النزوح الثالث بسبب المياه... خطة طوارئ «فاشلة» واستغلال
حملوا ثيابهم المتسخة، وما خف حمله من المنزل كله، في رحلة نزوح إلى مناطق آبار المياه، قد تطول أو لا تطول، هذا «النزوح» الثالث بالنسبة لكثير من الأسر في حي ركن الدين الدمشقي، المهجرون من محافظات أخرى إلى مناطق توترت فيها الأحداث، ثم منطقة آمنة في دمشق التي تعيش اليوم معاناة مع شح المياه.
أغلب من التقتهم قاسيون «نزحوا» إلى مناطق في ريف دمشق، بعد فقدان الأمل من وصول مياه الشرب إلى منازلهم منذ أكثر من أسبوع، بموجب خطة طوارئ «فاشلة» على حد تعبيرهم، وضعتها مؤسسة المياه منذ سنوات، ولم تقم بتعديلها أو سد ثغراتها رغم مرور عدة أزمات مياه على دمشق، خلال السنتين الماضيتين.
ثغرات دون صيانة منذ سنوات
بعد انقطاع مياه الشرب عن دمشق، أعلنت مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي عن خطة طوارئ، وهذا الإعلان ليس بجديد على المؤسسة التي أعلنت عن الخطة ذاتها خلال أزمات المياه السابقة، لكن هذه المرة أرفقت الخطة بجداول يومية للمناطق، بعد تقسيم دمشق إلى قطاعات، إلا أن هذه الجداول بقيت حبراً على ورق، في كثير من القطاعات التي لم تر المياه طيلة فترة الانقطاع.
مؤسسة المياه اعترفت: أن الخطة تحوي ثغرات، وأعلنتها صراحة، بأنها غير قادرة على توصيل المياه إلى المناطق المرتفعة في ركن الدين والجادات والمهاجرين، رغم إعلانها عن بدء العمل على حل المشكلة عام 2014، وجاء اعتراف المؤسسة لاحقاً للمشكلة التي طرأت، وبعد موجة استياء نتيجة عدم تطبيق البرامج المنشورة، وعدم الالتزام بمدة وصل المياه ليوم كامل، كما قالت المؤسسة بداية المشكلة، مؤكدةً أن «الانقطاع سيكون ليومين والوصل ليوم»، لكن المؤسسة تراجعت وأكدت لاحقاً أن وصل المياه يكون بكميات محددة وليس ليوم كامل، فقد تنتهي الكميات بساعة أو ساعتين.
تصريحات متناقضة
في شهر كانون الأول 2014، عانت دمشق من أزمة مياه، كان المتضرر الأكبر منها مناطق ركن الدين والجادات والمهاجرين، باعتبارها مناطق مرتفعة، وقال حينها مدير المؤسسة حسام حريدين: إنه «تم تمديد خط بديل للمنطقة كي لا تحدث اي مشاكل لاحقة، كون المنطقة كانت تعتمد فقط على مياه الفيجة، أما حالياً، فقد دخلت إليها آبار احتياطية، ويتم حالياً وصلها مع الشبكة»، على حد تعبيره، لكن الأيام كشفت زيف هذه الوعود، وبقيت الخطة «فاشلة» رغم ترويج مؤسسة المياه لها على أنها فعالة وقادرة على إعادة المياه لمجاريها خلال 48 ساعة على أبعد تقدير، والقدرة على تخديم العاصمة مهما طالت مدة انقطاع مصادر المياه.
عادت مشكلة انقطاع المياه من جديد في شهر آب 2015، حين لم يلمس المواطنون جدوى خطة الطوارئ المعلن عنها ولا أي تعديل عليها، وفي تشرين الأول من العام ذاته، حصل انقطاع أطول وأصعب للمياه، استمر لأكثر من اسبوع ولم تستطع حينها خطة الطوارئ تخديم كثير من أحياء دمشق، ومنها «باب توما، وبوابة الميدان، ونهر عيشة، ومناطق مرتفعة من ركن الدين».
مدير عام المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي محمد الشياح، عاد ليناقض تصريحات المدير السابق حسام حريدين، وقال: «لا بديل عن نبع الفيجة وبردى وحاروش لتغذية مدينة دمشق، بسبب عدد السكان الكبير، ولا يمكن للآبار أن تكون بديلاً أو أن تشكل تعويضاً عن النبع»، مضيفاً أنه «تجب المراعاة، أن لحوض المياه الجوفية استطاعة معينة لا يمكن تجاوزها لدرجة كبيرة واستنزافها لأنها ستؤدي لكوارث في أبنية العاصمة، وقد تؤدي لتسرب المياه الملوثة في حوض ريف دمشق إلى المياه الجوفية في دمشق».
