ريف الرقة.. ما بعد «داعش»!

ريف الرقة.. ما بعد «داعش»!

إثر المعارك الدائرة في مدينة الرقة ومحيطها، بين قوات سورية الديمقراطية، بفصائلها وألويتها العديدة، مع التنظيم الإرهابي «داعش»، تعرض الأخير إلى هزائم وانكسارات كبيرة، أدت من الناحية العملية إلى تراجعه وانحساره، كما أدت إلى الكثير من الخلافات العميقة بين قياداته وأتباعه، مما أسفر عن قيامه بعمليات الإعدام الميداني لكل مخالف له أو خارج عليه من هؤلاء.

المخرج الوحيد المتاح والمتبقي حالياً أمام التنظيم الإرهابي بعناصره وقياداته، من أجل الهرب والانسحاب من المدينة، يقتصر على طريق النهر باتجاه «الشامية والبادية» جنوباً، وهؤلاء يهربون عبر النهر باتجاه الكسرات (كسرة محمد علي- كسرة فرج- كسرة شيخ الجمعة- رطلة) نحو الجبل ليلتفوا لاحقاً باتجاه دير الزور والميادين شرقاً عبر الطرق الصحراوية الطويلة، كما أفاد العديد من أبناء المنطقة لقاسيون.
معارك السيطرة داخل المدينة
دخلت قوات سورية الديمقراطية إلى المدينة من ناحية الشمال (سوق الغنم- مساكن ساريكو) وسيطرت على سجن الأحداث وتمركزت في المباني المتاخمة لمحطة القطار، كما سيطرت على مزرعة الأسدية، والقتال مستمر في الفرقة 17، وتحاول التقدم باتجاه كلية الآداب.
ومن الجهة الشرقية داخل المدينة وصلت قوات «قسد» إلى السكن الشبابي، كما سيطرت على حي المشلب والمنطقة الصناعية بشكل كامل، وأقاموا حاجزاً عند باب بغداد، وتم تحرير سوق الحديد وسهلة البنات.
أما من الجهة الغربية داخل المدينة، فقد أصبحت قوات «قسد» موجودة بقلعة هرقلة ووضعت حواجز، وأخذت مساكن الشرطة، والاشتباكات مستمرة في كمب الرومانية، وقد أصبحت هذه الأحياء والمناطق جميعها خالية من «داعش» وعناصره.
وعلى إثر هذه المعارك انحسر تواجد التنظيم الإرهابي ليقتصر على أحياء وسط المدينة فقط (شبلي السلامة- المنطقة التوسعية- حارة البدو- حي البوسرايا- حي القويدر- الكورنيش الجنوبي- شارع تل أبيض والقوتلي- حي الثكنة- حي الحني).
المدنيون من أهالي المدينة في هذه الأحياء زاد التعامل معهم سوءاً من قبل عناصر التنظيم الإرهابي المتبقين، وخاصة الساعون للخروج منها، حيث يعرض هؤلاء أنفسهم لخطر الموت في حال أقدموا على محاولة الهرب من المدينة، بالإضافة لإحراق سياراتهم منعاً لخروجهم.
وأصبح هؤلاء المدنيون دروعاً بشرية لداعش، ويقدر تعداد المتبقين من المدنيين داخل هذه الأحياء بحدود 60 ألف مواطن، وباتوا جميعاً رهائن بيد الدواعش.
الدور المشبوه للتحالف الدولي
بمؤازرة «داعش»!
طائرات التحالف بالقيادة الأمريكية، والتي تدّعي مؤازرتها لعمليات تحرير الرقة من القبضة الداعشية، اقتصر دورها على استكمال تدمير البنى التحتية في المدينة ومحيطها، حيث لم يسلم أي مرفق عام من الاستهداف، من المنشآت العامة والخدمية والجسور، مروراً بالمشافي والمدارس وآبار النفط وصولاً إلى البنى التحتية كافة، وأخيراً تم استهداف كلية الآداب والتربية وباتا ركاماً، وكل ذلك بذريعة أنها مقرات لقيادات التنظيم الإرهابي!.
ولم يسلم المدنيون من الاستهداف عبر هذه الطائرات، حيث تم توثيق العديد من المجازر المرتبكة بحق هؤلاء في العديد من القرى المحيطة بالرقة أو بأحيائها، حيث لم تستثنِ هذه الطائرات حتى الساعين للهروب من الجحيم الداعشي، سواء عبر الطرق البرية، أو في القوارب عبر الفرات باتجاه الشرق أو الغرب.
بالمقابل هناك طائرات «حوامات» أمريكية تحط بالبادية جنوب الرقة، معبر الهرب الوحيد المتبقي أمام «داعش»، لتقل بعض عناصره وقادته، والذريعة المعلنة هي أسر هؤلاء، لكن الوقائع تقول غير ذلك، حيث هناك مواعيد شبه دقيقة، وكأنها متفق عليها مسبقاً للتواجد المتناسق للعناصر الداعشية مع تلك الحوامات لتقلهم إلى أماكن مجهولة، وذلك حسب مشاهدات الأهالي في تلك المنطقة.
ممارسات غير مبررة ومطالب أهلية!
قوات سورية الديمقراطية سيطرت على القرى المحيطة بمدينة الرقة ناحية المنطقة الغربية: (القحطانية- العدنانية- ربيعة- حطين- حاوي الهوى- الخاتونية- الجزرة- السباهية) بشكل كامل، علماً أن هذه القرى أصلاً كانت خالية من عناصر التنظيم أو من مقرات له، حيث كان عناصر الحسبة أو غيرها من الهيئات الأخرى التابعة للتنظيم يجولون على هذه القرى بين الحين والآخر بسياراتهم، بغاية فرض السيطرة والنفوذ وبغاية الحفاظ على أمن التنظيم فيها، مما أفسح المجال أمام قوات «قسد» أن تفرض سيطرتها على هذه القرى خلال يومين فقط.
المؤسف وغير المبرر أنه تم إفراغ تلك القرى من أهلها، وإخراجهم منها إلى العراء بعد فرض السيطرة عليها، بدعوة من قوات سورية الديمقراطية، هكذا دون أي مبرر أو مسوغ، ودون أي اهتمام بمتطلبات المعيشة والبقاء لهؤلاء الأهالي، فلا طعام ولا شراب، ولا أماكن للمبيت، وما زالوا حتى الآن مقيمين في هذا العراء مع استمرار الوعود بالعودة «خلال يومين»، وذلك منذ أكثر من أسبوع، علماً أن مجموع سكان هذه القرى يقدر بحدود 50 ألف مواطن.
كما أن الأهالي لا يعلمون شيئاً عن منازلهم ومحتوياتها ومآلها، خاصة أن عناصر قوات سورية الديمقراطية أعلنوا عن أنهم سيقومون بمصادرة الأجهزة الإلكترونية «الحواسب، اللابتوبات، الجوالات» الموجودة في منازل هؤلاء بالذرائع الأمنية، وهذا الأمر بالنسبة للأهالي هو أحد أشكال التعفيش، والخشية لديهم على بقية موجودات منازلهم تعتبر مشروعة كذلك الأمر.
تتمثل مطالب هؤلاء الأهالي بالتالي:
التعامل الحسن معهم ومع متطلباتهم الحالية، كونهم في العراء بعد أن تم إخراجهم من بيوتهم، دون تأمين أيٍّ من متطلبات الحياة اليومية والمعيشية لهم.
العودة إلى مساكنهم ومنازلهم في المزارع والقرى المحررة من سيطرة «داعش»، وخاصة في المنطقة الغربية من المدينة وقراها.
عدم التعدي على الملكيات، ووقف عمليات التعفيش بالذرائع الأمنية أو غيرها.
عدم زج الأهالي في الصراعات الدائرة فيما بين الفصائل العاملة تحت مظلة «قسد»، تحت أي عنوان أو مبرر.
حل مشكلة الازدحام في مخيمات عين عيسى، حيث لم تعد تستوعب هذه المخيمات أية أعداد إضافية، خاصة وأن استيعابها يصل إلى 60 ألف مواطن، بينما واقع الحال يقول: إن المتواجدين فيها بلغوا بحدود 200 ألف مواطن، وعلى الرغم من ذلك ما زالت الدعوات توجه للأهالي بالتوجه إلى هذه المخيمات المكتظة أصلاً.
عدم انجرار هذه الفصائل لأفخاخ تركيا وأمريكا، وبقية القوى المحلية والإقليمية والدولية الأخرى، حيث إن لكل منها غاياته وأهدافه، والتي تعتبر جميعها، جملة وتفصيلاً، بعيدة عن مصالح أهالي هذه المناطق خصوصاً، والسوريين عموماً، وخاصة تلك التي تنعكس سلباً على سيادة ووحدة وسلامة الأرض والشعب، على طول الخارطة السورية، كونها أقدس الأقداس.

