تعلم السرقة في خمسة أيام! لا يمكن اعتبار ما يحصل ضمن (غيتو) الجمعيات السكنية سرقات غبية أو أخطاء بريئة
الجهات الوصائية الممثلة بالاتحاد التعاوني ومديرية الخدمات الفنية (قسم التعاون السكني) توقع المحاضر أصولاً دون أن تحضر اجتماعات مجلس إدارة الجمعية
لجان تحقيق لا تملك الوقت والكفاءة الفنية اللازمة
يبدو أننا لن نستخدم تعبير (لأول مرة) حتى إشعار آخر، فلا جديد اليوم سوى أن القديم مازال حديث اليوم والجديد مازال أمنية الغد…
وبما أن حديث الأمس واليوم هو الفساد ـ حديث الناس على الأقل ـ فلن نأتي إلى ما هو أبعد وسنكتفي بعرض نموذج صغير يصح كمخطوط أولي، لكتاب تحت عنوان «تعلم السرقة المنظمة في خمسة أيام»!!
ليصل قارئنا إلى نتيجة مفادها أن أهمية جمعياتنا التعاونية السكنية تتناسب عكساً مع عددها..
فلكي تكون سارقاً جيداً عليك أن تتقن السرقة، كـ «فن ثامن» يضاف إلى قائمة الفنون التي (نتعاطاها) في جملة ما نتعاطى.
تبدأ اللعبة في تفسير القوانين نفسها، وذلك بالتعامل مع النص القانوني بشكل نصوصي أحياناً ولغوي أحيانأ آخرى دون النظر إلى روح النص والهدف الذي يخدمه ويتوخاه. إضافة إلى التلاعب المنطقي الذي يعتمد مقدمات غير صحيحة ويخلط بينها ليصل إلى نتائج خاطئة تكفلها الإجراءات الشكلية.
الجمعيات السكنية، ما مهمتها؟
من المفترض أن تؤمن الجمعيات التعاونية السكنية تشييد المساكن ومستلزماتها بسعر الكلفة وهذا ما أقره قانون التعاون السكني حيث تعتبر قطاعاً خاصاً تشرف عليه إدارة عامة تتمثل في مديرية الخدمات الفنية وقسم التعاون السكني، ولندخل مباشرة في صلب ما أسميناه (لعبة):
تأتي دراسة ما بكميات مبالغ فيها وبأسعار ومساحات مبالغ فيها وفق افتراضات ما ومواصفات ممتازة، مصادقة من نقابة المهندسين على توقيع الدارس وبكشف تقديري يتوافق مع هذه الافتراضات.ومن ثم تعرض الدراسة على المستفيدين حيث تتم الموافقة من قبلهم على الكلفة التقديرية وطريقة تنفيذ المشروع وتقدير كلفة المتر الواحد، وفق الكشف التقديري السابق.
ـ يتم تعديل الدراسة السابقة (تحت أية ذريعة) فتخفض الكميات والمواصفات مع الإبقاء عل الكلفة التقديرية السابقة والتابعة للدراسة المبالغ فيها كخطوة ثانية في تسيير العملية فتعرض على المستفيدين ليتم تخصيص كلٍ منهم بشقة محددة.
وهنا يتم الخلط بالمفاهيم ما بين (المساحة الفعلية) وهي مساحة الشقة ويضاف إليها الخدمات بشكل مستقل، ومحملة حالياً على المساحة الفعلية، وبين المساحة المكافئة والتي تتضمن أو تحوي الخدمات ضمنها بفارق بينهما يساوي ضعف مساحة الخدمات. ونتيجة ما يحصل هو زيادة بالإنفاق غير المبرر أو ما يسمى بالـ (الفاقد المالي) وإنقاص المساحات أو ما يسمى بالـ (فاقد المساحي). حيث يتشكل الفاقد المالي بتنفيذ المشروع بمواصفات سيئة وغير محددة وكلفة عليا محددة مسبقاً.
ويأتي الفاقد المساحي بضم الخدمات إلى مساحة الشقة واعتبارها مساحة فعلية علماً أن المساحة الفعلية لا تضم الخدمات قانوناً وهي مدفوعة القيمة سلفاً. ولا يظهر ذلك كله إلا في نهاية المشروع، عند استلام الشقق من قبل المستفيدين، الذين سيضطرون لقبول الأمر الواقع بعد توريطهم بقروض بنكية وكل ذلك يتم بتخطيط مسبق وممنهج، والسيف يسبق العذل دائماً.
