الجمارك والصراع مع أصحاب البضائع؟
تعتبر السلطة الجمركية إحدى السلطات الحكومية الهامة، في دول العالم كلها، وذلك لما لها من دور على مستوى دعم الاقتصادات المحلية، عبر حماية الإنتاج المحلي، والتصدي لعمليات التهريب للمواد: الممنوعة، أو المقيدة، أو الضارة، كما وبمراقبة عبور السلع على تنوعها، عبر المنافذ الحدودية، البرية والبحرية والجوية، دخولاً أو خروجاً، بالإضافة لما تجبيه من رسوم، تعتبر جزءاً من الموارد الحكومية.
وهي على ذلك، لا بد لها من أنظمة وقوانين تعمل من خلالها، بالإضافة لدورها على مستوى المشاركة في وضع الخطط والسياسات التي تساعدها على أداء مهامها، وتحدّ من عمليات التهريب، كما تحدّ من عمليات التحايل أو الغش والتقليد، بما ينسجم مع السياسات الاقتصادية المعتمدة في كل بلد.
الصراع مع أصحاب البضائع!
بهذا الصدد يجب ألا نغفل أن دور السلطات الجمركية، ليس محكوماً بالقوانين والأنظمة المحلية فقط، بل محكوم أيضاً ببعض الاتفاقات الدولية، كاتفاقات التبادل التجاري، أو منظمة التجارة العالمية، وغيرها، حيث بات لهذه الاتفاقات المزيد من الغلبة، بظل الضغوطات الممارسة على مستوى تحرير التجارة، تحت شعارات العولمة، وتشجيع التجارة البينية، في ظل هيمنة النموذج الليبرالي على المستوى الاقتصادي، والتبادل التجاري العالمي.
على ذلك فإن الصراع الأساسي، الذي يحكم أهمية دور هذه السلطة، قائم عملياً بينها وبين أصحاب البضائع، على مسمياتهم المختلفة، مستوردين- مصدرين- مهربين- حائزين- متداولين- بائعين- مروجين، أفراداً كانوا أو مجموعات ومنظمات ودول، والذين يبتغون تحصيل الأرباح من هذه البضائع بالمحصلة، بغض النظر عن أي شيء آخر.
لذلك فإن الإدارات الجمركية يزداد الاهتمام بها، باعتبارها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من عمليات التجارة الدولية وأركانها، كونها أحد اللاعبين الرئيسيين في تسيير هذه التجارات رسمياً.
بعض المعطيات الرقمية
بناءً على ما تقدم كله، نستعرض بشكل سريع واقع عمل هذه السلطة محلياً، حيث تم تداول معلومات إعلامية تقول: إن عدد القضايا الجمركية المحققة التي تم تسجيلها خلال الفترة الممتدة من 29/12/2016 ولغاية 8/2/2017 بلغت 821 قضية، وأن قيمة الرسوم المحصلة خلال الفترة نفسها بلغت 46 مليوناً و300 ألف ليرة، أما الغرامات المحصلة فقد وصلت إلى 694 مليوناً و710 آلاف ليرة، مقابل 2 مليار و310 ملايين ليرة سورية قيمة الغرامات غير المحصلة، والتي تم تحويلها إلى المحكمة المختصة.
وفي منتصف آذار تم الإعلان عن ضبط 365 ألف كغ من السكر، بقيمة لهذه الكمية تبلغ 104 ملايين ليرة، وقيمة رسومها الجمركية 1,439 مليون ليرة، في حين بلغت غراماتها 159 مليون ليرة، كما تم ضبط 263 شاشة تلفزيون، قياس 32- 40 بوصة، قيمتها 30 مليوناً، في حين بلغت رسومها 10,950 ملايين ليرة، وغراماتها مع مكتب القطع 100 مليون ليرة، 75 مليوناً منها للجمارك.
وفي تصريح للآمر العام للضابطة الجمركية أن دوريات الجمارك ضبطت منذ بداية العام الجاري 1 طن من مادة حليب البودرة، و336 عبوة حليب أطفال، كلها مهربة، وغير صالحة للاستهلاك، إضافةً لضبط ومصادرة كميات مختلفة من الخضراوات المهربة، منذ بداية العام، بنحو 115 طناً من البطاطا والبصل والثوم، مبيناً أن غرامات هذه المواد المهربة تجاوزت 116 مليون ليرة، في حين سجلت قيمها المالية نحو 29 مليون ليرة ورسومها 5.2 ملايين ليرة.
آثار ونتائج!
واقع هذه الأرقام يوضح ثلاث نقاط؛ الأولى: كعينة عن مستوى حجم التهريب الكبير، الذي يتم ضبطه رسمياً، وأثره على الاقتصاد الوطني، سواء عبر مزاحمة المنتج المحلي، أو عبر ما يتم استنزافه من قطع أجنبي بشكل غير مشروع عن طريق السوق السوداء لتمويل عمليات التهريب تلك، بالإضافة لما يتم تفويته على خزينة الدولة جراء الدخول غير المشروع للبضائع.
