الغوطة الشرقية 500 ليرة لربطة الخبز، وأربعون ألف لاسطوانة الغاز
تستمر معاناة الأهالي في الغوطة الشرقية، فعلى الرغم من الهدوء النسبي في المنطقة على مستوى الأعمال القتالية بنتيجة اتفاق وقف إطلاق النار، واتفاق مناطق خفض التصعيد بين الجيش والمجموعات المسلحة المصنفة بالمعتدلة، والذي ما زال هشاً حتى الآن، إلا أن المعارك الدائرة ما زالت ترخي بظلالها على حياة الأهالي هناك، وخاصة بين المجموعات المسلحة الإرهابية المحسوبة على «جبهة النصرة» وأتباعها وشبيهاتها وبين «جيش الاسلام» بفصائله المتعددة، وخاصة على المستوى المعيشي، في ظل عدم تمكن الأهالي من استثمار الأراضي الزراعية في المنطقة، باعتبار الزراعة هي المصدر الأساسي للرزق والمعيشة بالنسبة إليهم، خاصة بعد توقف غالبية القطاعات المنتجة في المنطقة، الصناعة والحرف والمهن، ناهيك عن الانعكاسات الأمنية على حياة هؤلاء بشكل يومي.
الإنتاج الزراعي والحيواني
واقع الحال يقول إن الغوطة الشرقية أصبحت مقسمة إلى قطاعات، شمالي وجنوبي وشرقي وغربي، مركزها مدينة دوما، وكل قطاع مسيطر عليه من قبل بعض المجموعات المسلحة، بأسماء ورايات مختلفة وتبعيات متداخلة ومتباينة، سواء كان تصنيف هذه المجموعات «إرهابية» أو «معتدلة»، وعلى إثر ذلك ازدادت الحواجز والسواتر الترابية على الطرقات الواصلة بين بلدات الغوطة الشرقية، والتي تتحكم بها وتسيطر عليها هذه المجموعات المسلحة، مع استتباعات ذلك على مستوى عدم تمكن الأهالي من معاودة أراضيهم الزراعية، التي تكرست فيها العمليات القتالية، ما حرم الكثير من هؤلاء من زراعة أراضيهم، كما حرم البعض ممن تمكن من الزراعة من إمكانية جني محاصيله، ناهيك عن المعاناة بموضوع تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي نفسه، من مياه ووقود وسماد وأدوية زراعية، وغيرها من مستلزمات الانتاج الأخرى، حيث أصبح مصدر الرزق الأساسي المتمثل بالزراعة في مهب الريح، بسبب خروج الكثير من الأراضي الزراعية عن الخدمة، طبعاً مع عدم إغفال الانعكاسات السلبية لذلك على مستوى الإنتاج الحيواني المرتبط بالإنتاج الزراعي، من لحوم وألبان وأجبان، وغيرها من المنتجات الحيوانية، والصناعات والمهن المرتبطة بها، مع زيادة التحكم بالإنتاج الزراعي والحيواني، في حال توفره، من قبل التجار والسماسرة المحسوبين على المجموعات المسلحة وأتباعهم، ومن خلفهم من المستفيدين، على حساب الفلاحين، والأهالي عموماً، واحتياجاتهم الحياتية المعيشية اليومية.
الوضع المعيشي والصحي
المعاناة الأهم بالنسبة لأهالي الغوطة الشرقية كانت وما زالت تتمثل باستمرار ندرة المواد الغذائية الأساسية، بنتيجة كل ما سبق، ما أدى إلى ارتفاعات كبيرة بأسعارها لعدم توفرها بما يلبي الاحتياجات من ناحية الكم، وبسبب تحكم التجار والسماسرة المتزايد بعمليات العرض والطلب بما يحقق لهؤلاء أعلى هامش ربح على حساب حاجات الناس ومعيشتهم، خاصة في ظل احتكار إدخال المواد الغذائية، وغيرها.
فسعر ربطة الخبز مثلاً تجاوز الـ 500 ليرة أحياناً، مع ندرة وجود الطحين واحتكاره، بينما يتراوح سعر كيلو الرز بين 800- 2000 ليرة، وكذلك هي حال أسعار السكر والبرغل، و أسعار السلع الغذائية كافةً، والمواد الأساسية الأخرى، كالشاي والمعلبات والمنظفات.
