التلوث... وحكاية «وادي سفيرة»!!

كان وادي سفيرة في زمان ليس بالغابر يعتبر أحد المناطق الجميلة القريبة جداً من دمشق ونوعاً من المتنزهات  الطبيعية لأهل المنطقة القريبة لأنه وبحكم طبيعته كوادٍ يستقبل جل مياه الأمطار التي يجمعها من سفح قاسيون قربه ويستطيع الأطفال أن يلعبوا بين أشجاره الوارفة وتحت ظلالها.

وبالتدريج ومع التوسع العشوائي للسكن المخالف أخذ السفح السفلي للوادي بالتقلص حيث غمرته المنازل الصغيرة المخالفة وتآكلت بقايا الأشجار ولكنه كان لايزال يجلب الماء التي تتجمع لتنبع في الربيع والصيف من ينابيع صغيرة مياهاً عذبة من خير المطر  وهواءً عليلاً باعتباره أحد الفتحات الهامة التي تجلب الهواء النظيف من خلف الجبل. حتى طلعت برأس أحدهم فكرة لا سابق لها ألا وهي أن يتحول وادي سفيرة جامع المياه النظيفة والهواء النقي إلى مقلب للنفايات الناتجة عن البناء ومقلباً للقمامة مفتوحاً لكل من يرغب في أن يرمي به ما يريد. ويستطيع من يشاء الوصول إلى سفحه العلوي لترك مخلفاته عبر الطريق المار خلف جبل قاسيون وأعلاه بغض النظر طبعاً عن النتائج البيئية الحاصلة والممكنة الحصول جراء ذلك. وسرعان ما تحول مقلب النفايات المرخص  من قبل محافظة دمشق هذا (يجدر الذكر إلى أن محافظة دمشق هي المسؤولة عن اختيار هذا المكان كمقلب) إلى بؤرة لتجمع نابشي القمامة من العيار الثقيل أي ليس أولئك الأطفال الذين يبحثون عن العلب البلاستيكية بل أصحاب حرفة جمع المواد القديمة والصالحة للاستهلاك بسياراتهم الكبيرة. وتمت تسوية الحفرة المسماة وادي سفيرة وتغطيتها بشكل شبه كامل بالبقايا والمخلفات والأتربة والقمامة وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار التبعات الجيولوجية باعتبار أن هذه المخلفات ليست تربة متماسكة وبالتالي فهي عرضة للانهيار عند أول احتمال فوق رؤوس سكان الأحياء المجاورة وهي حي وادي سفيرة وجزء من مساكن برزة وركن الدين منطقة ابن النفيس وكذلك دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل البيئية كتلوث الهواء الناجم عن حمل تيارات الهواء للأتربة والهواء المشبع بالتخمرات والجراثيم الناجمة عن تحلل القمامة ولسنا بحاجة إلى دليل على وجود هذه التيارات سوى بناء مشفى ابن النفيس الذي بني أصلا في هذه المنطقة بناءً على نقاء هوائها الناجم عن هذه التيارات القادمة من خلف قاسيون ( حسب استشارة ابن سينا المعروفة). وكذلك المياه التي أصبحت اليوم مضطرة للمرور عبر مصفاة القمامة والنفايات لتغسل أقذارها وترميها في جوف الأرض أو لتمر بها بين بيوت الأحياء في الأسفل. هذا إن أهملنا التبعات الصحية الناجمة عن تلوث هواء المشفى وتعريض حياة وصحة نزلائه للخطر الناجم عن تحويل منطقة من واحدة من أنظف المناطق هواءً إلى واحدة من أقذرها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
176