الانفلات في السوق أم في المسؤوليات؟
تطالعنا مديريات التجارة الداخلية، في مختلف المحافظات، بشكلٍ شبه يومي، بأخبار عن الضبوط المنظمة من قبلها بحق المخالفين من الباعة والتجار في الأسواق.
المخالفات التي يتم ضبطها مختلفة ومتباينة، اعتباراً من عدم التقيد بالسعر، مروراً بمخالفة الوزن، أو بطاقة البيان وغيرها، لكن أكثرها خطورة: هي ما يتعلق بمخالفة المواصفة، وخاصة للمواد الغذائية، التي يظهر بعضها بأنه غير صالح للاستهلاك البشري، سواء عبر التحاليل أو عبر النظر والكشف الحسي اللحظي من قبل عناصر التموين، وهو أمر قانوني.
غذائيات أمريكية فاسدة
ربما من دون مبالغة، أن الأكثر خطراً من ذلك كله، هي: المخالفة المركبة بالنسبة للمواد والسلع الغذائية، التي تجمع فساد السلع، وعدم الصلاحية للاستهلاك البشري، مع كونها مهربة، بغض النظر عن مصدرها، فكيف إذا كانت ذات مصدر ومنشأ أمريكي؟!
فقد تم الإعلان مؤخراً، أن مديرية التجارة الداخلية في حلب، ضبطت مستودعاً بمنطقة الأعظمية، بداخله علب كرتونية معبأ فيها فروج، ومسجل على تلك العلب «صنع في الولايات المتحدة الأمريكية»، بالإضافة إلى كميات من الفروج المحلي المشَّفى بأنواعه، وكميات أخرى معبأة بأكياس تبَيَّن من المشاهدة الأولية لها أنها فاسدة.
مسؤوليات متشابكة؟
بغض النظر عن الإجراءات الرسمية التي تم اتخاذها من قبل المديرية المعنية، من تنظيم الضبط والإحالة للقضاء، وغيرها من الإجراءات الأخرى، إلا أن السؤال الذي يجب أن تتم الاجابة عنه هو: كيف وصلت هذه المادة إلى السوق؟
مع الأخذ بعين الاعتبار، أن العلاقات الاقتصادية مع أمريكا مقطوعة رسمياً حسب ما هو مفترض ومعلن، أي: أنه لا يمكن أن يتم الالتفاف على وجود بضائع وسلع أمريكية في السوق كما غيرها من البضائع: التركية أو الأوربية والآسيوية، المتغلغلة في الأسواق تهريباً وتُلفلف مشاهداتها، أو بغض النظر عنها على أنها بعضٌ من مستوردات نظامية، أو غير ذلك من أوجه وأشكال «اللفلفة» الأخرى، تغطية وفساداً.
ومع عدم إغفال: أن هناك الكثير من الضبوط التي تم تنظيمها من قبل مديريات التجارة الداخلية، كانت بمخالفة البضائع المهربة خلال الفترات القريبة الماضية، وبعضها أيضاً فاسد وغير صالح للاستهلاك البشري، وهي متعددة المصادر، يتبين بأن المشكلة كبيرة وعميقة، وبالتالي فالإجابة عن السؤال السابق، حول كيفية وصول مثل هذه البضائع للأسواق، ربما لم يعد محصوراً بمديرية التجارة الداخلية، بل بالجهات الرسمية المعنية بالرقابة والمتابعة كلها، اعتباراً من الحدود وصولاً للأسواق، بما في ذلك طرق العبور، وهي مسؤوليات متشابكة للعديد من الجهات الحكومية والأمنية، ومن المفترض أن تكون متكاملة، بعيداً عن أشكال «اللفلفة» والفساد الكثيرة!.
الخطر مركب!
المخالفات المركبة من هذه الشاكلة، بالإضافة لكونها تشكل خطراً كبيراً على صحة المواطنين من المستهلكين، باعتبارها غير صالحة للاستهلاك البشري أو فاسدة، فهي بجانب آخر منها تحمل خطراً على المستوى الاقتصادي الوطني باعتبارها سلعاً وبضائع مهربة.
وإذا كانت سني الحرب والأزمة، وتفلت الحدود كواحدٍ من أوجه تداعياتها، سبباً مباشراً طيلة السنوات الماضية لانتشار الفساد والاستغلال، بغاية الحصول على الأرباح، عبر تمرير بعض المواد المهربة إلى الأسواق داخلاً، أو لتهريب بعض المواد إلى الأسواق الخارجية، فإن عوامل الاستقرار النسبي التي تتحسن يوماً بعد آخر، من المفترض أن تكون عاملاً مساعداً على ضبط أوجه الفساد والاستغلال تلك ومنعها، مع محاسبة القائمين عليها والمستفيدين منها، كشبكات عاملة منذ سنين عبر بوابة الأزمة والحرب، أو بجعلها شماعةً للتهرب من المسؤوليات والواجبات والتنصل منها، فحال السوق المنفلت منذ سنين ليس إلا تعبيراً عن حال الانفلات في المسؤوليات والتهرب منها، وربما لم تعد شماعة الحرب والأزمة كفيلة بغض النظر عنها.