دير الزور.. ما بعد قرار الإعادة.؟
في نهاية يوم الخميس 11/1 وبداية العطلة الانتصافية للمدارس، صدرت تعاميم من الوزارات، بفكّ العاملين فيها من أبناء دير الزور، وتوقيف رواتبهم، وعليهم الالتحاق مباشرة بدوائرهم في محافظة دير الزور، دون استثناء.
رغم أن الكثيرين فقدوا الأمل بالعودة عن هذا القرار، وسافروا، لكن ما زال البعض منهم يأمل: لعل وعسى، بسبب أن ظروف الحياة القاسية في دير الزور ستزيد مأساتهم، ناهيك عمّا سيتحملونه من أعباءٍ إضافية هم وأسرهم!
حقائق!
يقدر عدد العاملين في دوائر الدولة في محافظة دير الزور بحدود 140 ألفاً، حوالي نصفهم في مديريتي التربية والزراعة، كونهما منتشرتين في كل مدينة وقرية، ولو اعتبرنا أن نصفهم موجود في المحافظات المختلفة سيعودون مع أسرهم، بموجب قرار رئاسة مجلس الوزراء، وبحسب متوسط الأسرة السورية البالغ خمسة أفراد، هذا يعني أنه سيعود حوالي 350 ألف من أبناء المحافظة على الأقل، وباعتبار أن نسبة الدمار الكلي والجزئي في المحافظة تتراوح بين 80 و90% فهذا سيخلق أزمات ومشاكل كبيرة تحتاج إلى حلولٍ إسعافية ومدة زمنية ليست قليلة، فهل أخذها من اتخذ القرار بعين الاعتبار، ووضع خططاً لاستيعاب العائدين، وتوفير أبسط الحاجات لهم.. وخاصةً أنه لا يوجد سوى حيي الجورة والقصور المؤهلين للسكن، أم أن الأمور تركت دون حسبان، كما العادة في القرارات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة خلال سني الأزمة، التي فشلت حتى في إدارة الأزمات، وليس في حلها!؟
وقائع!
بحسب مشاهدات أبناء الدير والعائدين، من عاد تتراوح نسبتهم بين 5 و10% فقط خلال الأسبوع المنصرم، ورغم ذلك فقد تفاقمت الأزمات بسرعة، حيث ارتفعت أسعار آجارات السكن ضعفين وثلاثة، ووصلت بعضها إلى 50 و60 ألف ليرة، وامتلأت المساجد والساحات بالمواطنين الذين لا مأوى لهم، ولا يستطيعون استئجار منزلٍ، وتضاعفت أسعار المواد الغذائية، ومنها: ربطة الخبز، من 50 إلى مئة ليرة، ولا يوجد في الحيين سوى ثلاثة أفران وهي ليست كافية لمن كان موجوداً فيها سابقاً، وحتماً انعكس ذلك على بقية المواد والخدمات الأخرى كالمياه، التي لا تأتي سوى مرةً كل ثلاثة أيام، فترى النساء وهن يحملن بيدونات على رؤوسهن لنقل المياه من هنا وهناك.
كما ارتفعت أجور النقل داخل الحيين، المتلاصقين، فأجرة التكسي 500 ليرة، وأجرتها من الحيين إلى مشفى الأسد فتبلغ 1000 ليرة. أما الكهرباء فهي «نسياً منسياً»، سوى لأصحاب الأمبيرات.
كما ارتفع عدد الطلاب والتلاميذ في كل صف وتجاوز 100، ناهيك عن مستلزمات المدرسة والدراسة من مقاعد وغيرها غير متوفرة وحتى لو توفرت لا توجد أماكن تتسع لها لوضعها فيها، حيث لا توجد سوى 11 مدرسة للمراحل المختلفة!
كما تحدث الكثير من العائدين، أنهم سيذهبون، ويقدمون استقالتهم فوراً لعدم قدرتهم على تحمل الظروف القاسية، التي تفتقد لأبسط مقومات الحياة، وبهذا ستخسر الدولة أعداداً لا بأس بها من الخبرات والكادرات، غير التي خسرتها، ممن هاجروا خارج سورية. كما اشتكى العديد من مدراء الدوائر، من عدم وجود أماكن في الدوائر الشكلية لاستيعاب العاملين العائدين، وهؤلاء سيكونون عبئاً، لأنه لا مجال لعملهم حالياً.
موافقات أمنية!
من يريد العودة إلى دير الزور من أبنائها والذين كانوا في مناطق سيطرة المسلحين، لابد لهم من الحصول على موافقة أمنية.. وهذا زرع الخوف لدى الكثيرين منهم، رغم أنهم لا علاقة لهم، لكنهم كانوا مجبرين على البقاء وتحملوا ما تحملوا من بطش التكفيريين والمسلحين. لذا لابد من تسهيل عودتهم ومنحهم الطمأنينة والأمان!
هذا غيض من فيض الواقع القاسي الذي لم نتطرق بعد فيه إلى الظروف البيئية والبرد القاسي، وندرة وسائل التدفئة سواء في المنازل أم الدوائر وغيرها..
حلول جزئية
اتخذ وزير الزراعة قراراً بتوفير سيارات لنقل العاملين في الوزارة من أبناء دير الزور إلى محافظتهم، وعممت الحكومة ذلك على بقية الوزارات.
كما اتخذ محافظ دير الزور قراراً بإخراج المهجرين من الريف أثناء تحرير الريف من أماكن تجمعهم، وإعادتهم إلى قراهم. وهاتان الخطوتان رغم إيجابيتهما إلاّ أنهما جزئيتان!
وقد سبق أن تقدمت «قاسيون» في العدد الماضي بتاريخ 7/1/2018، بمادة تحت عنوان: «مقومات إعادة الحياة إلى دير الزور» بحلول عملية، لتسهيل عودة أهالي دير الزور إلى محافظتهم، وهي ليست صعبة وليست مستحيلة، فهل ستستجيب الحكومة لذلك، أم ستبقى مطنشة كما في غالبية الأمور سابقاً!؟