من هي اطراف اللعبة؟
إضافة إلى البلدية والجمعية التعاونية والأطراف المتصلة بهم تكون الضحية هي أول منفذ لهذه الآلية ـ وهم المستفيدون ـ وذلك بإيحاءات التوفير والاقتصاد في المواصفة مما يكفل في النتيجة زيادة الفاقد المالي، وتحتاج هذه الآلية في إدارتها إلى خبرات هندسية وحقوقية ومالية لضمان سير وتنفيذ التلاعب، واستخدام المفردات والمفاهيم الأنظمة، والتوثيق لهذه المسألة لضمان عدم الاعتراض والمراجعة، حيث تمر تحت أعين الجهات المسؤولة باعتبارها وثائق ومدونات ذات طابع شكلي إجرائي دون العودة لمضمونها ودراسة الأسباب والنتائج كونها تنفذ على مراحل متعددة وبفترة زمنية طويلة نسبياً.فتلغى إمكانية الطعن والاعتراض على تنفيذ أية مرحلة حيث تتطلب كل مرحلة منها فترة تنفيذية تتجاوز الشهر الواحد وهو زمن الاعتراض المحدد قانونياً.
يوافق (المصرف العقاري ـ الفرع التعاوني للسكن) على الدراسات ويتابعها فيتغاضى عما يرى في الواقع ويغدق المال على أعمال دون قيمتها الحقيقية كما تتغاضى البلدية عن تعارضات المنفذ مع الرخصة تحت عنوان (مخططات تنفيذية) والمغايرة للترخيص. فيتجاوز المصرف النسبة المحددة له قانونياً في تقديم الأموال وهي 50%، ويقدم أموالاً تتجاوز نسبتها 100% على المستوى الجزئي أي على مستوى الشقة الواحدة، تحت غطاء التكافل والتضامن، وغالباً ما يكون صاحب أرض المشروع هو رئيس البلدية أو أحدالمتنفذين. إضافة لبيع مساحات من الأراضي على المخططات الفرنسية والمخالفة للتنظيم وذلك بإهمال كافة حقوق الارتفاع والإشغالات (الطرق مثلاً) مما يؤدي إلى مسخ في المساحة المشتراة عند التنفيذ.
بائعو الطرقات:
أحد المتضررين اعترض على شراء الجمعية السكنية لأرض تشمل مساحات لا يجوز بيعها كونها تتبع لحق الارتفاق وتمثل منفعة مشتركة لجميع المواطنين، فكان الرد أن هذا الموضوع مرتبط برئيس البلدية وحبكت الأمور بكثير من الديباجات العريضة منها أن القرار سياسي مثلاً…
اعترض أحد المستفيدين في إحدى الجمعيات التعاونية السكنية على اللغط والدراسات المموهة والتوثيق الخاطئ والتحوير المتعمد والكشف التقديري وغير ذلك من الفوارق الكبيرة بين ما ينبغي أن يكون وما يجري على أرض الواقع واستجرار الأموال غير المعلن عنها بخلاف المنفذ، فقوبل بمماهلة ومماطلة وتسويف وتجاهل بعد أن قام مجلس إدارة الجمعية بإنشاء المحاضر بخلاف وقائع الجلسات، وتعديل وتزوير بعض المحاضر الأخرى لتسيير إدارة العملية إلى الفخ المنشود.
والنكتة الأكثر إضحاكاً أن الجهات الوصائية الممثلة بالاتحاد التعاوني ومديرية الخدمات الفنية (قسم التعاون السكني) توقع المحاضر أصولاً دون أن تحضر اجتماعات مجلس إدارة الجمعية، أو تقوم بإنشاء محاضر الجلسات بعد عقدها وبعيداً عن آذان السامعين مع ضمان التوقيع على بياض لملاحظي التصويت إذا لم ينسحبوا في بداية الجلسة.
لجان تفتيش (مسبقة الصنع):
ينفق على المشروع من الكلفة 76% هيكل والباقي ينفق على الإكساء في حين المفترض أن ينفق 36% على الهيكل والباقي 64% إكساء، وذلك لأن آلية عملية السرقة تتم بشكل أساسي في مرحلة الهيكل مما يضمن قضم القرض البنكي المصرفي وتسجيل فوارق مساحية بأسماء يتم تغطيتها ورقياً أو تحويل الحسابات إلى مكتتب في مشروع آخر لدى الجمعية نفسها.
وفي حال الشكوى على القضايا السابقة تشكل لجان تحقيق لا تملك الوقت والكفاءة الفنية اللازمة. إضافة إلى أنه، وإن حظيت الإدارة بمدير جديد، يبدأ تاريخ الإدارة من بدء استلامه ومعرفته بالقضية التي يجهل وجودها منذ فترة طويلة في إدارته، وهذا ما يلجأ إليه عادة لتضييع الوقت الذي يمكن أن يتجاوز عدة سنوات.
براءة:
لا يمكن أن نعتبر ما يحصل ضمن (غيتو) الجمعيات السكنية سرقات غبية أو أخطاء بريئة، فالواضح من الوثائق التي نملكها أن كل ما خطط له ونفذ، خضع لدراسة من قبل مهندسين وحقوقيين وغيرهم من (كوادر مؤهلة) تعرف جيداً القوانين والأسس العلمية للمشروع، فأساس اللعبة يعتمد على الاتقان، أما المواطن المستفيد فسيفتح باب شقته بعد تسليمه إياها وانتهاء المشروع ليجد أمامه لوحة كتب عليها: Game over.
* كمي الملحم
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 170