شوية حكي من وزير!
«هناك تحسن لواقع المواطن، لكن إنجازاتنا لا تعادل إنجازات الجيش، نتمنى على موظفنا وعاملنا أن يضحي بنسبة مما يضحيه الجيش، لَكُنّا صنعنا المعجزات..!»
هذه إحدى العبارات التي أتحفنا بها وزير المالية عبر صحيفة تشرين الرسمية بتاريخ 4/2/2018، وهي جزء من حديث طويل أجرته الصحيفة معه، سنتوقف عند بعض ما جاء فيه، عسى نتمكن من استشفاف رؤية الحكومة واستراتيجيتها بما يخص المواطن ووضعه المعيشي؟!
الخطاب الحكومي
بداية نقول: لعل العبارة أعلاه، فيها توضيح لبعض النقاط التي تعتبر مرتكزات في الخطاب الحكومي الإعلامي:
الأولى: هي القفز على الواقع «هناك تحسناً لواقع المواطن»، بينما واقع الحال يقول عكس ذلك، فتردي الوضع المعيشي للمواطن مستمر ولم يقف، كما لم توضع له الحدود الكفيلة لمنع استمرار هذا التردي، بل إن ما يجري حتى الأن، هو: تعميق هذا التردي وتوسيع رقعته.
الثانية: هي المزاودة الحكومية بتضحيات الجيش، في مقابل مقارنة الإنجازات الحكومية بهذه التضحيات، وكأنها في نسقٍ واحدٍ، مع القليل من التواضع الحكومي، «إنجازاتنا لا تعادل إنجازات الجيش»!
الثالثة: هي تلك النظرة المتعالية تجاه الموظفين والعاملين، بل وعدم الاعتراف بكل ما عانوه أو قدموه من تضحيات طيلة السنوات الماضية، بالإضافة لما تحملوه وتكبدوه من أعباءٍ، خلال سنين الحرب والأزمة، «نتمنى على موظفنا وعاملنا أن يضحي بنسبة مما يضحيه الجيش، لَكُنّا صنعنا المعجزات»، علماً أن بقاء واستمرار هؤلاء بعملهم، الإنتاجي والخدمي، عام وخاص، رغم كل المعاناة والتشرد والفقر والإفقار، هو المعجزة الحقيقية التي ساهمت بشكل مباشر، بدعم قدرات الجيش وصموده، وليس أي شيء آخر.
فعلاً، هذه العبارة تعكس نموذج الخطاب الرسمي الحكومي المزاود، كما توضح نمط اللامبالاة تجاه المواطنين وهمومهم وقضاياهم المعيشية اليومية، بل والاستعلاء عليها، وكـأن الحكومة تنظر لقضايا المواطنين من برجها العاجي المتعالي على هذه القضايا.
الموارد والعدالة الضريبية
وزير المالية، وضح: أن للضريبة أهدافاً اقتصادية اجتماعية، في مقابل ذلك قال: «للأسف الناس يفهمون الضريبة كتحصيل أموال، وهذا الكلام غير صحيح، وفي النهاية هي موارد للدولة، وأهم الواردات هي الضرائب والرسوم، وإلا كيف ستحصل الدولة على الأموال؟»
أما عن العدالة الضريبية، فقد قال: إنها «مفهوم نسبي»، مستفيضاً حول المقارنة بين الضرائب بقوله: «إن هناك الكثير من القوانين الاستثمارية في دول العالم تعفي رجال الأعمال من الضرائب، لكنها لا تعفي الموظف»! مستشهداً بمثال على ذلك: «في تنشيط السياحة، ممكن إعفاء المنشآت السياحية من الضرائب، من أجل أن يأتي مستثمرون من داخل البلد وخارجه، لتأسيس منشآت سياحية»! في مقابل ذلك قال عن الضرائب على الرواتب والأجور: «هناك قوانين تحكمها ولا تحددها وزارة المالية، فلا يمكن فرض أية ضريبة أو الإعفاء منها إلا بقانون، فهذا الكلام هو سياسة عامة للدولة، وليست وزارة المالية فقط، فلا يمكن لوزارة المالية أن ترفعها أو تخفضها خلافاً لما يعتقده الكثير من الناس».
أما عن التهرب الضريبي فقد قال: «إن كلمة التهرب الضريبي تستخدم في غير مفهومها أحياناً، والبعض يخلط بين التهرب الضريبي، وبين الناس التي اغتنت بشكل أو بآخر خلال الحرب، هذا لا يسمى تهرباً ضريبياً، والمتهربون أناس مسجلون لدى ضرائب الدخل، ولا يدفعون الضرائب، وهناك آلاف الضبوط بحق المخالفين، ومن الصعب تحديد رقم لحجم التهرب الضريبي»!
العبارات أعلاه، فيها الكثير من التوضيح للرؤية الحكومية لموضوعة الموارد والعدالة الضريبية، فالمستثمرون ورجال الأعمال من الممكن إعفائهم من كل الضرائب بكل يسر وسهولة، وبموجب قوانين واضحة لا لبس فيها، أما ضريبة الدخل على العاملين المقرة بقانون، فمن الصعوبة بمكان تعديلها!
