خريف أو ربيع.. أسعار الأجبان والألبان يحددها جشع التجار

خريف أو ربيع.. أسعار الأجبان والألبان يحددها جشع التجار

بعد أكثر من عامين على شراء اللبنة من أحد المحال، ظناً بأن البائع «صاحب ضمير» ومستحل أن يبيع منتجاتٍ مغشوشةً، تفاجأ (ع.ب) أنه كان طيلة تلك المدة فريسة الغش، إذ جرب مصادفة «شراء لبنة من محل مختلف، ليتغير عليه المذاق ويشعر بالدسامة في طعمة اللبنة الأصلية».

 

السعر ليس دليل غش!

وساعد تحكم التجار بالأسعار- والتباين في أسعار معظم السلع والبضائع من سوق لآخر- في انتشار الغش، بحيث لم يعد السعر الرخيص مؤشراً كافياً على وجود الغش بالسلعة، لأن بعض الأسواق تبيع منتجات موجودةً ذاتها في أسواق أخرى، بأسعار مرتفعة جداً، الأمر الذي شجع على التلاعب بالمكونات وطرق التصنيع لما فيه من توفير أكبر بتكاليف الإنتاج، وزيادة الربح على حساب الجودة والمواصفة.

وأدى غياب دور الرقابة والجهات المعنية بموضوع الأسعار والمواصفات، لجعل السوق لقمةً سائغةً يتحكم بها التجار والمتنفذون، بغضّ النظر عن صحة المواطن والمصلحة العامة.

الأسعار تأبى الانخفاض!

مع حلول شهر نيسان وموسم الربيع، من المفترض أن تشهد أسعار الحليب ومشتقاته انخفاضاً ملموساً، لكثرة الإنتاج في هذا الموسم، حيث يدخل بوفرة حليب الغنم إلى خط التصنيع، ويسهم في توفر المنتجات بشكل أكبر، وتخفيض سعرها، حيث توقع رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الألبان والأجبان في دمشق وريفها، عبد الرحمن الصعيدي انخفاض أسعار مشتقات الحليب بنسبة تتراوح ما بين 10 إلى 15% قريبا، وذلك مع بدء موسم الربيع وتوفر حليب الأغنام، والذي يمتد خلال هذا الشهر والشهر القادم.

إلّا أنّ الحديث عن واقع العرض والطلب بهذه الطريقة بات فيه نوع من السذاجة والخيال، لأن ارتباط توفر السلعة بمواسم الإنتاج الزراعي والحيواني لم يعد عاملاً أساسياً في تسعيرها، فأسعار الأجبان والألبان لم تتغير عما كانت عليه في الشتاء.

ويباع كيلو اللبنة بسعر 1100 ليرة وسطياً، وكيلو الجبنة البلدي البقري كامل الدسم بسعر 1400 ليرة وسطياً، وعبوة اللبن الرائب بسعر 275-300 ليرة، وكيلو الجبنة البقري العكاوي بسعر 1200 ليرة وسطياً.

غش «رئيف بالصحة»!

يعد الغش في صناعة الألبان والأجبان، واحداً من أكثر الظواهر انتشاراً، مثلها مثل الغش في الزيوت واللحوم، لكن الفرق أنه يتم في أسواقنا بطريقة احترافية يصعب على المواطن تمييزها، مقارنةً بغش زيت الزيتون مثلاً الذي يمكن للمتذوقين اكتشافه مباشرةً..

وتتنوع طرق الغش في الألبان والأجبان، بين ما هو مخالف للمواصفة وغير ضار بالصحة العامة، وبين مخالفة المواصفة واستخدام مواد غير صالحة للاستهلاك البشري، وفي الحالة الأولى: قد يلجأ المصنعون إلى إضافة النشاء أو القريشة أو الدسم النباتي عند تصنيع الجبنة أو اللبنة، بينما قد يتم استخدام الحليب الناشف البودرة عوضاً عن الحليب الخام لسهولة وقلة تكلفة الأول مقارنة بالثاني، وهذه الطرق جميعها تجعل المنتج النهائي مخالفاً للمواصفات لكنها لا تجعله بالضرورة ضاراً بالصحة لأنها كلها مواد غذائية مستهلكة بالمجمل.

