إجراءات حكومية تلوي عنق التكنولوجيا..!

إجراءات حكومية تلوي عنق التكنولوجيا..!

في مثل هذه الفترة من كل عام، وقبل دخول فصل الشتاء بثقله على أسعار مواد التدفئة، يسارع المواطنون للتسجيل على المازوت في ظل ارتفاع أسعاره وعدم توفره، وغياب الرقيب الحكومي عن الأسواق السوداء لتلك المواد، وصعوبة الحصول على الحطب، وارتفاع أسعار أسطوانات الغاز التي تعدُّ الوسيلة الأقل كفاءة والأخطر.

ما قبل «الذكاء»
اعتاد الناس في مثل هذه الأشهر من كل عام على التسجيل لدى شركة توزيع المحروقات «سادكوب» للحصول على قسيمة الـ200 لتر من مادة المازوت لكل أسرة، حيث يقوم المواطنون حسب محافظاتهم بزيارة مراكز التسجيل، مصطحبين معهم وثائق تثبت إقامتهم في المحافظة، ليقفوا في طوابير طويلة للتسجيل، مع مراعاة فترات تقنين الكهرباء التي تتسبب بإيقاف عمل مراكز التسجيل، بالإضافة لانقطاع الشبكة المتكرر. في نهاية المطاف، كانوا يحصلون_ وبعد جهد جهيد_ على القسيمة، حيث يقوم معتمدو توزيع المادة بالاتصال بأسماء محددة وفق جداول لإيصال المازوت للمنازل بالسعر المدعوم حكومياً.
مرحلة البطاقات الذكية!
أعلنت الحكومة هذا العام تطبيق مشروع البطاقة الذكية الذي بدأ الحديث عنه عام 2014، فوفقاً للتصريحات المعلنة، تحصل كل أسرة على بطاقة إلكترونية «ذكية»، للحصول على تشكيلة مواد مدعومة ومقننة، كالخبز والمواد التموينية والمازوت والغاز وغيرها. وعُهِد لشركة «التكامل» الخاصة، تنسيق الحصول على تلك البطاقة على نحوٍ مستعجل وغير مفهوم.
هذا العام، اختلف الموضوع جذرياً حيث تم الإعلان عن تحديد 31 مركزاً في مدينة دمشق للتسجيل على البطاقة الذكية.
رضخنا للإجراءات المطلوبة التي لا مفر منها للحصول على المادة المنشودة قبل هجوم البرد، وقبل أن نقع بين فكي عدم توافر المازوت إلا في السوق السوداء، وارتفاع سعره في تلك الأسواق المزدهرة، حيث وصل سعر الليتر العام الماضي إلى 300 ليرة وأكثر، في حين كان السعر الحكومي لا يزيد عن 140 ليرة. استبشر المواطنون خيراً بأن شركة جديدة استلمت تلك «المهمة العظيمة» إذ أن الشركات الخاصة غالباً ما يروج لها على أنها تتمتع بقدر أقل من البيروقراطية. كما أن المراكز الكثيرة لا بد أنها ستحل مشكلة الطوابير والانتظار...
رحلة المشقة
وفي هذا الصدد، يروي أحد المواطنين لـ«قاسيون» ما جرى معه في موضوع «البطاقة الذكية»:
«انطلقت إلى مركز الدويلعة القريب من منزلي للتسجيل على البطاقة، مصطحباً معي الوثائق المعتادة كما في كل عام. والمركز عبارة عن مدرسة خصصت منها غرفة لشركة «التكامل»، في حين تولى بعض العناصر التابعين لإحدى الجهات، تنظيم الدخول إلى تلك المدرسة، وكانت الدهشة أن ما يزيد عن 100 شخص بين نساء وشيوخ كانوا يخوضون معركة الوصول إلى باب المدرسة في زحام شديد».
يتابع المواطن: «لم أعر انتباهاً إلى أنني الشاب الوحيد في هذا الحشد، وكانت الخيبة الأكبر أنه كان يجب عليّ الحضور قبل يوم كامل للحصول على رقم من «المفرزة»، اكتشفت متأخراً أن هذه الحشود كانت تنتظر إعلان الأرقام وفقاً لقائمة طويلة سُجلت مسبقاً، بالإضافة إلى أن البعض كان يشكو أنه سجّل اسمه ولكنه غير موجود في قائمة الأرقام لسببٍ «مجهول»..!»
ويضيف: «بعد انتظار طويل، تمكنت من فهم جزء من الأحجية، وفقدت الأمل... إذ أن الرقم المعلن كان 10 فقط، في حين كان الدور يفوق 200 رقم..! توجهت إلى مركز العباسيين، لأن المنطقة أقل كثافةً، فكانت هنالك مدرسة أيضاً احتشد في أحد ممراتها حوالي 20 شخصاً في انتظار دور التسجيل، حيث ظهرت تتمة الأحجية: تم جمع الهويات ووضعها في صفٍّ رتيب وفقاً لأهواء الموظف المسؤول عن هذه المهمة، ثم يدخل المواطن بدوره إلى غرفة التسجيل على البطاقة الذكية، ويعود لاحقاً ليستلم بطاقته_ لا أعلم تماماً متى_ ثم مرة أخرى، ينتظر دوره ليسجل على قسيمة المازوت، وينتظر دوره مجدداً ليحصل على المادة! ولكن لا يستطيع التسجيل على البطاقة، إلا صاحب دفتر العائلة_ الأب فعلياً_ في حين أن هذا «الشرط المهم» لم يكن موجوداً سابقاً لدى «سادكوب»، أما لدى الشركات الخاصة، فيجب أن تبصم بصمة إلكترونية «ذكية أيضاً»..!
برسم الذكاء البديع!
عادة ما يكون هدف التوجه نحو الوسائل الإلكترونية هو توفير الوقت والانتظار، لكن في مثل الحالة المذكور سابقاً؛ لماذا يجري «كسر رأس التكنولوجيا» وجرها لتخدم عوامل البطء والروتين الإداري؟ ولماذا لا تلبي المراكز الـ31 التي تم اعتمادها الغرض المنشأة لأجله، وهو تخفيف الازدحام، في حين كانت مراكز «سادكوب» المحدودة أسرع وأكثر كفاءة، على الرغم من الكثير من الملاحظات عليها؟!.
إذا كانت رحلة التسجيل متعددة المراحل كما هي الآن؛ ألم يجدر بالحكومة فتح باب التسجيل على البطاقة الذكية منذ فترة معقولة، كي يتسنى لنا التسجيل على البطاقة ثم قسيمة المازوت، أم أن صفقة الشركة المذكورة أتت مفاجئة؟؟ ثم لماذا نحن بحاجة لهذا المستوى من «الذكاء الإلكتروني» إذا كنا سنعود لنسجل مجدداً على قسيمة مازوت؟! وهل يعقل أن يكون كبار السن والموظفون والمرضى مجبرين على الحضور إلى مركز التسجيل، وخوض معركة الانتظار والطوابير؟!.

في المحصلة، يقول المنطق: أنه عندما نُدخل الوسائل المتطورة إلى آليات العمل، يجب أن يكون ذلك منطلقاً من الحرص على راحة المواطن وتسهيل أموره، لا أن ندخله في دوامة جديدة من المتاعب «مطلية من الخارج بِسمة الذكاء».
وعلى ما يبدو، فإن الكلام الأكثر تعبيراً عن هذه البدعة هو ما قاله أحد المواطنين: «باعوا تنظيم المازوت لشركة خاصة، وعم تلعب فينا متل ما بدها!».

معلومات إضافية

العدد رقم:
830