جمر تحت رماد التغاضي!
ورد عبر موقع وزارة الداخلية خبراً مفاده: أن إدارة مكافحة الاتجار بالأشخاص، تمكنت من إلقاء القبض على عصابة تتاجر بالأعضاء البشرية.
وفي التفاصيل: أن أحد المقبوض عليهم قام ببيع إحدى كليتيه مقابل مبلغ ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف ليرة سورية، لكنه تعرض لعملية احتيال ولم يأخذ سوى مبلغ ثلاثمائة ألف ليرة سورية على دفعات.
مزيد من التفاصيل!
وفي العرض، أن أحد المقبوض عليهم كان يقوم بلصق إعلانات على جدران الأبنية في مدينة دمشق مدوّن عليها رقمه وعبارة (مريض بحاجة إلى كلية) ويمارس مهنة (السمسرة) في بيع الكلى البشرية مقابل المنفعة المادية.
وقد تم إلقاء القبض على أربعة أشخاص خلال عمليات المتابعة، وما زالت التحقيقات مستمرة لإلقاء القبض على المتوارين، وكشف ملابسات القضية جميعها، ويجري العمل على تقديم المقبوض عليهم إلى القضاء المختص.
المعنيون غير معنيين!
الخبر أعلاه مع حيثياته المختصرة، وبعيداً عن التأويلات الجرمية والمتابعات الجارية كلها، وما يمكن أن يتمخض عبرها عن طريق القضاء، ربما يجب أن يُفتح من خلاله الكثير من الملفات مع تسليط الأضواء على أوجه المعاناة التي أوصلت بعض السوريين للاضطرار إلى بيع أحد أعضائهم بمقابل مادي.
فمن منا لم يشاهد أحد تلك الإعلانات في الطرقات التي تتحدث عن الحاجة لمتبرع بكلية، وأحياناً مع تحديد زمرة الدم المطلوبة كتفصيل إضافي، مع رقم هاتف للتواصل؟
من المؤكد أن غالبيتنا قرأ مثل هذه الإعلانات، لكن الغريب بالأمر أن المعنيين وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد؟! علماً أن العديد من وسائل الإعلام سبق لها وأن سلطت الأضواء على مثل هذه المشاهدات، محذرة من مخاطرها، بما في ذلك قضية الاتجار بالأعضاء البشرية والشبكات العاملة بها.
تهرب وتعامٍ رسمي
ربما لا نجافي الحقيقة بالقول بأن الرسميين يغضون الطرف عن مثل هذه الاعلانات وتداعياتها وأسبابها ونتائجها، كما يغضون الطرف عن الكثير من أوجه بؤسنا وشقائنا، من باب عدم الاعتراف بجوهر المشكلة وأسّها، والذي بموجبه وعلى هامشه، تنشط مثل هذه الشبكات العاملة بالإتجار بالأعضاء البشرية، أو غيرها من شبكات العمل على الآفات المجتمعية ذات الطابع الجرمي، وهو الواقع المعيشي المتردي، والفقر المدقع والتهميش الذي وصلت إليه حال السوريين، والتي تؤدي بإحدى تجلياتها إلى أن يضطر أحدهم لبيع كليته مقابل مبلغ مادي، كبر أم صغر.
فأي بؤس وحضيض وصل إليه حالنا بعد ذلك كله، في ظل هذا التعامي والتهرب الرسمي من المسؤولية؟
المواطن مدانٌ دائماً
ربما المؤسف أكثر بعد ذلك كله، أنه وبموجب القانون يعتبر هذا المواطن، الذي اضطر تحت ضغط الحاجة للتخلي عن أحد أعضائه من أجل بعض المال، شريكاً بالجريمة ومدان! بينما يبقى المسؤولون عن واقع بؤسه وفقره وعوزه أبرياء ومحصنين، اعتباراً من السياسات الحكومية الجائرة، مروراً بكبار التجار والمستغلين، وليس انتهاءً بأصغر فاسد يجلس خلف مكتبه!.
نعم، ربما خبر وزارة الداخلية صغير بحجمه وبحيثياته، لكنه في المقابل يفتح الكثير من الجروح الغائرة، الكبيرة والعميقة بمدلولها وبآثارها ونتائجها.
فهل سيأتي ذاك اليوم الذي يعمل عليه الرسميون من أجل معالجة الأسباب، بدلاً من الجري خلف النتائج، وغض الطرف عن الأسباب الحقيقية لبؤسنا وشقائنا كلها، أم ستترك هذه الأسباب جمراً تحت رماد بانتظار من ينفخ عليها ليؤججها مجدداً، وكأنه كتب علينا ألا نستفيد من أصغر خبراتنا وأكبر مصائبنا؟