حتى البطاطا خرجت من حيز الاستهلاك الشعبي!
خرجت العديد من السلع عن حيز الاستهلاك الشعبي، خلال السنوات الماضية، كما اقتصر الاستهلاك على ضروريات الحياة، حيث باتت سلة الاستهلاك محدودةً على بعض السلع الضرورية، وخاصةً الغذائية، التي تعتبر رخيصةً ومتوافرة، بالمقارنة مع غيرها، ومنها مادة البطاطا، التي قيل عنها سابقاً بأنها غذاء الفقير.
لقد زادت معدلات الفقر والعوز، بشكل غير مسبوق، وانخفضت معدلات الاستهلاك، كما وتغيرت عاداته، خلال سنوات الحرب والأزمة، وذلك لتشابك نتائجها مع الانعكاسات السلبية للسياسات الاقتصادية الليبرالية المتبعة، التي أرخت بظلالها السوداء على حياة السوريين ومعيشتهم.
غياب الإنتاج المحلي
كما كل مرة، في مثل هذه الفترة من العام، شهري شباط وآذار، تنخفض كميات البطاطا في السوق، لعدم توفر المنتج المحلي، حيث يتم السماح باستيراد بعض الكميات من هذه المادة لتغطية حاجات الاستهلاك، باعتبار أنها حاجة استهلاكية ضرورية، وخاصةً لأصحاب الدخل المحدود.
نتيجة ذلك تزايدت معدلات الطلب على مادة البطاطا في الأسواق، تباعاً، خلال السنوات الماضية، إلّا أنّ تحالف الفساد والتجار والمستوردين والمهربين، يبدو أنه ما زال مصراً على استنزاف السوريين، حتى آخر قطرة من روحهم، وألا يبقى للفقير من غذاء، كي يزدادوا فقراً وعوزاً وجوعاً، فقد وصل سعر كيلو البطاطا في بعض الأسواق إلى 500 ليرة مع نهاية آذار المنصرم، ما أدى إلى خروج هذه المادة أيضاً عن حيز الاستهلاك الشعبي اليومي للمواطنين.
تدخل إيجابي ولكن!
انخفاض الكميات المعروضة من المادة، أدى تلقائياً إلى رفع سعرها في السوق، ومع بداية ارتفاع هذا السعر، مطلع شهر شباط الماضي، تم الحديث عن إجراءات للتدخل الإيجابي من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والمؤسسة السورية للتجارة، عبر ضخ كميات من هذه المادة، التي سيتم استيرادها لصالح المؤسسة، لطرحها عبر منافذها بالسعر المناسب للمستهلك، وحرصاً على مصلحته، إلا أن ذلك لم يلمسه المستهلك، حيث وصل سعر كيلو البطاطا في السوق لحدود 450 ليرة مع نهاية شهر آذار، في حين أعلنت السورية للتجارة عن بيعه بسعر 250- 300 ليرة في منافذها، التي لم توفر المادة بالكمية المطلوبة وبالمواصفة الجيدة.
بالتوازي مع الاعلان عن هذا الإجراء، تم اتخاذ إجراءات رقابية على مستوى الكميات المتوافرة في السوق، تهريباً واحتكاراً، حيث تم ضبط ومصادرة آلاف الأطنان من قبل الجمارك والتموين، ولكن هذه الإجراءات «الإيجابية» من قبل الجهات المعنية بضبط انسيابية حركة المادة في السوق، ومنع تهريبها، أو التحكم بسعرها احتكاراً، لم تنعكس على المواطنين إيجاباً كما كان متوقعاً منها، وذلك بسبب تـأخر وصول الكميات المعلن عنها لصالح السورية للتجارة، حسب ما أُعلن عنه، وعدم كفايتها كمياً لتغطية حاجات الاستهلاك، ومع مصادرة بعض الكميات بسبب الاحتكار، وعزوف بعض التجار وتخوفهم من التعامل مع المادة، واستمرار بعضهم باحتكارها، أدى الأمر عملياً إلى قلة العرض بمقابل زيادة الطلب، وبالتالي رفع سعر المادة في السوق أكثر.
