مشكلة الإحصاء.. بين الحق الديمقراطي، والمصلحة الوطنية
تعتبر مشكلة المجردين من الجنسية بموجب إحصاء1962 الجائر وما نتج عنها بحكم التراكم التاريخي على مدى العقود الأربعة الماضية وبعد التطورات السياسية الدراماتيكية في المنطقة في السنوات الخمس الأخيرة، إحدى القضايا الساخنة في المشهد السياسي السوري الراهن، لاسيما وإنها تتشابك مع مشكلة الأكراد السوريين وتشكل جزءاً منها، والتي تعتبر بدورها جزءاً من قضية النضال الديمقراطي في البلاد.
لقد نظر إليها الشيوعيون السوريون منذ البداية كقضية وطنية تهم الشعب السوري ككل، وحددوا موقفهم من المسألة باعتبارها ظلماً لحق بجزء عزيز من النسيج الوطني ينبغي أن يزال، وكونها قضية وطنية تترك تأثيراتها السلبية على الوحدة الوطنية، وضمن الرؤية السابقة الذكر، كان للشيوعيين السوريين وإلى جانب العديد من القوى السياسية في البلاد اهتمام كبير بهذه القضية سواء على صعيد النشاط الجماهيري الاحتجاجي أو العمل على لفت أنظار كل الشعب السوري والقوى السياسية إلى هذه المعضلة ومخاطرها عبر النشاط الإعلامي والدعائي باعتبارها قضية وطنية.
وكما أكدنا مرارا أن تأخير حل المشكلة سيعقدها أكثر فأكثر، فإننا نؤكد أن المماطلة والتسويف اليوم تحت أية حجة وذريعة لا ينتج عنه إلا المزيد من التعقيد، ولا مبرر أبدا لإظهار أي تعارض بين المصلحة الوطنية وحل هذه المشكلة، أو التحجج بالظروف الدولية والإقليمية، تلك الحجة التي طالما رددتها الأمزجة الشوفينية ضمن جهاز الدولة أو قوى الفساد التي تحاول تشويه الصراع الاجتماعي الدائر في البلاد ومحاولة إظهاره على أنه صراع قومي أو طائفي أو أي شكل آخر مشوه يغيّب الحلقة الأساسية ويخلط الأوراق. إن هذه الظروف تحتم الإسراع في الحل لا التأجيل.
إن استمرار الوضع على ما هو عليه على مدى العقود الأربعة الماضية وما نتج عنها من مشاكل اقتصادية اجتماعية وسياسية، والإحساس بالظلم، قادت قطاعات جماهيرية إلى الإحساس بالغربة في وطنهم، لاسيما وأن أعداد غير قليلة من هؤلاء أو آبائهم ساهموا في معارك النضال الوطني بدءا من النضال ضد الاحتلال الفرنسي أو الانخراط في المقاومة الشعبية في الخمسينات، وكم تبدو المفارقة مرة عندما نعرف أن أحفاد وأبناء العديد من الذين شاركوا في معركة «بياندور» ضد القوات الفرنسية هم محسوبون في عداد الأجانب منذ عقود بموجب هذا العار الاستثنائي في ظل الاستقلال، الأمر الذي من الطبيعي أن ينتج عنه ثقافة اغتراب تجاه قضايا الوطن، وكأن هناك من يريد أن يدفع الناس دفعا إلى مواقع ومواقف خاطئة، لا سيما وأن الوعود المتكررة لعشرات المرات بحل هذه القضية ذهبت أدراج الرياح، مما زاد من الاحتقان الموجود أصلا، وزادت من حالة عدم الثقة بجهاز الدولة، مما زاد في تصدع الوحدة الوطنية. لقد كشفت الأحداث الدامية، وما شهدته المحافظة من توتر لأكثر من مرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية حجم الاحتقان الموجود في المحافظة جراء الواقع الاقتصادي الاجتماعي والسياسي، ومنها مشكلة الإحصاء السيئ الصيت، ولأن هذه المحافظة هي نبضة في خافق الوطن، فإن القضية هي قضية وطنية بامتياز، وعدم حلها يزيد من جرعات الشحن القومي الانفعالي، مما يسهل مهمة بعض الجهات والعناصر الكردية التي من الواضح أنها جعلت من مشكلة الإحصاء بابا للمتاجرة والمزاودات الكلامية ودفع الأمور نحو المزيد من التعقيد، الأمر الذي لا يستفيد منه إلا الذين يصرون على إبقاء المشكلة – ممن هم في أجهزة الدولة - دون حل، لدرجة يظن المرء أحيانا أنه ثمة توزيع أدوار بين هؤلاء وأولئك، لتكون الضحية الأولى والأخيرة هو الوطن وأبناؤه، لاسيما وأن ذلك يتزامن مع السعي الحثيث لطغاة الحرب والنهب في الإدارة الأمريكية إلى إثارة الفتن والصراعات الوهمية، تمهيدا لمرحلة الفوضى الخلاقة كإحدى أساليب الوصول إلى ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي سيبنى على ما يبدو بجماجم ودماء شعوب المنطقة بغض النظر عن قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم.
إن المصالح المشتركة بين عموم أبناء الجزيرة السورية (عرباً وكرداً وسريان وآشور وأرمن..) هي أكبر وأقوى من أن يعبث بها قوى الظلام الموزعون بين أجهزة الدولة المختلفة والمشاركون في المناحة القومية والمسوّقين لثقافة التظلم في الوسط الكردي أو الحديث عن خطر كردي مزعوم وبالأخص زبائن السفارات..
هذا ما يؤكده الواقع الموضوعي، وهذا ما تقوله التجربة التاريخية لشعوب المنطقة، فالكل في السفينة نفسها، فإما أن تغرق بالجميع، وإما أن توصل الجميع إلى شاطئ الأمان.. نحو وطن يحافظ على سيادته الوطنية ووحدة ترابه.. وطن دون أحكام عرفية وقانون طوارئ وبطالة وفقر وظلم أيا كان نوعه وشكله .
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 283