ناقوس خطر!
سمير علي سمير علي

ناقوس خطر!

الخبر الذي تم تداوله الأسبوع الماضي عن واقعة الانهدام الأرضي في منطقة المزة 86، والذي تشكلت منه حفرة بعمق 10 أمتار تقريباً، لا بد أن يعيد فتح ملف مناطق السكن العشوائي، ومشكلة الإسكان عموماً.

مما لا شك فيه، أن الإهمال الرسمي على مستوى سياسة الإسكان ودور الدولة في هذا المجال، وصولاً لدرجة الغياب، كانت أحد الأسباب الرئيسة في خلق العشوائيات والسكن المخالف، وزيادة توسعها وانتشارها، مع مخلفاتها وسلبياتها كلها، التي يحصدها المفقرون مزيداً من البؤس والإفقار، بمقابل المزيد من الأرباح في جيوب السماسرة والمستغلين والفاسدين.
استغلال والمزيد منه!
لعله من الجلي أن مشكلة مناطق السكن العشوائي، المستمرة منذ عقود طويلة، قد تفاقمت خلال سني الحرب والأزمة بشكل لافت، كما كان من اللافت زيادة حدة التفاوت الطبقي بين الأحياء المتلاصقة في المدن نفسها، بين ذاك العشوائي وهذا الراقي على المستويات كافة، وخاصة على المستوى الخدمي الذي تراجع بشكل كبير خلال السنين الأخيرة في هذه المناطق، كما تزايدت بالمقابل معدلات الاستقطاب بالعشوائيات ومناطق المخالفات الجماعية للباحثين عن مأوى من النازحين على طول البلاد وعرضها، مما فاقم من الكثير من المشاكل فيها، اعتباراً من الاكتظاظ والمشاكل الاجتماعية المرافقة، مروراً بالمزيد من الإنشاءات البعيدة عن الشروط المناسبة فنياً وصحياً، وليس انتهاءً بالانعكاسات السلبية لذلك كله على المستوى الخدمي، من شبكات مياه وكهرباء وصرف صحي ومواصلات ومدارس وغيرها الكثير.
طبعاً مع عدم إغفال تزايد معدلات الاستغلال التي كانت فرصة كي يزداد الغني غنى والمفقر فقراً، فقد نشطت عمليات الإيجار والتحكم المتزايد برفع بدلات الإيجار بفترات متقاربة، استغلالاً للحاجات المتزايدة للإيواء، كما ارتفعت وما زالت ترتفع بدلات الإيجار حتى وصلت لمبالغ كبيرة، مع شروط دفع تعجيزية تصل لحدود طلب سنة مقدماً أحياناً.
وقد نشطت عمليات إشادة الأبنية المخالفة بشكل كبير، مع تزايد السوء بهذه الأبنية ناحية المواصفات، وخاصة المواصفات الإنشائية والفنية، والمواد المستخدمة في هذه الإنشاءات من كميات الحديد والإسمنت، أو على مستوى الأساسات نفسها، مع كل ما تعنيه من احتمالات الانهيار مستقبلاً، في سبيل تحقيق أعلى هوامش للربح في جيوب تجار وسماسرة العقارات، بالتعاون والتواطؤ مع بعض الفاسدين، على حساب المحتاجين واستغلالاً متزايداً لاحتياجاتهم.
ما زلنا في طور الدراسات!
رسمياً، وعلى الرغم من مضي عقود على مشكلة السكن المستعصية، وعلى الرغم من التوسع المطرد لمناطق السكن العشوائي، ما زالت الحكومة والجهات المعنية بالقطاع السكني في طور الدراسات وتقديم المقترحات حتى الآن!.
فقد عقد اجتماع بتاريخ 10/9/2017 برئاسة رئيس الحكومة، مع قطاع الإسكان والفاعلين الحكوميين فيه: وزير الأشغال العامة والإسكان، وزير الإدارة المحلية والبيئة، وزير الزراعة والإصلاح الزراعي، وزير المالية، رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء، الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، وهيئة التخطيط الإقليمي، والمؤسسة العامة للإسكان.
ومما رشح عن الاجتماع عبر صفحة الحكومة أن الحاضرين: «لفتوا إلى ضرورة تنظيم نشاط التطوير العقاري، والمشاركة في تنفيذ سياسات التنمية العمرانية، وتطوير البيئة الإدارية وتأهيل الموارد البشرية، وتطوير أدوات الترويج الداخلي والخارجي للاستثمار العقاري، ووضع محفزات مناسبة لدخول مطورين عقاريين جدد، وتسهيل جذب الاستثمار الأجنبي وتحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز مفهوم التشاركية مع القطاع الخاص، وتوفير الاحتياجات السكنية لذوي الدخل المحدود بشروط ميسرة، ودراسة وتهيئة مناطق تطوير عقاري جديدة، ومعالجة السكن العشوائي، وإقامة مناطق الخدمات الخاصة غير السياحية».
مع الإشارة إلى أن الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري محدثة منذ عام 2008، وهيئة التخطيط الإقليمي في سورية تأسست في عام 2010، أما المؤسسة العامة للإسكان فهي قديمة جداً، والبقية المتبقية من الجهات الحاضرة في الاجتماع هي وزارات قائمة.
وقد سبق لهذه الجهات جميعها أن عقدت اجتماعات، وتقدمت بدراسات، ورفعت مقترحات، وأعدت مخططات، وسوقت لأفكار، كما أن القطاع السكني يعتبر مهمة رئيسة من مهام هذه الجهات أصلاً، بغض النظر عن كل شيء آخر، إلا أن ما سبق كله لم ير النور حتى تاريخه، ومشكلة السكن والإسكان والعشوائيات ما زالت قائمة وتتعمق يوماً بعد آخر، مع كل تداعياتها وسلبياتها الكثيرة والمتزايدة.
استثمار وتشاركية فقط!
لا بد من التوقف عند العنوان البارز الذي أدرج الاجتماع أعلاه تحت يافطته عبر صفحة الحكومة الرسمية: «ضرورة وضع آليات إقراض جديدة لتشجع الاستثمار في قطاع الإسكان».
فقد شدد رئيس الحكومة على «ضرورة مساهمة قطاع الإسكان في استنهاض رأس المال الخاص، ووضع سياسات لتسهيل تقديم التراخيص وآليات إقراض جديدة تشجع الاستثمار في هذا القطاع»، طبعاً مع عدم إغفال ما ورد بالمتن أعلاه حول تعزيز مفهوم التشاركية، وتسهيل جذب الاستثمار الأجنبي، وتطوير أدوات الترويج الداخلي والخارجي للاستثمار العقاري.
لتتضح الصورة بشكل جلي بالنهاية، بأن الحكومة ماضية باتجاه استكمال تغييب دورها على مستوى السكن والإسكان، مفسحة المزيد من المجال أمام الاستثمارات الخاصة، الداخلية والخارجية هذه المرّة، تحت عنوان التشاركية، بل وعبر المزيد من الإقراض لهؤلاء من أجل جني المزيد من الأرباح على حساب الدولة كما على حساب المواطنين.
ما يعني بالنتيجة غياب مصالح الفئات والشرائح الاجتماعية المفقرة بشكل تام عن السياسات الحكومية على مستوى قطاع السكن والإسكان، ليبقى هؤلاء مطية المزيد من الاستغلال المشرعن، خاصة وقد لمسنا جميعاً آليات توفير الاحتياجات السكنية لذوي الدخل المحدود بالشروط الميسرة حكومياً، عبر الرفع المتتالي لأسعار التكلفة على المساكن المكتتب عليها لدى المؤسسة العامة للإسكان، شبابي وغيرها، مع التأخر المستمر بالإنجاز، وزيادة الأقساط الشهرية على المكتتبين، والمطالبة باستكمال نسبة من الدفعات تفوق إمكانات أصحاب الدخل المهدود، وغيرها من الآليات التي تدفع هؤلاء بالنتيجة للتنازل عن اكتتاباتهم لمصلحة أصحاب رؤوس الأموال، من تجار العقارات والسماسرة والفاسدين.
كما لمسنا آليات العمل بمشروع خلف الرازي، مع الملاحظات كلها التي سبق وأن تم الحديث عنها مطولاً، الذي ما زال قيد المماطلة، كما قيد عمليات البيع والشراء والتنازل، والتي لم يدفع ضريبتها إلا أصحاب الحقوق، وخاصة من صغار مالكي الأسهم، فيما يحصد كبار التجار والسماسرة المزيد من الأرباح في هذا المشروع، على الرغم من أنه ما زال ورقاً.

