مجلات الطفل العربي ـ المبكي المبكي فعلا!!

في بحثٍ أعددتُه كمشروع تخرجٍ بعنوان: «القيم التربوية المطروحة في بعض مجلات الطفل في الوطن العربي» استوقفتني ملاحظات كثيرة، أهمها:

1ـ أن ما يقدم للطفل العربي مقارنة بغيره، هو أقل من ضئيل.
2ـ إن المجلات المترجمة المقدمة للطفل العربي هي حقاً بائسة، تنسجم مع الطفولة بالطبع، لكنها لا تساعد الطفل على التلاؤم مع محيطه بشكل أفضل، ولا تنطلق من حاجاته الحقيقية كطفل عربي، له ظروفه الاجتماعية والاقتصادية وما إليها، المختلفة عن غيره من أطفال العالم.
3ـ لفتني موضوع (ديمقراطية الثقافة)، فلكل طفل الحق في الثقافة، لكن عدداً لا يستهان به من الدول العربية لا يصدر مجلات أطفال البتة، كما أن كثيراً من الأطفال العرب يعيشون تشرداً أو يعانون فقراً وعمالة، ومنهم من لا يعرف أن يقرأ حرفاً..
4ـ للثقافة الطفلية وسائط متعددة، ولكثرتها لا ننتبه لما تنقله هذه الوسائط إليهم، إن كان عن قصد، أو عن غير قصد.
5ـ لابد أن نراعي في ثقافة الطفل ما يناسبه ويسهم في تربيته بالشكل الأمثل، فهل كل ما يقدم في ثقافة أطفالنا يسهم حقاً في تربيتهم وبناء شخصيتهم بشكل سليم، ويجعلهم أعضاء فعالين في مجتمعهم؟
6ـ نتحدث عادة عن ثقافة عربية، وعن مثقفين عرب، نذكر أعلاماً عربية، وأخرى أجنبية، ولكننا قلما نركز على ثقافة طفلية، إذ أن المعظم يعتبرونها جزءاً من ثقافة الكبار، أو تابعاً لها.
7ـ جاء في اتفاقية حقوق الطفل: «تعترف الدول الأطراف بالوظيفة الهامة التي تؤديها وسائط الإعلام وتضمن إمكانية حصول الطفل على المعلومات والمواد من شتى المصادر الوطنية والدولية، وبخاصة تلك التي تستهدف تعزيز رفاهيته الاجتماعية والروحية والمعنوية وصحته الجسدية والعقلية». فهل هذا قائم حقاً مع استنساخ مجلات طفلية أجنبية وترجمتها (في أحسن الأحوال)، أو في بقاء الأطفال مشردين أو عاملين، أو في بقاء نسبة الفقر أو التسرب من المدرسة كما هي؟
8ـ هناك فرق بين ثقافة، وثقافة وظيفية، فالطفل كائن اجتماعي، إلا أن الثقافة الآتية من مجلات الطفل العربية تنقصها بالمعظم هذه (الوظيفية) فهي لا تستجيب لنمو الطفل أو حاجته في التعبير عن نفسه أو في الإبداع، والمجلات لا تزال تنظر للتربية على أنها وظيفة المجتمع تجاه الطفل، عوضاً عن كونها مشروعاً اقتصادياً مستقبلياً من خلال عملية تنموية شاملة، كون هذا الطفل محور كل عملية إنتاجية وغايتها.
9ـإ ن الثقافة الطفلية ثقافة بنائية، لكن بقلة مصادرها، واستنساخها بفلترة قليلة قد لا تكون بنائية، أو تبدأ بهدمٍ مسبق.
10ـ لقد غدت ثقافة الأطفال العرب ساحة لصراع الأفكار والتمثيل الإيديولوجي الاستغرابي، فخوطب الطفل العربي عبر وسائل ثقافية أجنبية متعددة مبكراً وبحجم أكبر مما خاطبته به المؤسسات العربية الرسمية.
11ـ لثقافة الطفل خصوصية اجتماعية واقتصادية وفكرية، وغيرها من الخصوصيات، وذلك حسب الفئة العمرية، وإن الاكتفاء بترجمة مجلات أجنبية فهذا يؤدي لقتل معظم هذه الخصوصيات، كما أن الاعتماد على مجلات (عربية) غير مدروسة نفسياً أو تربوياً أو اجتماعياً بإتقان، قد يقتل خصوصيات أكثر.
12ـ أدب الأطفال هو مجموعة من الإنتاجات الأدبية المقدمة للأطفال، التي تراعي خصائصهم وحاجات ومستويات نموّهم، وهذا لا يتوافر بدقة في معظم المجلات العربية.
13ـ اعتمد أدب الأطفال على مبادرات شخصية، ولم يظهر (للأسف) كحركة أدبية، وقد اعتمد أحياناً كثيرة على الاقتباس والترجمة من التراث الأجنبي، رغم أن أدب الأطفال الغربي (بالذات) قام إلى حد كبير استناداً إلى التراث العربي.
14ـ لابد من تقديم بديل مبرمج مدروس يغني الأطفال عن التلهف إلى الإصدارات الأجنبية، ويشبع في الوقت نفسه بعض حاجاتهم الاتصالية.
15ـ لابد من زيادة التنبه إلى طريقة طرح شخصية الأنثى الصغيرة في مجلات الطفل العربي، إذ أنها أولى الخطوات باتجاه بناء ثقافة المواطنة الحقيقية، إذ من الضروري طرح الأنثى كمشارِكة فاعلة وأساسية في مجالات الحياة مع الذكر، لا تابعة له.
إننا بتهميشنا أهمية دراسة الطفولة، وما يحيطها، وما يحاك ضدها، إنما نساهم في تهشيم لبنة في مجتمعنا، سنضطر لاحقاً إلى إعادة تأسيسها، أو تدعيمها بصعوبة بالغة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
280