عربين.. عزيمة شعبية وضغوط أهلية
أهلنا في مدينة عربين الملاصقة لمدينة دمشق، تزداد معاناتهم يوماً بعد آخر، على الرغم من كل مساعيهم وضغطهم من أجل الخلاص من هذه المحنة، ضمن حدود إمكاناتهم المتاحة، منتظرين ذاك اليوم الذي تنتهي بها مأساتهم.
محنة هؤلاء ومأساتهم لم تقف عند حدود طول مدة الحرب والأزمة فقط، والتي دفعوا ضريبتها تشرداً وجوعاً وعوزاً وإصابات وإعاقات، بل تتزايد هذه المحنة من خلال تزايد سلبيات ممارسات المجموعات المسلحة المسيطرة على منطقتهم، وخاصة على مستوى تعنت المجموعات المسلحة وامتناعها عن الانضمام لاتفاقات وقف إطلاق النار.
عزيمة لا تفتر
الأهالي ومن أجل الخلاص من هذه المحنة والحد من تداعياتها قدر الإمكان، مارسوا شتى أنواع الضغط على المجموعات المسلحة خلال السنوات الماضية، اعتباراً من مساعي انتزاع دور المدنيين على مستوى إدارة المجلس المحلي من المسلحين وهيئاتهم بمسمياتها المختلفة، وصولاً للدعوة للتظاهر بوجه المجموعات المسلحة، من أجل الضغط عليها للقبول باتفاقات وقف اطلاق النار، ودعوتها للخروج من البلدة، من أجل الحد من آثار ونتائج المعارك التي تنخرط فيها هذه المجموعات عليهم، وعلى ممتلكاتهم وأماكن سكنهم، بالإضافة للممتلكات والمباني العامة.
فقد خرجت العديد من المظاهرات الأهلية خلال السنوات الماضية، وتزايدت خلال الأشهر المنصرمة، متحدية المجموعات المسلحة من أجل اخراج عناصرها من البلدة، بالإضافة للاستمرار في مساعي الضغط عليها من أجل الانضمام لاتفاقات وقف إطلاق النار.
فعلى الرغم من أن الجهود الأهلية نجحت بفرض إدارة مدنية على مستوى الخدمات العامة في البلدة بعيداً عن المسلحين التابعين للمجموعات المسلحة، إلا أن الجهود المتضافرة حتى الآن لم تثمر الضغط الكافي من أجل الوصول لتحييد المدنيين عن دائرة الصراع والاقتتال، عبر اتفاقات وقف إطلاق النار، أسوة بغيرها من البلدات والقرى في الغوطة الشرقية، والسبب الرئيس بذلك، أن المجموعات المسلحة بالمنطقة مسيطر عليها من قبل «جبهة النصرة» و»فيلق الرحمن»، والتي تخوض معاركها بمواجهة الجيش العربي السوري، وبمواجهة «جيش الإسلام» كذلك الأمر، مع ما تخلفه هذه المعارك من نتائج وخيمة يدفع ضريبتها المدنيون على مستوى أمنهم وبقائهم وعيشهم، بالإضافة لما تخلفه هذه المعارك من أضرار كثيرة وكبيرة أخرى.
وعلى الرغم من ذلك لم تفتر عزيمة هؤلاء، بدليل استمرارهم بضغطهم، بشتى السبل والوسائل المتاحة.
معوقون وجوع!
الواقع المعيشي من سيء إلى أسوأ، وخاصة بسبب ندرة المواد الأساسية ومستلزمات الحياة الضرورية، من أغذية ومحروقات وأدوية وغيرها، حيث وبسبب الندرة ارتفعت أسعار هذه المستلزمات بشكل كبير ومخيف، مما انعكس سلباً على المستوى المعيشي، خاصة مع انعدام مصادر الدخل وزيادة أعداد المفقرين والمعوزين في البلدة.
فسعر كيلو الخبز وصل إلى 750 ليرة، وكيلو السكر إلى 1000 ليرة، ليتر الزيت البلدي 2500 ليرة، كيلو الملح 2500 ليرة، كيلو الثوم 6000 ليرة، ليتر البنزين 6000 ليرة، ليتر المازوت 2500 ليرة، اسطوانة الغاز 90 ألف ليرة، وقس على ذلك من أسعار دخلت حيز الجنون، كما أدخلت حياة الناس في متاهة الصراع على البقاء.
الوضع الصحي بتردٍ، وخاصة في ظل تزايد أعداد الإصابات، مع الزيادة في أعداد المعاقين بسبب الاضطرار لعمليات بتر الأطراف المصابة بنتيجة الشظايا المتناثرة من القذائف المنهالة على البلدة من كل حدب وصوب، أما عن الأدوية فهي بأضعاف سعرها في كثير من الأحيان، حسب الحاجة والضرورة ومدى توفرها، على الرغم من مساعي تأمينها من قبل المجلس المحلي قدر الإمكان.
سؤال كبير وإجابة واضحة
المزعج، والذي يفقأ العين بالنسبة للأهالي، بعد هذا الواقع المتردي كله، أمنياً ومعيشياً وصحياً، هو وقاحة عناصر المجموعات المسلحة، الذين يتجولون في المدينة مظهرين ترفهم ومقدرتهم المتزايدة على الاستهلاك، ليس على مستوى ضرورات المعيشة فقط، بل وعلى مستوى رفاهياتها كذلك الأمر، بالوقت الذي يبحث فيه الأهالي عن كسرة الخبز أحياناً ولا يجدوها.
وتساؤل كبير ما زال يُطرح على ألسنة الأهالي:
هل من المعقول أن تبقى حياة ومصير ورغبات عشرات الآلاف من المدنيين مصادرة ومحتكرة ومعلقة بأيدي حفنة من المسلحين والإرهابيين، تحت تهديد قوة السلاح، ولمصلحة هذه أو تلك من القوى المحلية والإقليمية والدولية، الداعمة لهؤلاء والممولة لهم؟ الأمر الذي فرض عليهم بالنتيجة أن يجدوا الإجابة الذاتية عبر ضرورة الاستمرار بالمواجهة، بما أوتوا من إمكانات، وبشتى السبل والوسائل المتاحة، التي لم ولن يدَّخروا منها شيئاً، من أجل الخلاص من هؤلاء جميعاً، وصولاً لما يصبون إليه مع بقية السوريين عبر بوابة الحل السياسي، الذي يضمن الحقوق ويحفظ الكرامات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 828