التخطيط للاستيراد
هذا العام تم السماح باستيراد كمية 10 آلاف طن من المادة حتى نهاية آذار فقط، مناصفةً بين السورية للتجارة وبعض المستوردين، خلافاً للكميات التي سمح باستيرادها في مثل هذه الفترة من العام الماضي، حيث كانت 25 ألف طن، في حين أنه كان من المفترض زيادة هذه الكمية هذا العام بما يتماشى مع متغيرات عادات الاستهلاك، وزيادة الطلب على هذه المادة، الأمر الذي فسح المجال أمام بعض التجار لاحتكار المادة، وتقنين توريدها للسوق، بغية رفع سعرها، كما وفسح المجال أمام زيادة الكميات المهربة، لسد النقص الحاصل في السوق من هذه المادة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف غاب عن وزارة الاقتصاد دراسة الحاجات الفعلية للاستهلاك، في ظل تغير عادات الاستهلاك، وبظل زيادة الطلب على المادة خلال السنوات الماضية؟ وبالحد الأدنى كيف تم تخفيض الكمية الموافق على استيرادها هذا العام إلى الثلث تقريباً، بالمقارنة مع العام الماضي؟ وعلى أي أساس يتم تقدير الكميات المسموح باستيرادها؟
حيث إن جملة هذه الاعتبارات هي ما جعلت من المادة محتكرةً، ومربحةً تهريباً، ومتحكماً بها عرضاً وطلباً بالسوق، ولمصلحة التجار بالنتيجة.
صراع محتدم على حساب المواطن
احتدم الصراع، خلال شهر آذار، بين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والسورية للتجارة، والجمارك، مع بعض التجار والمستوردين والمهربين، على هذه المادة، وذلك على إثر مصادرة آلاف الأطنان من هذه المادة، خلال شهري شباط وآذار، سواء من قبل الجمارك، أو من قبل وزارة التجارة الداخلية، وما زال هذا الصراع قائماً على بعض الكميات التي تمت مصادرتها، على الرغم من دخولها استيراداً بشكل نظامي.
هذا الصراع والخلاف بين هذه الجهات مجتمعةً، أدى عملياً إلى خروج كميات كبيرة من المادة عن حيز العرض في السوق، فقد تلفت كميات من المادة لخلاف بين الجمارك والسورية للتجارة على السعر، كما زاد تحكم التجار بالكميات المتوفرة لديهم، في ظل نقص الكميات الموجودة وعدم التوازن بين العرض والطلب.
وبغض النظر عن الإجراءات «الإيجابية» المتخذة كلها، فقد دفع المواطن بالنتيجة فارق التكاليف من جيبه، عبر السعر الذي فرض عليه بمقابل استهلاكه للمادة، فالتاجر بالنتيجة، المهرب أو المحتكر، حمل المواطن فارق خسارته على الكميات المصادرة، ما زاد عملياً من سعر المادة في السوق أضعافاً مضاعفةً، عن تكلفتها الحقيقية.
على أي جانبيك تميل؟!
خلاصة القول، وبعيداً عما تم التصريح به كله خلال شهري شباط وآذار عن المادة والاستعداد لتوفيرها، وحملات المصادرة التي تمت التغطية الإعلامية لها، وبالملموس، فقد خرجت مادة البطاطا من حيز الاستهلاك الشعبي، خلال هذين الشهرين، وربما يستمر ذلك لنهاية نيسان، وهو موعد توريد الإنتاج المحلي من المادة إلى الأسواق، كما أن إجراءات وزارة الاقتصاد كانت سبباً مباشراً في تدني كمية المعروض من المادة في السوق، وذلك لأسباب غير معلومة!! إلّا أنّ نتائج ذلك انعكست سلباً على المواطن ومعيشته، وإيجاباً في جيوب المستوردين والتجار والمحتكرين، بالإضافة للسورية للتجارة التي أُعلن أنها ربحت بحدود 140 مليون ليرة من تجارتها بالمادة خلال هذه الفترة، بمقابل تصريح وزير التجارة الداخلية مؤخراً على إثر ارتفاع سعر مادة البطاطا في السوق، والإجراءات التي اتخذتها الوزارة، حيث قال: «غذاء المواطن خط أحمر»!!.
فعلى أي من جانبيك ستميل أيها المواطن، بظل هذا التحالف المشبوه، المستنزف لمعيشتك وحياتك؟؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 804