن، حول ضبط قثاطر قلبية لدى بعض المشافي الخاصة بدمشق: أن أصحاب المشافي الثلاث المخالفة، أنجزوا تسوية مع الجمارك ومصالحة على المخالفات لديهم، وتم إيداع مبلغ نحو 30 مليون ليرة، حيث كل مشفى أودع نحو 10 ملايين ليرة، ريثما تتم عملية المصالحة، مبيناً: أن أصحاب المشافي لجأوا للمصالحة، لكونها الطريق الأفضل لإنهاء المخالفة جمركياً، مقدراً قيمة المهربات لدى المشافي الثلاثة بأنه يتجاوز 220 مليون ليرة.
وفي تفاصيل قيمة القثطرة بين المصدر: أنها ما زالت خلافية بين الجمارك وإدارات المشافي المخالفة، حيث يسعى أصحاب المشافي للتقليل من قيمة هذه الأدوات الطبية المصادرة لديهم، بينما تبحث الجمارك عن القيمة الفعلية لهذه الأدوات، وتحصيل قيم الغرامات بناءً على هذه القيم.
وعن مصير الأدوات الطبية المصادرة بعد عقد المصالحة مع أصحاب المشافي، بيّن: أنه لا يمكن إعادة تسليم هذه الأدوات لهم، وأنه سوف تتم إحالتها للجانٍ خاصةٍ للتعامل معها، بالتعاون مع نقابة الصيادلة والأطباء، ووزارة الصحة.
أيّ بؤسٍ؟!
10 أيام بين البداية والنهاية، كانت كفيلة بأن تتحول القضية من: «كونها إنسانية وأخلاقية تمس صحة المواطن وسلامته»، إلى: «بحث الجمارك عن القيمة الفعلية لهذه الأدوات، وتحصيل قيم الغرامات بناء على هذه القيم»!.
مع الأخذ بعين الاعتبار، أنه لن يتم إتلاف هذه المواد المصادرة، كما هو مفترض، كونها منتهية الصلاحية، بل سـ «تتم إحالتها للجان خاصة للتعامل معها، بالتعاون مع نقابة الصيادلة والأطباء، ووزارة الصحة»!
هكذا وبكل بساطة «أصحاب المشافي لجأوا للمصالحة لكونها الطريق الأفضل لإنهاء المخالفة»، وليضرب بعرض الحائط الحديث عن الإنسانية والأخلاقية وصحة المواطن وسلامته، والتشدد الكبير في الإجراءات المتخذة بحق المشافي المخالفة، مع كل الإدانة والاستهجان التي رافقت الإعلان عن ضبط المخالفة في حينها، بحيث بقي الأهم وهو: ما يمكن أن تحصله الجمارك من غرامات لقاء هذه «المخالفة» فقط!
والنتيجة أيها الكرام، أن صحة المواطن وسلامته ليست بخير على الإطلاق، في ظل استمرار تغول الاستثمار الخاص في القطاع الصحي، الذي لا يعنيه إلا ما يحققه من أرباح لقاء هذا الاستثمار، وفي ظل هذا النمط من التراخي واللامبالاة بصحة المواطن وسلامته رسمياً.
ولعل ما سبق هو مثال حيّ عن هذا الواقع الأليم، والذي يتجلى فيه مقدار المحاباة لأصحاب الاستثمارات ومصالحهم، على حساب المواطنين، وصحتهم وحياتهم.