اعترافات وقحة
ولا إنسانية
لم ينكر التحالف الدولي بالقيادة الأمريكية قتله للمدنيين، فقد اعترف بأنه منذ بدء الحملة المزعومة على «داعش» بعام 2014، فإن ما لا يقل عن 484ش مدنياً قتلوا جراء ضربات هذا التحالف في كل من سورية والعراق، وذلك مطلع شهر حزيران 2017.
الاعتراف أعلاه كان على إثر تلقي التحالف 440 تقريراً رسمياً عن حالات قتل للمدنيين، منذ بدء حملته وحتى نيسان 2017، منها 118 تقريراً فقط تم تصنيفها على أنها موثوق بها من قبله، وذلك حسب ما تم تداوله عبر وسائل الإعلام.
وبلغة الأرقام هذا يعني: أنّ رقم الضحايا من المدنيين الذين قتلوا بنيران التحالف الأمريكي، غير المعلن عن مسؤوليته بشكل رسمي وفقاً للتقارير المصنفة على أنها غير موثوقة من قبله، والتي تتجاوز 300 تقرير، يتجاوز 2000 مدني، إن لم يكن أكثر من ذلك بكثير، ناهيك عما لم يتم توثيقه بموجب تقارير رسمية، والذي يتجاوز هذا العدد بشكل كبير أيضاً.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن أكبر عدد للضحايا من المدنيين جراء استهداف طائرات التحالف في سورية كان خلال شهري أيار- حزيران/2017، منها ما صنف على أنه مجازر بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والتي لم يأت عليها الاعتراف أعلاه.
الوقح بالأمر أكثر من ذلك كلّه أن التحالف برر هذه الأرقام من الضحايا المتزايدة من المدنيين بأنها نتيجة زيادة وتيرة العمليات في المناطق الحضرية الكثيفة بالسكان، وبأنه من الصعب تجنب وقوع ضحايا بين المدنيين.. هكذا بكل لا إنسانية وصلف!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
814