حتى المواد الإغاثية التي دخلت المنطقة على شكل مساعدات للأهالي، خلال الفترات السابقة، على الرغم من قلتها وعدم كفايتها أصلاً، إلا أنها كذلك الأمر دخلت حيز الاتجار من قبل السماسرة والمحسوبين والأتباع، وبيعت بأسعار مرتفعة، في تكريس للاستغلال على حساب الأهالي وحاجاتهم.
أما عن أسعار المحروقات، في ظل استمرار انقطاع التيار الكهربائي كأحد مصادر الطاقة، فقد وصل سعر ليتر المازوت إلى 2500- 3000 ليرة، وسعر ليتر البنزين وصل لحدود 5000 ليرة، وجرة الغاز لسعر يتراوح بين الـ 40000 ليرة و 90000 ليرة في بعض القطاعات.
وعلى المستوى الصحي، فقد شهدت أسعار الأدوية ارتفاعات غير مسبوقة في ظل عدم توفرها، والتحكم بها، وخاصة بالنسبة لأدوية الأمراض الخطيرة والمزمنة، وأدوية الأطفال، بالإضافة للارتفاعات بأسعار حليب الأطفال، الأمر الذي أدى إلى المزيد من التدهور بالوضع الصحي للأهالي، وما زاد الطين بلة بهذا الصدد هو الاستهداف المتبادل يبن المجموعات المسلحة للقطاع الصحي والعاملين فيه في القطاعات المتنازع عليها.
الوضع الاجتماعي والخدمي
بالإضافة لكل ما سبق فقد تكرس نوع من القطيعة بين أهالي بلدات الغوطة، المترابطين اجتماعياً واقتصادياً، بظل هذا النمط من تقاسم القطاعات والحواجز المنتشرة والسواتر الترابية، والنزاعات المستمرة من أجل السيطرة والنفوذ عليها من قبل هذا الفصيل أو تلك المجموعة، مع التزايد في تعداد الضحايا بين المدنيين جراء هذه النزاعات.
كما لم تزل تتزايد الأضرار على مستوى الممتلكات والبنى التحتية في المنطقة كلها، بنتيجة استمرار المعارك، مع ما يعنيه ذلك من تراجع مستمر على مستوى الخدمات العامة كافةً ، بل وتوقف بعضها بشكل نهائي، مياه- كهرباء- صرف صحي- مدارس- صحة- وغيرها.
تحركات وضغوط أهلية
بقي أن نقول: إن هذه المأساة المستمرة في الغوطة الشرقية يحصد نتائجها المدنيون الذين يقدر عددهم بين 350- 500 ألف نسمة، موزعين في قطاعات متنازع عليها، رغم تداخلها وتشابكها، مع غياب الدقة بهذا الرقم بسبب الواقع العسكري والأمني، وبسبب استمرار حالات النزوح بين بلدات الغوطة الشرقية، أو إلى خارجها.
بمقابل ذلك كله يجب ألّا نغفل أن الأهالي ما زالوا مستمرين بممارسة ضغوطهم على المجموعات المسلحة كافةً، بمختلف مسمياتها وتلاوينها وتبعياتها، وما يصنف منها بـ»الإرهابي» أو «المعتدل»، وذلك حسب الإمكانات المتوفرة والمتاحة أمام هؤلاء الأهالي، وخاصة بعد افتضاح ارتباطات هؤلاء وولاءاتهم، وتشابك مصالحهم مع مصالح مشغليهم ومموليهم، المحليين والاقليميين والدوليين، في تعارض تام مع مصالح الأهالي والشعب السوري والمصلحة الوطنية.
فما زالت بلدات الغوطة الشرقية تشهد العديد من التحركات الشعبية بوجه هذه المجموعات، على شكل مظاهرات واعتصامات ورشق بالحجارة وطرد بعض المسلحين أو السيطرة على بعض مواقعهم، ولو مؤقتاً، وغيرها من التحركات، من أجل طرد المجموعات الإرهابية، ووقف العمليات القتالية، التي يدفع ضريبتها الأهالي أولاً وأخيراً، ومن أجل تعميق اتفاقات وقف إطلاق النار ومناطق خفض التصعيد وتوسيعها، وصولاً للحل السياسي الناجز والشامل وفقاً للقرار الدولي 2254، الذي يحقق الخروج الآمن من الحرب والأزمة والكارثة الإنسانية التي يعيشها هؤلاء، كما غيرهم من أبناء الشعب السوري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 820