وزارة الزراعة.. تعميمٌ في الزمن الضائع.!؟
يقول المثل الشعبي: أجت الحزينة لتفرح ما لقت لها مطرح، وهذا المثل ينطبق على المهجرين السوريين من مناطق التوتر والحرب، وحالياً ينطبق على أهالي دير الزور من العاملين في دوائر الدولة ومنها وزارة الزراعة.
فلم تنفع استغاثات الأهالي وأسرهم، ولا مطالبات بعض أعضاء مجلس الشعب، والمسؤولين بإعادة النظر مؤقتاً بقرار رئاسة مجلس الوزراء بإعادتهم إلى محافظتهم.
تعميم سريع
أصدر وزير الزراعة تعميماً برقم 1076/1/9 وتاريخ 27/12/2017 إلى مديريات الزراعة والدوائر التابعة للوزارة، وينص على ما يلي:
إشارةً لتعميم رئاسة مجلس الوزراء رقم 12639/1 تاريخ 26/10/2017 ونظراً لتحسن الأوضاع الأمنية في محافظة دير الزور، يطلب إليكم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة العاملين كافة لدى مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي في دير الزور، الذين وضعوا أنفسهم تحت تصرفكم، في المحافظات كافة، إلى أماكن عملهم، في محافظة دير الزور في 31/12/2017
يعتبر تسييرهم منتهياً حكماً اعتباراً من هذا التاريخ، وكل من لم يلتحق بعمله بتاريخ 3/1/2018 سيتخذ بحقه الإجراءات القانونية. للاطلاع والتنفيذ.
تعميم رئاسة مجلس الوزراء، إلى الوزرات كلها، سبق أن تناولته وسائل الإعلام المختلفة عدة مرات، ومنها قاسيون، وهذا التعميم اتخذ مباشرةً بعد فك الحصار عن أحياء دير الزور المحاصرة (الجورة والقصور) واستكمال دحر داعش لاحقاً في بقية الأحياء وريف دير الزور الغربي والشرقي، ومدينتي الميادين والبوكمال وريفيهما على الضفة الجنوبية اليمنى من نهر الفرات (الشامية) وما زال الريف الشمالي على الضفة اليسرى من النهر تحت سيطرة الفاشيين التكفيريين الدواعش.
التعميم السابق لم يأخذ بعين الاعتبار ظروف الأزمة وأمن المناطق، والدليل أنه اتخذ مباشرةً، ولم تكن الظروف الأمنية قد تحسنت، والتبرير الذي سيق لإعادة الحياة الطبيعية في المحافظة كان واهياً. لم يأخذ ظروف المهجرين الذين فقدوا منازلهم وأثاثهم وممتلكاتهم، وحتى دوائر الدولة ومدارسها ومقومات الحياة الأخرى الخدمية.!
تحسن الظروف الأمنية!؟
تعميم وزير الزراعة الجديد، جاء استكمالاً وتنفيذاً لتعميم رئاسة مجلس الوزراء، ورغم مضي أكثر من ثلاثة أشهر على دحر داعش في المناطق المذكورة في المحافظة، إلاّ أن الأمور لم تتغير كثيراً.
فالأحياء المدمرة، لا توجد فيها منازل للسكن، والمنازل التي تدميرها جزئياً، لا يستطيع الأهالي ترميمها، لأسباب عدة، فليس لديهم ما يكفيهم للمعيشة في ظروف الغلاء المستعر للمواد الغذائية، ومن يتوفر لديه جزء بسيط، فلا تتوفر مواد البناء اللازمة للترميم، ولا المهنيين والأيدي العاملة اللازمة لذلك.. والشيء الذي يثير الاستهجان، أن حيثيات التعميم تؤكد (نظراً لتحسن الظروف الأمنية) بينما الوقائع على الأرض تؤكد: أن المدينة ما زالت مدينة أشباح، وحتى من يريد الدخول إليها، فعناصر الحواجز يسمحون له على مسؤوليته فقط، والشوارع والمنازل غير آمنة، فبعضها ما زال ملغماً لم يُطهر، وبعضها آيل إلى السقوط في أية لحظة لأنه لم تجر دراسات وتقييمات هندسية لها!
الظروف الخدمية
ولعل الأهم أيضاً، أن الظروف الخدمية شبه معدومة من حيث الكهرباء والماء والصرف الصحي، والأنقاض ما زالت كما هي، ولا وجود لوسائل مواصلات وغيرها، فكيف يمكن للعامل وأسرته السكن والإقامة فيها، وهذا مستحيل، وبالتالي عليه أن يستأجر في حيي الجورة والقصور، وقد عادت بعض الأسر القادرة، وأدى ذلك إلى ارتفاع وتضاعف آجارات العقارات فيهما، ومن لديه طلاب في المدارس، سيضطر لترك أسرته في منطقة تهجيره ريثما ينتهي العام الدراسي، لأن قدرة المدارس الموجودة في الحيين على الاستيعاب محدودة، وهذا سيشكل عبئاً مادياً مضاعفاً على العامل وأسرته وحياتهم ومعيشتهم! ناهيك أن تكاليف الانتقال من دمشق إلى دير الزور، تكلف ما لا يقل عن 10 آلافٍ عن الشخص الواحد، فلو كانت الأسرة وسطياً كما الأسرة السورية مؤلفة من 5 أفراد فهذا يعني 50 ألف ليرة سورية فقط لا غير.. فهل تستطيع الحكومة عبر وزاراتها ومديرياتها، تأمين السكن وتغطية أجور النقل، أو تأمين وسائل للنقل مجاناً.؟
وأخيراً التعميم والوزارة ومجلس الوزراء يضعون العاملين في مديرية زراعة دير الزور وبقية العاملين في الدولة أمام خيارين: إما الرضوخ والعودة، علماً أن أهالي دير الزور يرغبون في العودة بأسرع ما يمكن، وإما ستتخذ بحقه الإجراءات القانونية بلهجة تهديد ووعيد، و(يضعون الفأس فوق الرأس) أي: إما يفصل من عمله أو يعتبر بحكم المستقيل، وبالتالي يفقد راتبه الذي في الأصل لا يكفي أسبوعاً من الشهر.. وأمران كلاهما مرّ..