عشرون بوصة .. ألف قتيل..

تتالي الصور العنيفة ثلاثية الأبعاد..  تخلق حالة من الاعتياد على مظاهر القتل والتخريب، ليصبح المباح داخل اللعبة، مباحاً خارجها..
ألعاب، قد تصيب الأطفال بالصرع.. تزيد من نشاطات الشحنات الكهربائية في الدماغ، الذي ينشط مع وجود الإشارات الضوئية المتقطعة، الصادرة عن الأجهزة الإلكترونية.

في الوقت الذي فقد فيه الشباب كراسيهم المأمولة، استطاع بعضهم أن يجد بديلاً عنها وراء أجهزة الكمبيوتر وفي وسط ألعابه الإلكترونية/ وليس هذا بالمستغرب طالما أنك وبكبسة زر، تستطيع أن تخلق حدثاً، أو تتخذ قراراً، أو تحطم منشأة، أو تقتل «إرهابياً»…
وما لا يمكن تحقيقه في الواقع الفعلي تستطيع أن تتجاوزه بمراحل عدة في واقع افتراضي. قد تصبح جزءاً منه، بدوام معايشته.
لديك كثير من الأزرار، أي كثير من الخيارات، وساحة القتال لن تتعدى الـ /20/ بوصة، ولابد من نسيان شروط القتال، الفروسية، أو تناسيها على الأقل، فإذا ما طعنت من الخلف، إعلم أنك في الخلف.
في محلات الألعاب الإلكترونية المنتشرة بكثرة في الأونة الأخيرة في احياء دمشق وضواحيها، تجد لغة متمايزة عن لغة المحيط ومفردات لا يستطيع التحدث بها، إلا المنتمي لجيل «الكنتري سترايك» و«التومبرايدر»، والانتماء غير محدد بشرط عمري، فالأعمار تتراوح بين الست سنوات والثلاثين سنة، كما أن سعر (التيم) لا يتجاوز الثلاثين ليرة سورية.

أحدهم يقول لصديقه بعد أن تقاسما المهمات في اللعبة: (خودفتك) وهو تعبير عن فعل القتل من الخلف، والرد لن يكون صعباً بالنسبة للصديق،إذ أن الشتائم كثيرة، وخصوصاً ما ينتمي منها/ لطقوس العالم الذكوري…
في الداخل أيضاً عدة أجهزة للاستخدام أو اللعب، ويستطيع المستخدم أن يعمل على الأنترنيت (وهذا قليل) أو أن يلعب مع بقية الشباب ألعاب الموت ليضيف إليها خبراته البصرية التي اكتسبها من افلام هوليود الشيقة، ففي اللعبة مجموعة «إرهابيين»، وآخرون «مخلصون» يريدون صراعهم بأحدث الأسلحة الأمريكية التقليدية ليقتل أولهم الرهائن أو ينقذها الثاني، وليس مهماً أن تكون إرهابياً أومنقذاً، بل الأهم أن تحقق أكثر قدر من الإصابات الممكنة، وأن تحافظ على مخزونك الدموي المهدد بالنضوب في أي لحظة، ومن يجلس بجانبك، صديقك في المقهى، وعدوك في اللعبة.

المقهى يغلق في الساعة الثانية عشرة ليلاً، أما اللعبة، فوقتها مفتوح، ومن يسقط من السماء تستقبله الأرض.`
صفوان مدير أحد محلات الكمبيوتر يقول: «نحن إلى حد الآن لم نحصل على ترخيص من قبل المحافظة، ويشاع الآن أن الترخيص يتطلب /75000/ ل.س، وقد منعت الألعاب في مقاهي الأنترنيت، إلا أن رزقنا كله يتوقف عليها، وقد أغلق محلي مرتين بسبب الألعاب، لكني لا أستطيع أن أوقف استخدامها، لأنني وباختصار أريد أن آكل، ومن ثم، الضرر الذي يلحقه الناس بألعاب الكمبيوتر، ليس صحيحاً بالضرورة، فالألعاب تعوّد الطفل على استخدام الجهاز، وتنمي مقدرته على استعماله»، ويوافقه أحد الشباب الموجودين في الرأي:

(يا أخي، لماذا المبالغة في طرح كل شيء، أريد أن أسألك، ماذا يمكن لنا أن نفعل إذا لم نلعب، على الأقل هنا نستطيع أن نلتقي مع أصدقائنا، نمارس شيئاً مشتركاً، نضحك قليلاُ، نشتم بعضنا قليلاً.
جرب أن تخرج بضع خطوات، لتسمع أحاديث الناس: زيادة أسعار، جوع مفرط، ترف مفرط، على الأقل نحن هنا نمرر بعض الوقت بسلام).
 ما يمكن لحظه في هذه الألعاب، ذات المراحل المتعددة، هو تتالي الصور العنيفة ثلاثية الأبعاد، التي قد لا تكون منفرة للعين المبصرة إلا أنها تخلق حالة من الاعتياد على مظاهر القتل والتخريب، ليصبح المباح داخل اللعبة، مباحاً خارجها. والمجتمع الذي لم يدرك خطورة ما هو قادم، يعتقد أن كلمة «كومبيوتر» موازية لكلمة «معرفة»، وجل ما يمكن أن تفعله أم تجاه ابنها الصغير، هو منعه من الذهاب إلى محل الألعاب في أيام الامتحانات، ليقوم هو بنفسه، باللعب فيها (أي بالألعاب) داخل غرفته، ولوحده بعيداً عن رفاق السلاح…
أحد مواقع الألعاب على شبكة الأنترنيت (heprmind) وهي بعدد نجوم السماء، يعلم المستخدم طريقة اللعب ويخلصه من الضجر بسهولة، فيقرأ المستخدم في بداية اللعبة: «إذا أردت يوماً تحطيم الكومبيوتر، أو تكسيره، فإن هذا الموقع يوفر لك الأدوات اللازمة لذلك، مثل المطرقة والأحجار والمسدسات، وذلك من خلال ألعاب صغيرة تستعملها على سطح الشاشة لتريح أعصابك» والكلام ما زال للكومبيوتر!!.

صناعة برامج الألعاب في العالم محتكرة بأيدي عدد قليل من الشركات الضخمة الأمريكية، ولا توجد في سورية سوى لعبة واحدة تحكي قصة طفل فلسطيني يقاوم الجنود الإسرائيليين بالحجارة، إلا أن هذه اللعبة لم تلاق رواجاً، وبعضهم لم يسمع بها، نتيجة ضعف مستواها التقني مقارنة مع مثيلاتها الأمريكية، مما يزيد سهولة اختراق وعي الطفل السوري، الذي فضل الـ «هاي لايف» على البسكويت والشوكولا.. إضافة لآراء الأطباء الذين يرون أن هذه الألعاب، قد تصيب الطفل بالصرع، حيث تعزز من حدوث وانتشار المرض، خصوصاً في حال توافر الاستعداد الوراثي، إذ إنها تزيد من نشاطات الشحنات الكهربائية في الدماغ، الذي ينشط مع وجود الإشارات الضوئية المتقطعة، الصادرة عن الأجهزة الإلكترونية.     ■ ■

معلومات إضافية

العدد رقم:
176