والثانية: هي الأثار المترتبة على دخول البضائع المهربة، بعيداً عن الرقابة الصحية والبيئية وغيرها، وما قد تحمله من نتائج سلبية على صحة المواطنين المستهلكين لهذه البضائع، ما يعني المزيد من الإنفاق على الرعاية الصحية، سواء بالشكل الفردي الشخصي أو الحكومي.
والثالثة: هي مستوى الصراع القائم وحجمه بين سلطة الجمارك مع أصحاب البضائع المهربة، والمضبوطة، ومن خلف هؤلاء من شبكات دعم محلية، وربما إقليمية ودولية أيضاً، في ظل النفوذ المتزايد لأصحاب البضائع، على حساب الدولة، وبقية الشرائح من المواطنين، والمعززة أحياناً عبر بعض التشريعات والقوانين، المحلية والدولية، كما سبق وأسلفنا.
وفي حال أخذنا بعين الاعتبار حجم التهريب غير المضبوط، أو الذي يتم تمريره نفوذاً وفساداً، مع توسيع قاعدة البضائع المهربة، والتي لا بد أن الجميع يراها ويشاهدها في الأسواق، بل وحتى يتم التوصية عليها، عبر شبكات التهريب العاملة، مع الآثار السلبية لدخول هذه البضائع على المستوى الاقتصادي والصحي والبيئي، وخاصةً في ظل حالة الفلتان الحدودي خلال سني الحرب والأزمة، التي ساعدت على تفشي ظاهرة التهريب بشكل كبير وغير مسبوق، تتضح أهمية دور السلطة الجمركية بشكل أكبر، كما وتتضح أهمية إعادة النظر بالقوانين والتعليمات الناظمة لعملها.
التعديلات والصراع حولها
تعكف الحكومة حالياً، عبر اللجنة الاقتصادية، على دراسة مشروع قانون الجمارك وتفصيلاته، حيث تم التأكيد على ضرورة أنْ تخلص المناقشات إلى وضع قانون عصري متطور للجمارك، يتوافق مع الواقع الحالي ويوازي مثيلاته في الدول المتطورة، ويحقق انسيابية عمل الجمارك، وينظم عمل الضابطة الجمركية داخل المدن، وعبر المنافذ الحدودية، وينظم عملية نقل البضائع والمنتجات، حيث يتضمن المشروع، حسب ما رشح من الاجتماع الذي عقد لهذا الشأن بتاريخ 20/3/2017، إحداث الهيئة العامة للجمارك، كإعادة هيكلة لقطاع الجمارك، مع آليات عمل، تحد من التهريب، والغرامات والعلاقة مع المالية والضرائب، وعمل الضابطة الجمركية.
ويشار بهذا الصدد إلى ما تمت المطالبة به من قبل بعض الفعاليات التجارية في دمشق مؤخراً، خلال لقائها مع رئيس الحكومة، بخصوص عمل الجمارك داخل المدن، وحول دخول عناصر الجمارك إلى المحال التجارية، وتجاوزات الضابطة الجمركية.
حيث رفض مدير جمارك دمشق، خلال تصريح له عبر إحدى وسائل الإعلام، اتهامات التجار بقوله: «الضابطة الجمركية تعمل بموجب القانون رقم 38، الذي أجاز لرجال الضابطة الجمركية عندما يكلفون بأمر التحري، الموقّع من المدير العام، أو النيابة العامة حسب الصلاحيات، بالتحقيق أو المراقبة اللاحقة، كما أنه حدد أيضاً الأماكن التي يحق لها دخولها، ومنها المحال التجارية، وبأن إدارة الجمارك تعمل ضمن القانون ولا تخالفه أبداً».
المصلحة الوطنية أولاً!
بعيداً عن السجال الدائر، بين الجمارك والفعاليات التجارية، ونتائجه، المباشرة وغير المباشرة، ما يعنينا من أمر، هو إن مشروع القانون قيد الدرس، معني بشكل مباشر بدور سلطة الجمارك، بمقابل دور أصحاب البضائع، على تسمياتهم وتبعاتهم المختلفة، المحلية والاقليمية الدولية، وبالتالي فإن التشريع الجديد، واعادة الهيكلة القادمة، يجب أن تصب عملياً باتجاه واحد أوحد هو حماية الاقتصاد الوطني بعنوانه العريض، عبر حماية المنتج المحلي أولاً، ومنع التهريب ثانياً، ورفد الخزينة بالإيرادات ثالثاً، ورابعاً وأخيراً تأتي مصلحة أصحاب البضائع، دخولاً وخروجاً وتداولاً، بما يحقق مصلحة الاقتصاد الوطني ولا يتعارض معها.
ما نخشاه بهذا الصدد، هو أن يتم اغفال كل تلك النقاط، والتركيز على مصلحة أصحاب البضائع، وأرباحهم المتوخاة، بعيداً عن المصلحة الاقتصادية الوطنية عموماً.
ولعل خشيتنا تلك، تأخذ مشروعيتها من خلال استمرار الحكومة بنهجها الليبرالي المحابي لحماية مصالح أصحاب الأرباح، دون غيرها من المصالح، بما في ذلك المصلحة الوطنية العليا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 803