وحول توفير المياه للمناطق المرتفعة، أكد أن «الخزانات التي تقع في تلك المناطق وتغذيها مياه نبع الفيجة ونهر بردى هي مصدر المياه الوحيد لها، ومن المؤكد أن الضخ بموجب خطة الطوارئ لن يصل للمناطق المرتفعة جداً»، علماً أن الصهاريج لا تصل إلى تلك المناطق لارتفاعها وضيق أزقتها العشوائية.
وعن المشروع القديم لتحسين خطة الطوارئ، قال: «تم البدء بحفر الآبار في قاسيون وركن الدين، وبالقرب من مركز البحوث العلمية، لكنها لا تؤمن كميات كافية تلبي الحاجة للمياه، وهذه المشاريع استراتيجية ومعقدة، لذا تحتاج للكثير من الوقت».
أزمات مرتبطة موجعة أكثر
اليوم، تبين ضعف الخطة، وعدم أخذ القضية على محمل الجد منذ سنتين، وهذه المرة كانت الأزمة موجعة أكثر بالنسبة للمواطنين الذين فقدوا الأمل من حصولهم على المياه من مصدرها الأساسي قريباً، وخاصة مع تصريحات وزير المياه ومدير المؤسسة التي تؤكد: أنه لا يوجد موعد في الأفق لعودة المصادر، كما لا يوجد حل لقضية عطش بعض المناطق لعشرة أيام.
انقطاع المياه أفرز أزمات عدة مرتبطة به، منها بدء الاستغلال والمتاجرة بعبوات المياه المختومة، التي وصل سعرها في بعض المناطق إلى 200 ليرة للعبوة الواحدة و 1200 لصندوق الـ 6 عبوات 1.5 لتر نوعية بقين، في حين وصل سعر عبوة «السن» من السعة ذاتها إلى 175 ليرة، بينما بقي السعر في المؤسسة الاستهلاكية 110 ليرات سورية تقريباً للعبوة من أـي مصدر.
أول من باع
وقد بدأت المؤسسة العامة الاستهلاكية مع بداية أزمة المياه، حملة ضخمة لبيع كميات كبيرة من صناديق المياه المعدنية في دمشق، بسعر 650 لصندوق الـ 6 عبوت 1.5 لتر، حيث أكد مدير عام المؤسسة العامة الاستهلاكية: أن مبيعات المؤسسة من عبوات المياه منذ السبت حتى الأربعاء من الأسبوع الأول للأزمة، وصلت لحوالي 300 ألف طرد بواقع حوالي 50 ألف طرد يومياً”.
لكن حتى تدخل المؤسسة لم يستطع الاستمرار طويلاً، فقد بات الحصول على عبوات المياه من الأسواق والمولات شبه مستحيل، يوم الجمعة الأول من أزمة المياه نتيجة الإقبال الكبير، باستثناء بعض المحلات التي خزنت كميات كبيرة من مياه «السن» فقط.
فرصة تكسب للبعض
ومن المشاكل التي خلقتها مشكلة المياه، ارتفاع أسعار الخزانات و«بيدونات» المياه الفارغة، والاكتظاظ على محلات بيع المأكولات الجاهزة، وارتفاع أسعار المياه غير الصالحة للشرب، حيث وصل سعر الصهريج 5 براميل إلى 10 آلاف ليرة.
ووصل سعر «البيدون» الفارغ سعة 10 ليتر إلى 500 ليرة، وسعة 20 ليتر إلى 1200 ليرة وسعة 25 ليتر أكثر من ذلك، في حين تراوح سعر الخزان سعة 2.5 برميل بين 18 و22 ألف ليرة، كما وصل سعر الخزان سعة 5 براميل إلى 35 ألف ليرة، أما الخزان سعة 7.5 برميل بـ55 ألف ليرة، بينما بلغ سعر الخزان نوع أول سعة 2000 ليتر 80 ألف ليرة.
وذلك كله باطار المزيد من استغلال حاجات المواطنين، من قبل شرائح جديدة على خطوط أزماته.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 792