خط الانهدام
لعله من الألطاف عدم وجود بناء فوق الحفرة الناجمة عن الانهدام في منطقة المزة 86، وإلا لكان غاص بعمق 10 أمتار على الأقل، ولا ندري ما يمكن أن يحصده ذلك من ضحايا وإصابات وأضرار أخرى.
إلا أن هذه الحفرة يجب أن تكون بمثابة ناقوس الخطر على مسامع الحكومة، مذكرين إياها بما درج على تسميته بـ «خط الانهدام» الممتد من مشفى تشرين وصولاً للمزة 86، ماراً من عش الورور وبرزة وركن الدين والشيخ محيي الدين والمهاجرين، بطول 10 كم تقريباً، وعرض 30 متر، وهو عبارة عن مغاور وكهوف، شيدت فوقها مئات المباني التي يقطنها مئات الآلاف من السكان.
مؤكدين على ضرورة إعادة النظر بمجمل السياسات بقطاع الإسكان، من أجل استنفار الإمكانات لمعالجة أوضاع مناطق السكن العشوائي كافة، دون مماطلة وتأخير، بعيداً عن القطاع الخاص والتشاركية وغيرها من العناوين التي لا تعير مصلحة المواطنين، وخاصة أصحاب الدخل المحدود ومفقري الحال، أي اهتمام بالنتيجة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
828