عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

هل أربعون عاماً لا تكفي؟

أربعون عاماً مرت على تنفيذ الإحصاء الاستثنائي الجائر بتاريخ 5/10/ 1962 في محافظة الجزيرة، الذي تم بموجبه تجريد عشرات ألوف العائلات الكردية من حق الجنسية والمواطنة، وما يستتبعه من ضياع حقوق لاحقة ترتبط به، واعتبروا أجانب متسللين ـ كما يسمون ـ رغم الوثائق القديمة التي بحوزتهم، وتشهد لهم تواجدهم على أراضي الجمهورية العربية السورية أباً عن جد وأجداد

من البديهي أنه لا يوجد نشاط وقرار سياسي اقتصادي اجتماعي، دون أن تكون له أرضية وجذور طبقية، لكن بخصوص هذا الإجراء، يمكن القول بأنه كان له، لا أبعاد اجتماعية طبقية وحسب، بل وجذور شوفينية عميقة أيضاً.
رغم النواقص في قانون الإصلاح الزراعي الأول لعام 1959 في عهد الوحدة السورية المصرية، شكل صدوره خطوة أولية إيجابية في حل قضية الأرض لفلاحي سورية.
وإذا كان هذا القانون قد استقبل بالتهليل والارتياح والأمل من الفلاحين المحرومين من الأرض، لكنه أثار عاصفة من السخط والحقد والاستنكار بين أوساط بقايا الإقطاع وملاك الأراضي الزراعية، وكبار المزارعين، وأبرزهم آل أصفر نجار الذين بلغت أكبر مساحات كانوا يستثمرونها سنوياً حوالي 400 ألف دونم.
في مطلع عام 1962 من عهد الانفصال طرح مشروع شوفيني عنصري في الجزيرة لتهجير سكانها، وتجريدهم من حق المواطنة والجنسية السورية، بعد إحصاء استثنائي في المحافظة فقط.
وفي عهد الانفصال أيضاً، انتخب الياس نجار نائباً عن الجزيرة، في البرلمان السوري. فشكل وفداً من شيوخ وأغاوات عشائر عربية وكردية ومن كبار المزارعين، وقابل في دمشق الجهات المسؤولة المختلفة. وادعى ـ زوراً وبهتاناً ـ بأن هجرة فلاحية واسعة جرت من تركيا إلى سورية، منذ صدور قانون الإصلاح الزراعي، وطالب بإجراء إحصاء استثنائي في الجزيرة، لحرمان هؤلاء «المتسللين الأتراك» من حق الاستفادة من القانون المذكور.

وهكذا التقت في دمشق «عفوياً» وتضامننت وتضافرت مساعي وجهود الحاقدين على الإصلاح الزراعي، مع خط المشروع العنصري الآنف الذكر، وصدر على الإثر المرسوم رقم 93 شهر أب 1962 القاضي بإجراء الإحصاء الاستثنائي في الجزيرة، الذي نفذ مباشرة بعد أقل من شهرين.
رغم الإجراءات المتخذة، من مشكلة المدعوين بالأجانب، والمجردين من حق الجنسية العربية السورية والمواطنة، التي أعادت هذا الحق لكثيرين، إلا أن ذيولها ـ رغم توالد عدة أجيال ـ لا تزال تجثم على صدر وأنفاس نسبة كبيرة منهم، لما يقاسون من صعوبات جمة، ويقلقون بشأن مستقبل مصيرهم، وينتظرون بترقب وأمل، حلاً جذرياً لمشكلتهم المزمنة، ينقذهم مما هم فيه.
إن سنوات خمس من الإقامة القانونية في البلاد الأجنبية تضمن وتكفل لصاحبها حق التجنس والمواطنة. فهل أربعون عاماً عندنا لا تكفي؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
177