ولعل من أهم ما يجب التذكير به بهذا الصدد، هو أن جزءاً هاماً وكبيراً من الحليب المجفف الموجود في الأسواق، والذي يتم استخدامه من قبل بعض هؤلاء المصنعين، غير معروف المصدر، حيث يدخل عن طريق التهريب، وبالتالي غير خاضع للرقابة، لا من حيث النوعية والجودة، ولا من حيث مدة الصلاحية، الأمر الذي قد يعني مزيداً من الإضرار بالمواطن على مستوى الأسعار، كما على المستوى الصحي.

ومن الطرق الكثيرة الانتشار في الغش وتحديداً في الأجبان، هي المياه الزائدة، فقد تكون الجبنة مصنعةً بطريقة نظامية ومن حليب خام طازج، إلا أن البعض يقوم بغمر الجبنة بكمياتٍ كبيرة من المياه وبيعها، مع احتساب وزن المياه التي تبلغ حوالي 20% من وزن الجبنة، أي: أن كل كيلو واحد يحتوي على 800 غرام جبنة، و 200 غرام مياه، وهذه الطريقة قد يقع ضحيتها أكثر الناس الذين يشترون الجبنة بـ«تنكة» أي: كمية كبيرة معاً، الأمر الذي يعني أن المواطن يدفع ثمن 200 غرام مياه على أنهم جبنة، وبأسلوب غش قريب، يتم بيع عبوات اللبن الرائب بسعة 800 غرام في السوق بسعر كيلو اللبن ذاته.

ومع افتضاح طرق الغش الكثيرة، تراجع الحديث عن استخدام مواد غير صالحة للاستهلاك البشري في تصنيع الألبان والأجبان مثل السبيداج أو الاسمنت الأبيض، والذي انتشر الحديث عن استخدامه من قبل البعض مع وجود حالات تسمم إثر تناوله قبل سنوات.

الحكومة أمّنت المازوت ولكن بأيّ سعر!

خضوع السوق بمفاصله كافةً لمصلحة التجار، ليس العامل الوحيد فعلياً لارتفاع الأسعار وعدم انخفاضها في المواسم التي يجب أن تسهم بتحطيم السعر، لكن تراجع الحكومة عن سياسة الدعم في مختلف مراحل العملية الإنتاجية الزراعية أو الحيوانية أو الصناعية شكل دافعاً إجبارياً للغلاء، لما له من ارتباط وثيق بزيادة تكلفة الإنتاج والعمل على المربين والصناعيين بالدرجة الأولى، وكانت الضربة الأخيرة بإعلان الحكومة على الملأ عن بيعها المازوت للصناعيين والقطاع الخاص بسعر التكلفة أي بلا دعم نهائياً، ما ينعكس بالنهاية على السعر النهائي للمنتج والذي يتم تحصيل ثمنه من جيوب المواطنين.

وهذا الأمر أكده تصريح حديث لرئيس الجمعية الحرفية لصناعة الألبان والأجبان في دمشق وريفها عبد الرحمن الصعيدي، حيث قال: إن ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وتحديداً الأجبان والألبان الأخير كان بسبب ارتفاع سعر المازوت الصناعي إلى 296 ليرة/ ليتر، وللحرفيين المسجلين كافة على الكميات المطلوبة لتشغيل المولدات وحراقات غلي الحليب.

يشار إلى أن أسعار الحليب ومشتقات الألبان والأجبان في السوق، محافظة على ارتفاعها، منذ آخر قفزة شهدتها في موسم الخريف الماضي حين بدأت الكميات المنتجة بالتراجع، إذ بلغ عند ذلك الوقت سعر كيلو الجبنة البلدية كاملة الدسم 1200 ليرة، بعد أن كان 900 ليرة فقط، وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على انعدام الرغبة في تحسين حال السوق، وعدم القدرة أو النية الحقيقية للسيطرة على جشع التجار وكبح جماحهم، فلا سبب منطقياً يبرر استمرار السعر المرتفع مع حلول موسم الربيع ومع تأمين المحروقات وعدم تغير الخارطة الجغرافية فيما يتعلق بمناطق الإنتاج والنقل وغيرها من أمور، خلال الفترة من أيلول الماضي وحتى اليوم..

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
808