أما الموقف الفاقع، فهو استثناء من اغتنى خلال الحرب من مفهوم التهرب الضريبي، والنظرة البيروقراطية التي تحكمها اللوائح والتعليمات لهذا المفهوم الكبير والواسع، فالمسجلون لدى الضرائب فقط من يمكن أن يشملهم مفهوم التهرب، أما سواهم من حيتان المال، كباراً وصغاراً، المتهربين من هذا التسجيل أصلاً، فهؤلاء يُغض النظر عنهم، هكذا وبكل بساطة!! وبالتالي فلا أرقام عن حجم التهرب الضريبي.
والنتيجة، وبكل وضوح: أن الموارد الفعلية لحزينة الدولة هي ما يتم اقتطاعه وجبايته رسمياً من الضرائب والرسوم، والحلقة الأضعف_ في ذلك هي: رواتب وأجور العاملين، «فأهم الواردات هي الضرائب والرسوم، وإلا كيف ستحصل الدولة على الأموال؟!»
لا تحسن على الوضع المعيشي
وزير المالية، أكد على الموقف الرسمي للحكومة من موضوعة زيادة الرواتب والأجور، بشكل خاص، والواقع المعيشي للمواطنين بشكل عام بقوله: «لا يوجد سوى أسلوب واحد لتحسين الواقع المعيشي، وهو: زيادة الإنتاج»، مضيفاً: «إن تحسين الواقع المعيشي ليس بزيادة الرواتب فقط، لأن الزيادة إن لم تكن مدروسة اقتصادياً تقوم بمفعول سلبي»، ولم يغب عن الوزير التذكير بـ»الأعباء» التي تقوم بها الدولة على مستوى «الدعم»: الخبز_ التعليم_ الصحة_ النقل_ المياه_ الصرف الصحي، مشيراً من جديد، أن «الأولوية للجيش والقوات المسلحة ومن ثم الأمن الغذائي».
ربما لا جديد إن قلنا بأن واقع السياسات الاقتصادية المعمول بها، لا تفسح المجال أمام الإنتاج للزيادة أصلاً، وبالتالي فمن الناحية العملية للربط بين هذه وتلك، وفق الرؤية الحكومية، فلا زيادة مرتقبة على الأجور، ولا تحسن منتظر على الوضع المعيشي.
علماً أنه وبموضع آخر من حديث الوزير، تم تأكيد هذه السياسات التي لا تعير الإنتاج الأهمية المطلوبة، حيث قال: «الشيء الآخر الذي يجب إبرازه، هو: توزيع الإنفاق الجاري والاستثماري، فالاستثمار الجاري يمثل 75% والاستثماري 25% التي تمثل الأبنية والمشروعات»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإنفاق يعتبر جزءاً من السياسات، التي تستكمل مع غيرها على مستوى الانتاج والصعوبات التي تعترضه، وتعيق استمراره، اعتباراً من تكاليف مدخلاته وتأمينها (مواد أولية_ طاقة_ يد عاملة_ وغيرها من المستلزمات) وصولاً للمخرجات (تسعير_ تسويق_ منافسة_ ..).
أما تكرار الحديث عن «الدعم» وكأنه مِنّة، وليس حقاً فهو توضيح إضافي عن الرؤية الحكومية المتعالية على هموم ومعاناة الناس، علماً بأن السياسات الحكومية تعمل منذ عقود على سلبنا حقوقنا، وفق التسمية المراوغة «دعم»، والذي يتم تخفيضه تباعاً كذلك الأمر، وكل مرة تحت عنوان ويافطة مختلفة (عقلنة الدعم_ ترشيد الدعم_ تصحيح الأسعار_ ...).
وحول الأولوية المتمثلة بالجيش والقوات المسلحة، التي يأتي بعدها الأمن الغذائي، ربما يمكننا أن نستشهد بما يوزع لأفراد الجيش من طعام، وما ينالوه من حقوق، والتهكم الشعبي منقطع النظير على التقصير الحكومي في هذا المجال، كما يمكننا الاستشهاد بتقرير المكتب المركزي للإحصاء عن واقع العوز والجوع الغذائي، الذي طال النسبة الأعظم من الأسر والشعب السوري عموماً، والذي تناولته العديد من وسائل الإعلام، بما فيها «قاسيون» في أعدادها السابقة.
ختاماً، وللرد المسبق على من يقول: إن العبارات المقتبسة أعلاه من حديث الوزير تم اقتطاعها من سياقها، ربما يمكننا القول: إن البقية الباقية من حديث الوزير المطول فيها الكثير من الإضافات، التي تؤكد جوهر ما ورد أعلاه ولا تنفيه.
فحديث الوزير، بالإضافة لما تجلى خلاله من تعالٍ على المواطنين وحقوقهم وهمومهم ومعاناتهم، بل والمزاودة عليهم، هو تعبير جلي عن السياسات الحكومية المحابية لمصالح أصحاب الأرباح، من كبار المستثمرين ورجال الأعمال، بل وتجار أزمة أيضاً، على حساب مصالح أصحاب الأجور، والمواطنين عموماً.